تعد الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية شرياناً رئيساً لإدامة الحياة في قطاع غزة، إذ يعد الأردن بوابة مهمة في نقل المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية إلى الأهالي الذين يعانون ظروفاً معيشية صعبة جراء ما يتعرض له القطاع منذ أزيد من 8 شهور.
واستضاف الأردن، الثلاثاء، في منطقة البحر الميت مؤتمراً دولياً للاستجابة الطارئة في غزة، بدعوة من جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وشارك في المؤتمر قادة دول ورؤساء حكومات ورؤساء منظمات إنسانية وإغاثية دولية، بهدف تحديد سبل تعزيز استجابة المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وتحديد الاحتياجات العملياتية واللوجستية اللازمة، والالتزام بتنسيق استجابة موحدة للوضع الإنساني في غزة.
وأجرت الزميلة “جوردان تايمز” في هذا الصدد مقابلة شاملة مع الأمين العام للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية الدكتور حسين الشبلي، تالياً نصها:
س: نود أن يتعرف القارئ على عمل الهيئة الخيرية؟
الشبلي: تعتبر الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية الوجهة الرسمية المحلية لتقديم التبرعات إلى غزة، ومع مرور الوقت ولثقة المجتمع الدولي بالأردن أصبحت الهيئة محطة إقليمية لدى عديد من الدول لإرسال المساعدات براً وجواً عبر المملكة وذلك بالتعاون مع القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي التي سخّرت كل إمكانياتها في سبيل نقل المواد الإغاثية إلى غزة.
لقد تمكن الأردن من تحقيق إنجازات مهمة وكبيرة في غزة مستفيداً من خبراته السابقة وقدراته التنظيمية العالية. منذ بدء الأزمة الأخيرة قامت الهيئة الخيرية بإرسال آلاف الشحنات الجوية والبرية التي حملت المواد الغذائية والطبية والإغاثية. كانت هذه الشحنات موجهة بشكل أساسي للمستشفيات والمراكز الصحية التي تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، كما قدمنا مساعدات غذائية لمئات الآلاف من الأسر المتضررة. لم يكن ليتحقق ذلك لولا تضافر جهود فريق العمل الميداني اللوجيستي، والتنسيق المستمر مع السلطات المحلية والمنظمات الشريكة.
س: ما هي رسالتكم اليوم بعد مرور هذه الشهور الطويلة من العمل؟
الشبلي: في الحقيقة إن رسالتنا للمجتمع الدولي. هي دعوة عاجلة لتكثيف الدعم والمساعدات لغزة. الوضع يتطلب تدخلاً فورياً وشاملاً لا يقبل التباطؤ وعلى الجميع أن يقف عند مسؤولياته الإنسانية. نحن نرفع شارة تحذيرية ندعو من خلالها الدول المانحة والمؤسسات الخيرية والأفراد إلى تقديم التبرعات والمساعدات الإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني في هذه الأوقات الصعبة.
نؤكد أن التبرعات والدعم اللوجستي هما السبيل الوحيد لإغاثة المتضررين وإعادة بناء ما دمرته الحرب. التضامن الدولي والتعاون بين كافة الأطراف هو ما سيحدث الفرق الحقيقي ويعيد الأمل لسكان غزة. نحث المجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب غزة وتقديم الدعم اللازم لتحقيق التعافي والازدهار. لا نريد أن نصل إلى اللحظة التي يندم فيها الجميع على التراخي أو على عدم فعل شيء إزاء المأساة الآخذة بالتفاقم.
