عروبة الإخباري –
لم يسبق للتنسيق الميداني بين فصائل المقاومة الفلسطينية أن بلغ ذروته وأعلى درجاته النوعية كما حدث في عملية «طوفان الأقصى»، وأثناء حرب الإبادة الجماعية المتواصلة ضد قطاع غزة، ولن ينتهي عندها، فمعركة التحرير بالنسبة لتلك التنظيمات مستمرة حتى تحرير الأرض والوطن من الاحتلال الصهيوني.وليس مستبعداً تضافر جهود المقاومة الفلسطينية بشكل أقوى لصد المساعي الخارجية للنيل منها وكسر شوكتها بعد عملية 7 أكتوبر، في إطار ترتيبات ما بعد الحرب في غزة.
لا شك بأن هناك اختلافات استراتيجية وأيديولوجية وازنة بين حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، الفصيل الثاني وزناً وحجماً في قطاع غزة وثقلاً قوياً في الضفة الغربية، فضلاً عن طبيعة العلاقات البينية التي شهدت خلال العقود الماضية فترات من المد والجزر بناء على تباين الرؤى والاجتهادات في عدد من الملفات الداخلية والخارجية، ووصلت حد الجمود والتراجع بعد سيطرة «حماس» على القطاع عام 2006.
غير أن الحركتين دائماً كانتا تتقنان فن إدارة الخلافات لصالح القضية الفلسطينية التي تجمعهما، وإن حصلت «المنافسة الميدانية» بينهما أحياناً فهي لمواجهة الاحتلال، عدوهما المشترك. أما «المنافسة السياسية» فغير واردة، فالجهاد لا تزاحم حماس فيها، إذ تمانع خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفلسطينية باعتبارها أحد إفرازات اتفاق «أوسلو» الذي ترفضه، كما لا تطمح لتشكيل حكومة أو المشاركة فيها.
ولطالما غلب التعاون والتفاهم حيال القضايا الحيوية على العلاقة الثنائية، في كثير من المحطات، لقيادة مشروع المقاومة والتحرر، ومواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
إلا أن موقف حركة «فتح» من حرب الاحتلال ضد غزة لم يخرج عن دائرة التصريحات الرسمية المُنددة بمجازره الوحشية ضد أهالي القطاع والمطالبة بوقفها، مما أدى إلى تصاعد الغضب الشعبي الفلسطيني في الضفة الغربية واستياء القوى والفصائل الفلسطينية مما وصفوه «بضعف» أداء السلطة الفلسطينية و»فتح» حيال العدوان و»العجز» عن اتخاذ قرارات حاسمة متاحة ضده.
كما تسبب، أيضاً، في حالة «تململ» وخلافات داخل «فتح» نفسها، وكشف عن حجم الانقسام بينها وبين صفوف السلطة، والذي لا يعد وليد الساعة، ولكنه قد يتفاقم في مرحلة «ما بعد» الحرب، في ظل مطالب أفراد منتمين للحركة بالعودة للعمل المسلح ضد الاحتلال والمصالحة مع «حماس»، استناداً إلى رفض كثير من القادة «الفتحاوية» رؤية حركتهم تتولى زمام السلطة على أنقاض غزة.
إن الحرب أجبرت حركة «فتح» على إعادة ترتيب بيتها، والتفاوض من أجل عودة شخصيات مستبعدة منها، على غرار ناصر القدوة ومحمد دحلان مستشار الأمن القومي السابق، وإتمام المصالحة بين الأطراف خلال مؤتمر الحركة، الذي كان مقرراً عقده بشهر ديسمبر الماضي، ولكنه تأجل.
وإذا كان التضامن الفلسطيني الملحوظ أثناء الحرب قد يمثل منطلقاً لفتح صفحة جديدة بين الفصائل الفلسطينية، إلا أن حالة الانقسام الفلسطيني وتعثر خطوات المصالحة التي كانت سائدة قبل حرب غزة، ستستمر بعدها، إذ ليس مُقيضاً أن تزول الخلافات العميقة بين حركتي «فتح» و»حماس» في الأفق القريب على الأقل.