عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
“نبيلة راشد النمر” أماً للطف”… كان واضحاً وداعها أمس في عمان بعد أن دخلت المستشفى لعرض عابر وتركت وراءها مسيرة طويلة مليئة بالعمل البعيد عن الضجيج، فقد اتصفت بالهدوء والروية والحزم.
“وأخذ القول أو العمل على أحسنه”، وكانت نقطة توازن في حياة زوجها القامة المناضل أبو اللطف الذي شرب حسرتها حين سبقته للمغادرة.
عاشت أم اللطف سنوات طويلة من معاناة شعبها في أكثر من موقع وجغرافيا، وظلت تسند موقف المناضلين حاثة على الصبر والصمود، وكانت صاحبة راي دون تدخل، فقد انخرطت في العمل الوطني مبكراً منذ كانت تدرس في القاهرة شأن بنات نابلس المميزات.
وقد روى لي المناضل البارز، محمود العالول، نائب الرئيس محمود عباس، وابن نابلس المعروف عن ابنة بلده… ابنة عائلة النمر ذات الصيت والسمعة المعروفة انها كان بامكانها أن تختار طرقا عديدة لحياتها، ولكن اختارت طريق النضال وجندت مئات النساء ليعبرن هذا الطريق…
فقد احتضنت ام اللطف عشرات الطالبات الدارسات في القاهرة،ومصر، أبان وجودها هناك ووفرت لبعضهن الدعم أمام ظروف واجهنها، كما وجهت وكثير منهن التحقن بالعمل الوطني وفي فتح تحديداً وبعضهن تزوج من مناضلين وقادة وبقيت الكثيرات منهم في المسيرة الوطنية وتقلدن مواقع عديدة هامة في مجال نضال المراة وحتى في الكفاح وبعضهن ترك اوراقاً ومذكرات.
تمضي أم اللطف” بهدوء وتشهد جنازتها القيادات الفلسطينية البارزة ويشهدون لحظة الوداع حين احتواها الثرى في عمان، إذ لم يتمكن أبو اللطف رفيق مسيرتها الطويلة أن يحضر بسبب مرضه وتقدمه في السن وربما لم يُخبر برحيلها لظروفه في تلك اللحظة، لقد حضر اولادها واحفادها وجمع غفير من المودعين ممن عرفوا أم اللطف … أدوارهم في العمل الفلسطيني الوطني الفلسطيني.
ذويها لأم اللطف كانوا من العائلات الفلسطينية الوطنية المعروفة، فقد كان والدها وزيرا اردنياً وكان قصر النمر في نابلس ما زال قائما، وقد سطعت في العائلة اسماء معروفة في مجال السياسة والدبلوماسية والنضال.
عاشت أم اللطف في بيئات جغرافية عديدة، بحكم مرافقتها لأبو اللطف، تكون فيها في فلسطين حيث كانت تحلم دائماً أن يكون معها فيها ابو اللطف الذي ابقته الظروف السياسية ومواقفه خارج فلسطين، ورفض ان يعيش فيها تحت الاحتلال وظلت تتنقل بين تونس وسوريا والاردن التي استقر فيها اخيراً وما زال.
حضرت العزاء أم جهاد (انتصار الوزير) زوجة القائد المناضل الشهيد خليل الوزير، وقد بدى عليها التاثر والحزن، فالمسيرة طويلة والخسارة كبيرة، والرفقة ليست هينة، وإذا كانت أم جهاد قد كتبت عن مسيرتها وكان لي شرف أن الفت عنه كتاباً.، فقد كتبت ام جهاد كتاباً عن سيرتها وزوجها الشهيد أبو جهاد الي اغتالته اسرائيل في تونس، كتاباً جميلاً كنت اتمنى ان نقرأ مثله عن مسيرة “نبيلة النمر” (أم اللطف) مع ابو اللطف فاروق القدومي لما تملكه المسيرة التي قطعاها من تاريخ ومواقف هامة للأجيال .
يستحق أبو اللطف وام اللطف ان تدون مسيرتهما في كتاب، وما زلت اذكر مقولة الرئيس عرفات “أننا نعيش في غابة البنادق” وان الديمقراطية الفلسطينية سكر زيادة في تعليقه على الخلافات الداخلية التي كان يعتبرها انها لا يجوز ان تفسد للود قضية، وهكذا ظلت نظرة الراحل عرفات لأبي اللطف حتى حين لا يتفق مع في الرأي وخاصة حول اوسلو نظرة احترام والقى له مسؤولية الخارجية في منظمة التحرير الفلسطينية دون منازع، وكذلك فعل الرئيس محمود عباس الذي ظل يحترم قادة النضال الفلسطيني مهما تعددت وجهات نظرهم، واكبر مثال على ذلك موقف الرئيس محمود عباس من القائد أحمد الشقيري الذي ظل يقدره عاليما وسمى اكبر قاعة في رام الله باسمه وقال انه “باعث الكيانية الفلسطينية الحديثة” وهذا عنوان كتابي عن أحمد الشقيري.
مضت السيدة أم اللطف وتركت نموذجاً على المرأة الفلسطينية المناضلة، مضت ونساء غزة يستشهدن بالالآف وقد اخذن على عاتقهن ان تستمر المسيرة وان تبقى الأجيال الفلسطينية حية تتمسك بحقوقها، الذين التقوا أم اللطف في ايامها الاخيرة عرفوا حجم ألمها ومعاناتها بما يحدث في غزة وخاصة للنساء والاطفال، فهي لم تتوقف عن العمل المخلص من أجلهن طوال حياتها.
كانت رمزاً للطف والمساعدة والعطاء والبركة، كان لها من اسمها نصيب وقد غادرت في لحظة فارقة من كفاح الشعب الفلسطيني.