عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في عمّان، صدر للسارد والناقد والأكاديمي الأردني الدكتور غسان عبد الخالق، كتابه الثالث والثلاثين (خرافة الزمن الجميل – نحو ثقافة تنويرية جديدة) في مئة وأربعين صفحة من القطع الكبير.
اشتمل الكتاب على خمسة وأربعين مقاربة في الأدب والنقد والسياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والفن، من منظور ثقافي تفكيكي يهدف لإعادة النظر في كثير من البديهيات والمسلّمات السارية، جرّاء استسهال الركون إلى التفسيرات المريحة. وقد مثّل تقويض فكرة الزمن الجميل في هذا الكتاب المركز المحوري له، انطلاقًا من قناعة الكاتب بأن هذه الفكرة ليست أكثر من إعادة إنتاج لفكرة الوقوف على الطلل واستدعاء طيف المحبوب وظلال الزمن المواتي.
ومن أبرز المفردات / العناوين التي اشتبك الكاتب من خلالها مع مفاصل الواقع الثقافي والفكري والسياسي الراهن: الثنائيات المزيّفة في الثقافة العربية، لماذا أخفق الفيلسوف العربي؟ ما العمل بخصوص التفاهة والتافهين؟ لماذا يتهاوى تقدير الأكاديمي العربي لذاته؟ أخلاقيات العصر السائل، كيف تنبّأ أورويل بما حدث ويحدث؟ من المسؤول عن اغتيال الرجل العاشر في الوطن العربي؟ ولم يدخر الكاتب من خلالها وسعًا للتواصل مع القارئ والمثقف العام، على نحو حواري ونقدي يهدف إلى إحلال عدد من القيم الأخلاقية والمنهجية والجمالية التنويرية.
ومما جاء في مقدمة المؤلف للكتاب: إن مصطلح ( الزمن الجميل )، يمثّل أبرز المجازات الثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحياة العربية. ولن أُبالغ إذا قلت أيضًا: إن هذا المجاز يمثّل أخطر أنواع المخدّرات الذهنية؛ لما ينطوي عليه من خداع مقصود أو غير مقصود للذات الفردية والجمعية على حد سواء، ولما يتدثّر به من غلالات الرومانسية المفرطة، التي لا تعدو كونها طبقة سميكة من الحنين المَرَضي الجارف إلى الماضي، على حساب التعايش مع استحقاقات الحاضر والمستقبل بشجاعة وإقدام.
وبلغة خبراء علم النفس؛ فإنني أزعم أن (الزمن الجميل) هو الاستعارة التي أطلقها المخيال العربي المعاصر، على (منطقة الراحة) التي برعت المجتمعات العربية المعاصرة في التمترس خلفها، لتسويغ خوفها الشديد من الإقدام على ما ينبغي الإقدام عليه – فرديا أو جمعيًا – من تحديث ومواكبة ومبادرة وابتكار. وهي التي تضخّم مخاطر الاتجاه إلى الديمقراطية السياسية والحرية الفكرية والتنوّع الثقافي على الصعيد الجمعي، كما تضاعف شعورنا بالذنب كلّما امتلكنا الرغبة في مساءَلة الماضي القريب أو البعيد، وتدفعنا إلى الاكتفاء بالثناء على ( فردوسنا المفقود) الذي لو أننا امتلكنا الجرأة الكافية، لأدركنا أنه لم يكن مثاليًا تمامًا أو خاليًا من العيوب كما نتوهم، و لأدركنا أيضًا أن حاضرنا – بدوره – سيغدو لمن يأتي بعدنا زمنا جميلاً ومنطقة مريحة.
ويستدرك المؤلف قائلا: ما تقدّم لا يعني أننا ملزمون بمقاطعة الماضي، بل يعني أننا ملزمون بتعشيبه وتطهيره من الأعشاب الضارة التي حجبت أشجاره المثمرة الباسقة. وما تقدّم لا يعني أيضًا أننا ذاهبون في هذا الكتاب باتجاه سلسلة من المواعظ الاجتماعية، بل نحن ذاهبون باتجاه طائفة من المقاربات الثقافية المتنوّعة قصدًا، لنجرّب الإطلال على كثير من القضايا والظواهر والمسائل الراهنة على نحو صادم للقارئ الكسول، وعلى نحو يهدف لإخراج القارئ من شِباك الزمن الجميل وأسرِ منطقة الراحة، والإلقاء به في حمأة الأدب والنقد الأدبي تارة، وحومة الفكر والفلسفة تارة، والاقتصاد والاجتماع تارة، وساحة الفن تارة.
وكان الدكتور نبيل حداد، قد قال في تقديمه للكتاب: عزيزي د. غسان عبد الخالق، ليس للمجاملة بل للواجب؛ أنت أفضل من كتب المقالة الثقافية في الأردن؛ وذلك من حيث:
– فرادة الفكرة
– سلاسة العرض مع عمق المعنى
– الحجم المتوسط المطلوب
– وضوح الفكرة
– التشويق
– إزالة الحواجز مع القارئ
وأستطيع أن أضيف عشر سمات إيجابية أخرى، استلهاما من مقالتك اليوم عن النكتة.
صدّقني؛ لو أنك في مصر مثلا، لكان لك جمهور بمئات الآلاف…
حسنا، أنا لا أحب أنيس منصور في مرحلته الساداتية والمباركية، ولكنني كنت متعلّقا بمقالاته الثقافية عن الوجودية مثلا، في المرحلة الناصرية…
ولا ننسى أن هذا الأنيس، قد حقّق أعلى نسبة مقروئية في تاريخ الصحافة العربية، في النصف الثاني من القرن العشرين؛ أعلى من هيكل! صدّقني إن مقالتك أفضل بصورة عامة، أفضل مما كان يكتب، ولو أن مقالتك تذكّرني بمرحلته الناصرية.
متّعك الله بموفور الصحة والسعادة والحيوية؛ لتستمر في إفادتنا وإمتاعنا.