عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية – نيرمين علي –
يتمدد الذكاء الاصطناعي تدريجاً إلى مفاصل حياتنا ويبدو أن الحب والرومانسية ليسا بمعزل عن تأثيره، إذ يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة شكل التفاعلات الاجتماعية، وصولاً إلى الطريقة التي نحب بها وتدير تطبيقاته اليوم عميلة التعارف بين البشر.
وأصبح من الممكن للذكاء الاصطناعي اليوم التعرف على علاقة الحب المحتملة، والتقريب بين الشريكين، وبهذا الخصوص أصبح لدى مستخدمي الإنترنت اليوم تحديات أخرى يتعين عليهم التعامل معها، إذ يجب عليهم التساؤل عما إذا كان الشخص الذي يتحدثون معه يعتمد كلياً على المحادثة التي ينشئها الذكاء الاصطناعي أم يدير المحادثة بنفسه؟
ومع استمرار تطور التكنولوجيا، تتطور أيضاً ديناميات العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، لنصل إلى مكان نسأل فيه، هل من الممكن الوقوع في حب الذكاء الاصطناعي؟
تطبيقات مواعدة تعمل بالـ”AI”
بدأت شركات تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت بدمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها، لتقدم طرقاً جديدة تماماً في التودد الافتراضي، إذ يستخدم البعض اختبارات الشخصية وتحليل السمات الجسدية لتدريب الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وبذلك يعدون بفرص أكبر في العثور على الشريك المثالي، ويعتقد مؤسسو هذه التطبيقات أن العالم أصبح مكاناً أكثر عزلة، وأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجعل الوضع أسهل وأفضل للناس، وبحسب تقرير “سي أن أن”.
وجدت دراسة أجرتها شركة “كاسبر سكاي” للأمن السيبراني والخصوصية الرقمية في مارس (آذار) أن 75 في المئة من مستخدمي تطبيقات المواعدة يرغبون في استخدام “شات جي بي تي” لتحقيق النتائج المرجوة.
ويصرح مسؤولو ومصممو هذه التطبيقات بحسب التقرير بأن الأشخاص يجدون أن بدء المحادثات والحفاظ عليها هو الجزء الأكثر تحدياً في العملية، إذ تقرب تطبيقات المواعدة التي تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي الأزواج المحتملين بصورة أفضل، بالاعتماد على البيانات المجمعة وتحديد مدى التوافق بين شخصين، بحيث يبني المستخدمون ملفاً شخصياً، ويختارون السمات الشخصية لروبوت الذكاء الاصطناعي الخاص بهم.
وبمجرد إرسال الرسائل البشرية عند العثور على السمات المطلوبة، تتنحى الروبوتات جانباً، وهذ ما يعده مؤسسو هذه التطبيقات تحسيناً للنظام البيئي الحالي لتطبيقات المواعدة، لكن ماذا لو أراد المرء خوض قصة رومانسية مع شريك رقمي؟
تصميم شريك رقمي
توفر بعض التطبيقات إمكانية تصميم شريك رقمي تبعاً للصفات التي يحلم بها، شريك مثالي يهتم ويتفهم ويصبر وهو متوفر كل الوقت، ففي حال الرغبة بالدردشة مع شريك يعمل بالذكاء الاصطناعي، فهناك برامج تقدم مجموعة من المطابقات المحتملة للأصدقاء الرقميين الذي من الممكن الدردشة معهم.
وفي وقت تقوم فيه هذه التطبيقات بتسويق نفسها كمساحات لممارسة مهارات العلاقات، تمنح المستخدمين فرصة للتحدث مع الروبوتات في بيئة رومانسية، مستخدمة إعداداً تقليدياً لتطبيق المواعدة، الأمر الذي يسمح للمستخدمين بالانخراط في مواعيد افتراضية.
واللافت أن المستخدمين يحصلون قبل الدخول إلى التطبيق على التحذير التالي، “كن على علم بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقول أشياء مثيرة أو غير مناسبة أو كاذبة”.
وبحسب المتخصصين، يمكن تصنيف العلاقات الحميمة مع الشركاء المدعومين بالذكاء الاصطناعي إلى ثلاث مراحل، الأولى مرحلة الرعاية والتكوين وفيها يقوم الأشخاص بإسقاط مشاعرهم وتوقعاتهم على شريك افتراضي، إذ يصممه بحيث تتوافق صفاته مع رغبته وتطلعاته من خلال ميزات التخصيص والتفاعلات.
والمرحلة الثانية هي مرحلة الارتباط التي تشير إلى مستوى أعمق من الاتصال ينبع من التفاعلات بين مستخدمين ورفاقهم المدعومين بالذكاء الاصطناعي، أما المرحلة الثالثة فهي الانفصال الذي يحدث عندما ينكسر الرابط بين الإنسان والآلة، بسبب إحساس الشخص بعدم الصدق أو عدم احترام الحدود أو من خلال توقف التطبيق عن العمل بالتالي موت الشريك الافتراضي الأمر الذي يترك أثراً مدمراً على المستوى العاطفي.
والسؤال، هل من الممكن أن يقع البشر في حب الذكاء الاصطناعي؟
تطور الذكاء الاصطناعي مع قدرة المساعدين الافتراضيين وروبوتات الدردشة على محاكاة التفاعلات البشرية الهادفة، إلى ما هو أبعد من مجرد الوظيفة والتشغيل، إذ يبدو أن البشر ليسوا قادرين على تكوين روابط عاطفية عميقة مع الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يمكنهم أيضاً تجربة الحب الرومانسي تجاهه.