س: إذن، أنتم تعولون على التبرعات والدعم الدولي في إدامة عمل الهيئة داخل غزة؟
الشبلي: بالتأكيد، المواد الإغاثية في المستودعات الخاصة بنا تنضب مع مرور الوقت، لذا فإن التبرعات والدعم الدولي هما حجرا الزاوية في عملنا داخل غزة. يعتمد استمرار نشاطانا على الدعم المالي واللوجستي المقدم من الدول المانحة والمؤسسات الخيرية والأفراد المتبرعين. في غياب هذا الدعم لن نتمكن من شراء المواد الأساسية أو توفير الخدمات الضرورية للسكان. لذا، نحرص دائماً على التواصل مع شركائنا الدوليين وعرض تقارير شفافة حول استخدام الأموال والتحديات التي نواجهها، مما يساعد في بناء الثقة وزيادة فرص الحصول على المزيد من التبرعات.
س: كيف تتم عملية توزيع المساعدات؟
الشبلي: يتم عبر شراكات استراتيجية مع المنظمات الأممية والدولية المتخصصة في العمل الإغاثي. نعتمد على هذه الشراكات لضمان الفعالية والسرعة في توزيع المساعدات. مثلاً نتعاون مع برنامج الغذاء العالمي والجمعيات الشريكة العاملة في قطاع غزة لضمان توزيع الغذاء والأدوية بشكل منسق ومنظم. هذه الشراكات تتيح لنا توزيع المساعدات بكفاءة وضمان وصولها إلى مستحقيها بأسرع وقت ممكن.
س: ماذا تتوقعون من المجتمع لدولي في هذا المؤتمر؟
الشبلي: إن المشاركة الدولية البارزة في المؤتمر مهمة للغاية، فالاستجابة الدولية على المستويات كافة تؤكد أن هنالك رغبة جادة في المساعدة، نحن نسعى حالياً بالتعاون مع المجتمع الدولي والأطراف المعنية ليكون الاردن نقطة أساسية في خارطة العبور لغزة من خلال تأسيس ممر إغاثي أردني لتسهيل وصول المساعدات إلى القطاع بشكل أكثر فعالية وسرعة. هذا الممر يتضمن ترتيبات لوجستية متكاملة بالتنسيق مع السلطات المعنية بين الأردن وصولاً إلى غزة لضمان مرور القوافل الإغاثية بسلاسة. كما نقوم بتنسيق الجهود مع المنظمات الأممية والدولية لضمان توفير المساعدات بشكل مستدام ومستمر، إن الممر الإغاثي الأردني سيتيح لنا زيادة حجم المساعدات المرسلة وتقديمها بشكل أسرع للمحتاجين، خاصة في أوقات الأزمات الطارئة، ولدى الأردن ما يسعفه للقيام بهذا الدور الإنساني الأخلاقي الذي يحمله على عاتقه لما له من باع طويل في خدمة الشعب الفلسطيني.
س: ما هي المعيقات التي تواجه عمل الهيئة في إرسال المواد الاغاثية الطارئة؟
الشبلي: إن العمل الاغاثي محفوف بالمخاطر، فهو ليس سهلاً كما يظن البعض والطريق أمام عمل الجمعيات ومؤسسات القطاع الإنساني ليس ممهداً، هناك العديد من المعيقات التي تعترض طريقنا لإرسال المواد الاغاثية إلى غزة، منها القيود الأمنية المفروضة على المعابر الحدودية والتي تؤدي إلى تأخير وصولها. كما تواجهنا مشاكل لوجستية تتعلق بعدد أسطول الشاحنات الذي لا يفي بالاحتياجات وبتطلب دعمه، كما أن هنالك معيقات تتعلق بتنسيق حركة الشاحنات وضمان سلامتها حيث تعرضت قوافل عدة للاعتداءات من قبل مستوطنين. بالإضافة إلى ذلك، هنالك كلفة عالية لإرسال قوافل المساعدات، القافلة الواحدة المكونة من 100 شاحنة قد تصل كلفتها إلى نصف مليون دولار، تشمل كلف النقل والوقود وأجور العاملين، فضلاً عن التكاليف الإدارية.
