عروبة الإخباري –
شهد الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني على مدى ربع قرن، إصلاحات دستورية عميقة أحدثت نقلة نوعية في مسيرته الديمقراطية.
ورسمت التعديلات الدستورية الأربعة في عهد الملك إطاراً متقدماً للعمل المؤسسي الديمقراطي على المستوى الاجتماعي والسياسي والإنساني، ضمن مسار تطوري تاريخي، انطلاقاً من أول دستور عام 1928 (القانون الأساسي)، مروراً بدستور الاستقلال عام 1946، وصولاً إلى دستور عام 1952 وتعديلاته التي أكدت حنكة وحكمة القيادة الهاشمية وقدرتها على الاستجابة والتفاعل المرن مع مختلف التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الأردني.
وطال تعديل الدستور الأردني عام 2011 أكثر من 40 مادة، وهو التعديل الأوسع على الإطلاق في تاريخ الأردن، وتضمن إنشاء المحكمة الدستورية لتتولى مهمة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، وتفسير نصوص الدستور، إضافة الى إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب للإشراف على العملية الانتخابية وإدارتها في كل مراحلها، إلى جانب الإشراف على أي انتخابات أخرى يقررها مجلس الوزراء، مما أنهى عصر هيمنة السلطة التنفيذية على إجراء الانتخابات النيابية.
وأعادت تعديلات 2011 التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال تحصين مجلس النواب من “الحلّ”، ووضع ضمانات إجرائية تحول دون تعسف السلطة التنفيذية عند استعمالها هذا الحق، بالنص على أن يكون حلّ المجلس “مسبباً”، وإلزام الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها أن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، مع عدم جواز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها.
كما قيّدت التعديلات صلاحية الحكومة في إصدار القوانين المؤقتة بإعادة تحديد حالة الضرورة لتشمل: الكوارث العامة، والحرب والطوارئ، والحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل، إلى جانب وضع قيد زمني لإقرار القوانين المؤقتة، كما أنهت حق السلطة التنفيذية في تأجيل الانتخاب تأجيلاً عاماً، ورفعت مدة الدورة العادية لمجلس الأمة من 4 إلى 6 أشهر.
وشكّل سحب اختصاص الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب من المجلس وإعطائه إلى القضاء النظامي، تغييرا جوهرياً على النص الدستوري السابق الذي كان يجعل من مجلس النواب، الخصم والحكم في الطعون الانتخابية، وبشكل يتعارض مع مبدأ التقاضي على درجتين الذي يعد من المبادئ الأساسية لضمان تحقيق العدالة ونزاهة القضاء.
وكرّست التعديلات استقلال السلطة القضائية والمجلس القضائي في تولي جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة، مع حظر محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، باستثناء جرائم: الخيانة، والتجسس، والإرهاب، وجرائم المخدرات، وتزييف العملة التي تدخل ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة، مع دسترة المبدأ الأساسي في القانون الجزائي وهو: ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي” بما يتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وفي 2014 خضع الدستور الأردني لتعديلات محدودة، وسّعت اختصاصات الهيئة المستقلة للانتخاب لتشمل إجراء الانتخابات النيابية والبلدية كاختصاص أصيل أو أي انتخابات عامة أخرى، ومنحت الملك حق تعيين قائد الجيش ومدير دائرة المخابرات العامة وإقالتهما، وذلك كخطوة إضافية في مسيرة الإصلاح الدستوري نحو الدفع بتغيير تشكيل الحكومات لصالح تطبيق نظام الحكومة البرلمانية، من خلال تعزيز استقلالية الهيئة المستقلة للانتخاب، وتحييد منصبي قائد الجيش ومدير دائرة المخابرات العامة عن أي نزاعات قد تحول دون قيامهما بخدمة المصلحة العليا للدولة الأردنية.
وكذلك جاءت تعديلات عام 2016 التي منحت الملك صلاحيات تعيين ولي العهد، ونائب الملك، ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ومدير الأمن العام، دون توقيع رئيس الوزراء ومجلس الوزراء.
وفي عام 2021 أمر الملك بتشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية بهدف إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية وضمان حق الأردنيين والأردنيات في ممارسة حياة برلمانية وحزبية، وصولاً إلى برلمان قائم على كتل وأحزاب برامجية، ومن بين محاور عمل اللجنة كان محور الإصلاح الدستوري، فأقرّت التعديلات الدستورية عام 2022 التي شكلت خطوة متقدمة نحو تشكيل حكومات حزبية وترسيخ مبدأ سيادة القانون وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات، وتعزيز استقلالية العمل البرلماني بما يضمن فعالية الكتل النيابية البرامجية، ويكفل الدور الدستوري الرقابي لأعضاء مجلس الأمة وتطوير الأداء التشريعي وتعزيزه والنهوض به، وتمكين المرأة والشباب وذوي الإعاقة وتعزيز دورهم ومكانتهم في المجتمع، وتطوير آليات العمل النيابي بما يعزز منظومة العمل الحزبي والحياة السياسية بشكل عام.
ومنحت تعديلات 2022 أعضاء مجلس النواب الحق في اختيار رئيس المجلس وتقييم أدائه سنويا، ومنح ثلثي أعضاء المجلس حق إقالة رئيسه، بالإضافة إلى تحصين الأحزاب وحمايتها من أي تأثيرات سياسية، وإناطة صلاحية الإشراف على تأسيسها ومتابعة شؤونها بالهيئة المستقلة كونها جهة محايدة ومستقلة عن الحكومة بما يعزز مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والنأي عن أي تأثيرات حكومية، وتوحيد الاجتهاد القضائي الصادر في الطعون المقدمة بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب، وتكريس مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص بين المترشحين للانتخابات النيابية، وتكريس قاعدة عدم تضارب المصالح وتشديد القيود على التصرفات والأعمال التي يحظر على أعضاء مجلسي الأعيان والنواب القيام بها أثناء عضويتهم، فضلا عن إنشاء مجلس للأمن القومي يتولى جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن المملكة والأمن الوطني والسياسة الخارجية، ودسترة مبادئ وقيم عليا مثل المواطنة واحترام سيادة القانون، ونشر ثقافة التسامح.