الوقوع في حب الذكاء الاصطناعي
ووفقاً لبحث أجراه موقع “فوربس” هناك سببان وراء إمكانية الوقوع في حب الذكاء الاصطناعي، الأول جاذبية التجسيم أو “التشبيه بالإنسان” (Anthropomorphism) وهي إحدى النزعات المتأصلة في النفس البشرية، وتعني إسناد السمات أو المشاعر أو المقاصد البشرية إلى كيانات غير بشرية التي تلعب دوراً مهماً في كيفية تفاعل البشر مع الذكاء الاصطناعي وارتباطهم به.
فعندما يظهر الذكاء الاصطناعي سلوكات واستجابات وأساليب محادثة تذكرنا بسمات الشخصية البشرية، ينظر إليه البشر على أساس أنه يتمتع بشخصيته الخاصة، يمكن أن يشمل ذلك صفات مثل التعاطف والفكاهة واللطف وحتى المرح، التي تثير المودة والولع بصورة طبيعية، إضافة إلى ذلك غالباً ما تتضمن بيئة الذكاء الاصطناعي عناصر تصميم تحاكي الإشارات والإيماءات الاجتماعية البشرية، مثل تعبيرات الوجه ونبرة الصوت ولغة الجسد، ويمكن لمثل هذه الإشارات أن تعزز الصورة ذات الطابع الإنساني المتصورة للذكاء الاصطناعي وبدورها تستدعي استجابات عاطفية من قبل المستخدمين.
ويبدو أن التجسيم يطمس الخطوط الفاصلة بين الإنسان والآلة، فعندما ينخرط البشر في محادثات وأنشطة مع الذكاء الاصطناعي، يقومون مع الوقت بنسب مقاصد ودوافع ومشاعر شبيهة بالإنسان إلى التكنولوجيا.
علاوة على ذلك، تظهر الأبحاث أن التجسيم يزيد من تصورات الأصالة والموثوقية في الذكاء الاصطناعي، مما يجعله يبدو حقيقياً وقابلاً للتصديق ومحبوباً، ويمكن لروبوتات الدردشة أيضاً أن تجعلنا نشعر بالحب من خلال توفير المصادقة الدائمة والتخفيف من مشاعر الوحدة.
أما السبب الثاني فهو النظرية الثلاثية للحب التي تشير إلى أن الحب الرومانسي هو التقاء الحميمية والعاطفة والالتزام، إذ وجدت دراسة أجريت عام 2022 حول العلاقات بين الإنسان والذكاء الاصطناعي أنه من الممكن تجربة مثل هذا الحب مع نظام الذكاء الاصطناعي، بناءً على نظرية الحب الثلاثية، ووضح التقرير ما يستلزمه كل مكون من مكونات الحب الثلاثة، إذ يشير عنصر الحميمية إلى التقارب العاطفي والاتصال والرابطة الحميمة المشتركة بين الأفراد، وينطوي على مشاعر الدفء والثقة والمودة تجاه بعضنا البعض.
بينما ينطوي عنصر العاطفة على الانجذاب الجسدي والعاطفي الشديد بين الأفراد، ويشمل الرغبة والرومانسية والإثارة الجنسية، أما الالتزام فيعكس الولاء والقرار بتعزيز العلاقة مع مرور الوقت على رغم التحديات، وما يسمى الحب الكامل، بحسب هذه النظرية، هو الشكل المثالي للحب، الذي يتميز بمستويات عالية من المكونات الثلاثة.
ويقترح الباحثون أنه يمكن للمستخدمين تطوير العلاقة الحميمة والشغف بالذكاء الاصطناعي بسبب قدراته المعرفية والعاطفية المرتفعة، ويمكن لهذه المشاعر أيضاً أن تعزز التزامهم باستخدام الذكاء الاصطناعي لفترة طويلة من الزمن.
مستقبل الحب بين الإنسان والآلة
تسلط تجارب عدة مع شركاء افتراضيين الضوء على مجال ناشئ للذكاء الاصطناعي يختلف عن حالات الاستخدام الوظيفية التشغيلية مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، ففي حين أن الوظيفة مهمة، إلا أن المشاعر الإنسانية ضرورية أيضاً، وفي حين أن أدوات مثل “شات جي بي تي” لا يمكنها القيام بهذا الدور، يطرح الذكاء الاصطناعي العاطفي كفرصة كبيرة.
إلا انه من المهم التأكيد أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا تزال بحسب المتخصصين بمثابة صندوق أسود، واستخدامها على نطاق واسع من دون فهم كاف لمسائلها العميقة يمكن أن يؤدي إلى تفاقم قضايا الخصوصية وعدم المساواة وإثارة قضايا أخلاقية، علاوة عن التساؤل الدائم من قبل المستخدمين عما إذا كان هناك أشخاص حقيقيون يتلاعبون بشركائهم الرقميين.
والأهم من ذلك، أنه من المرجح أن يستغرق الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العاطفي وقتاً طويلاً واستثماراً كبيراً في الموارد، إذ على رغم احتياج البشر الدائم للحب فإن شكل وطبيعة العلاقات التي يريدونها ليست واضحة، بالتالي فإن ترجمة مثل هذه الأفكار لجعل الذكاء الاصطناعي أكثر شبهاً بالإنسان هي عملية أكثر تعقيداً مما قد تبدو في البداية.