على سبيل المثال، المسافة بين عمان وغزة تبلغ حوالي 220 كيلومتر، وتحتاج تغطية رحلة الذهاب والإياب لقافلة من عمان إلى غزة إلى حوالي 5000 لتر من الوقود، أما بالنسبة للعمالة فنحتاج إلى فرق متخصصة من السائقين والعمال والمساعدين اللوجستيين لضمان تحميل ونقل وتفريغ المساعدات بشكل آمن وسريع.
كما أن التنسيق للتوزيع داخل القطاع يتطلب فريقاً كبيراً من المتطوعين والعاملين المحليين، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع الجهات المحلية لضمان وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر احتياجاً. هذا العمل يتطلب تعاوناً على الأرض من قبل الأطراف الدولية (المنظمات)، ويحتاج كادراً منظماً ومدرباً جيداً لضمان فعالية التوزيع واستمراريته، وإن ضمان استمرارية هذه العجلة لتدفق المساعدات مرهون بتأمين الدعم المالي والعيني والمشاركة الفاعلة من المجتمع الدولي.
س: ما هي التخوفات التي تحيط عملكم؟
الشبلي: المخاوف التي تواجه الأردن تتضمن عدة جوانب، منها الاعتماد في تقديم المساعدات بشكل كبير على التبرعات والدعم الدولي ومن شأن أي تراجع فيها أن يؤثر سلباً على قدرة الأردن وانتظامه في تقديمها، كما أن الإغلاقات المستمرة والتشديدات الأمنية على المعابر الحدودية قد تعرقل أو تؤخر وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وهنالك تحديات تتعلق بتوفير الموارد اللوجستية الضرورية التي ربما تكون معقدة ومُكلفة، وتوجد تحديات إدارية مرتبطة بالتنسيق مع مختلف الجهات والمنظمات الدولية والمحلية التي تتطلب جهوداً تنظيمية وإدارية كبيرتين لضمان وصول المساعدات إلى المستحقين، وأي خلل في هذا التنسيق يمكن أن يؤدي إلى تأثير سلبي على فعالية عمليات الإغاثة.
الأزمات المتعددة، قد تواجه الأردن تحديات أخرى مثل الأزمات الاقتصادية المحلية أو الكوارث الطبيعية، مما يزيد من الضغط على الموارد والقدرات المتاحة لتقديم المساعدة لغزة. إن التعامل مع هذه المخاوف يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنسيقًا مستمرًا مع الشركاء الدوليين والمنظمات الإغاثية لضمان استمرار تقديم الدعم الإنساني بشكل فعال ومستدام.
س: من حديثك يظهر أن هنالك مخاوف حقيقية لما هو قادم؟
الشبلي: أعتقد أن خطر المجاعة الأكبر لم يأت بعد، سيكون ماثلاً أمام الجميع بعد انتهاء الحرب، وإذا لم نبادر الآن ونضع خطة مُحكمة فإن مشاهد قاسية تنتظرنا، ستنتشر الأوبئة وسيزداد الطلب على المستشفيات المفقودة. حقيقة لا يمكن مقارنة هذه الأزمة الإنسانية بأي أزمة سابقة في العصر الحديث، نتوقع الكثير من التحديات والمعيقات. أولاً، ستكون هناك حاجة كبيرة لإعادة بناء البنية التحتية التي تعرضت للدمار، فالتنقل داخل غزة مرهون بتأسيس شوارع جديدة يلحقها بناء المنازل، المستشفيات، والمدارس وهذا يتطلب جهوداً ضخمة وتمويلاً كبيراً يستدعي تدخلا دوليا واضحا وثابتا. ثانياً، سنحتاج إلى تقديم الدعم الطبي، والنفسي والاجتماعي للسكان الذين تعرضوا لصدمات نفسية جراء الحرب، خصوصا الأطفال والنساء مما يتطلب توفير خدمات علاجية متخصصة. ثالثاً، ستكون هناك تحديات في استعادة الحياة الاقتصادية وتوفير فرص العمل للسكان، خاصة أن العديد من الأعمال والمنشآت التجارية قد دمرت أو تضررت بشكل كبير. رابعا، تعويض الفاقد التعليمي للطلاب. هذه المعيقات تتطلب تخطيطاً دقيقاً وتعاوناً وثيقاً مع مختلف الجهات المانحة والمنظمات الدولية والتزاما دوليا بتأمين المنح والتمويلات لذلك.
