في العام 2001 افتتح سمو الأمير الحسَن بن طلال يرافقه سمو الأمير رعد بن زيد (ديوان الدوق) الكائن في ساحة الملك فيصل ضمن بناء عمراني هو الأقدم في قلب العاصمة عمّان، قام ببنائه في العام 1924 عبد الرحمن باشا ماضي الذي أجّره لحكومة إمارة شرق الأردن التي شغلته كمركز بريد، قبل أن يتم تحويله إلى فندق حمل اسم «فندق حيفا» أواخر الأربعينات من القرن الماضي، ومنذ أن استأجره «دوق المخيبة» ممدوح البشارات بداية الألفية الثانية، أخذ قاع المدينة شكلًا آخر، وبُعدًا سياحيًا وثقافيًا غيّر من جدول أوقات روّاد وسط البلد الذين اتخذوا من «ديوان الدوق» محطة مجانيّة مهمّة يستريحون بين جدرانها العتيقة.
وحين ألقت جائحة «كورونا» نهاية العام 2019 بظلالها على كوكب الأرض، كان غازي خطّاب يضع لمساته الأخيرة على مشروعه التوثيقي الإعلاني النادر «متحف آرمات عمّان»، الذي استطاع أن يجمع بين أروقته أكثر من 1000 لوحة إعلانية مشغولة بالخط العربي الكلاسيكي؛ اجتمعت كلها في طابق من البناية رقم (1) والتي لها تاريخها في شارع السلط وسط العاصمة عمّان، من أجل عرضها على جمهور الزائرين بشكل مجانيّ.
لم يقف خطاب عند محطة المتحف من أجل المحافظة على هُوية الخط العربي الإعلاني، لكنه مضى إلى تأسيس «ديوانية الخط العربي» التي التحقت بـ(مجمّع شارع الملك الحسين الثقافي) الذي أسّسه خطاب مطلع 2024 داخل أملاك الدوق البشارات وبهبة كريمة منه، ضمّ المجمّع: مركز الدوق للتصميم، وطابق عمّان القديمة الذي تشكلت هويته بعدة أركان: «شريط عمّان السينمائي، ذاكرة الصحافة العربية، ذاكرة الإذاعة والتلفزيون، خزانة زُهراب، جدارية الدّوق»، يقع المجمّع في البناية رقم (45) في شارع الملك الحسين وسط العاصمة عمّان، أو كما يحبّ أن يسمّيه بعض العمّانيين «شارع السلط» نسبة إلى باص مدينة السلط الذي كان يحمل الذاهبين إليها.
شكّلت المحطات الثلاث «ديوان الدوق، متحف آرمات عمّان، مجمع شارع الملك الحسين الثقافي» مسارًا ثقافيًا وفنيًا، ووجهة سياحية ثقافية ألِفها المواطن الذي يحرص على زيارة قاع المدينة سيرًا على خطى والده وأجداده الذين استطاعوا أن يجعلوا من عمّان القديمة مرجعًا للذكريات التي صنعها الأقدمون في أسواق العاصمة التي حافظت على شكلها وهويتها، ولم تتخل عن طبيعتها الآسرة التي اكتسبتها من جبالها المترامية على مرمى بصر السائح المحلي والأجنبي.
يأمل الدوق وخطّاب أن يكون لهذا المسار الثقافي أثره في المحافظة على هوية المكان، وشخصية المدينة العمرانية التي اكتسبت ثقافتها من أهلها، ومن النازحين إليها منذ هجرة الشركس والأرمن والشيشان، مرورًا بالأشقاء العرب الذين وجدوا فيها ضالتهم الآمنة بعد أن أمست بلدانهم في قبضة الاحتلال والخراب.