نحن نفكر جديا بإنشاء مخيمات مؤقتة لإيواء الأسر التي فقدت منازلها، سيتم تجهيز هذه المخيمات بالخيام وبالمرافق الصحية وبمحطات توزيع المياه النقية. بالإضافة إلى ذلك، ونسعى لتوفير المواد الغذائية، والبطانيات، والملابس الضرورية لضمان أن تكون ظروف المعيشة في المخيمات مقبولة قدر الإمكان.
س: لعب الأردن دوراً بارزاً في المجال الإغاثي منذ بدء الأزمة الأخيرة في غزة، لنتوسع قليلاً في الحديث عن ذلك بالأرقام؟
الشبلي: بذل الاردن جهودا كبيرة لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ اندلاع الأزمة، لقد أرسل الطائرات المحملة بالمساعدات إلى في وقت مبكر عبر نقل المواد الإغاثية والغذائية والطبية من مدينة العريش المصرية، وتبعتها الانزالات الجوية التي قادها جلالة الملك في حين كانت تواجه مناطق مختلفة من غزة وتحديداً الشمال خطر المجاعة والموت، قبل أن يتمكن الأردن من إدخال المساعدات عبر القوافل البرية.
بلغ عدد الشاحنات التي أرسلت 1865 ضمن قوافل برية أردنية وأخرى بالشراكة مع دول ومنظمات دولية، ووصل عدد الإنزالات الجوية إلى 358 إنزالاً منها 257 بالتعاون مع دول شقيقة وصديقة، وأرسلت 53 طائرة إلى مدينة العريش منها 40 طائرة بالشراكة مع منظمات إغاثية، كما تمكن الأردن من تقديم مساعدات مباشرة لأهالي غزة بالتعاون مع منظمات شريكة داخل القطاع استفاد منها نحو 717 ألف غزي، ليبلغ حجم المساعدات التي وصلت عبر الأردن إلى غزة نحو 31 ألف طن، تنوعت بين مواد غذائية وإغاثية وطبية وصحية.
وكان الأردن أعلن عن دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ بداية الحرب، إذ قدمت الحكومة الاردنية دعما ماليا بقيمة 3 مليون دولار لإدامة عملها، كما عزز الأردن بتوجيهات من جلالة الملك من الكوادر والمواد الطبية في المستشفى الميداني في تل الهوى والمقام شمالي القطاع منذ عام 2009، وأمر بإقامة مستشفى آخر في خانيونس جنوبي غزة، وقد استقبل المستشفيان عشرات الآلاف من المواطنين بغزة. لقد وصلت امدادات طبية في ذروة الحرب عبر إنزالات جوية لتمكينهما من القيام بعملها وتقديم الخدمات اللازمة.
لقد كان جلالة الملك حريصاً في كل تحركاته ولقائه زعماء العالم على التأكيد على ضرورة إيصال المساعدات لأهالي غزة دون انقطاع وبشكل كاف، وتسليط الضوء على المأساة الإنسانية التي يعيشها الأبرياء في القطاع، وضمن جهوده عقد جلالته أواخر تشرين الثاني 2023 اجتماعا دوليا طارئا في عمان لتنسيق الاستجابة الإنسانية في غزة، بمشاركة قادة منظمات دولية ووكالات الأمم المتحدة وممثلي دول عربية وأجنبية، بهدف تحديد الاحتياجات الطارئة وحصر التحديات ومنع ازدواجية الجهود، وها هو اليوم يسعى مجدداً عبر المؤتمر في البحر الميت لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية بغزة.