27
عروبة الإخباري - منذ احتلال فلسطين في العام 1948 شغلت الموقع الأبرز في وجدان المواطنين العرب، فقد تلحفت الشوارع العربية غضب الناس ومكنت صراخهم من بلوغ عنان السماء، فعشرات آلاف الاحتجاجات كانت شوارع العواصم العربية ساحة لها وسمحت للحناجر أن تصدح حبا وغضبا لفلسطين، هذا الأمر لم يكن جليا في العدوان الأخير على قطاع غزة فبرغم عشرات آلاف الضحايا وبرغم التدمير الممنهج لغزة وبرغم الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى بقي حراك الشارع العربي خجولا ومتثاقلا وبدا وكأنه رد للعتب أكثر من كونه ردة فعل حقيقية على ما يحدث في غزة من جرائم. هذا الخمول في الشارع العربي وحالة اللامبالاة أصبحت من الوضوح بحيث صار لزاما البحث فيها ومحاولة سبر غورها، فربما تكون التداعيات على الساحة العربية والتحولات السياسية الكبرى التي قفزت إلى واجهة الأحداث بعد الربيع العربي وقبلها الغزو الأميركي للعراق ودخول مجموعة مهمة من الدول العربية في دائرة الفشل السياسي والاجتماعي والاقتصادي يضاف اليها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في دول أخرى، تكون أسبابا مهمة للتراجع لكنها لا تكفي وحدها لتفسير ما يحدث من خمول، بينما يعزو بعض المراقبين هذا التراجع إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي والذي أدى إلى غضب المواطنين العرب من الأسباب الواهية لهذا الانقسام بالذات والشعب الفلسطيني يذبح على يد آلة الدمار الإسرائيلية، ويرى آخرون أن تغيير الأجيال وتعدد الاهتمامات وتشعبها قد يكون واحدا من الأسباب المهمة لكن هذا لم يمنع من أن يقود نفس هؤلاء الشباب حملات متعددة لمصلحة القضية الفلسطينية في أكثر من مجال، بينما يعزو الكثيرون إلى أن هذا التراجع يعود إلى تطبيع العديد من الدول العربية مع دولة الاحتلال وكما يقال الناس على دين ملوكهم. لكن يبقى الإعلام وطريقة تعاطيه مع القضية الفلسطينية والعدوان على غزة واحدا من أهم أسباب الاهتمام أو عدمه بالقضية الفلسطينية، فحالة التشبع الإعلامي بسبب التغطية المستمرة والمتكررة والعرض المتواصل للمشاهد المؤلمة مع عدم القدرة على التصرف وقلة الحيلة تجاه ما يحدث قد أدت إلى شعور هؤلاء المشاهدين بالإرهاق بالذات مع غياب أي حل ملموس، كل ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى اللامبالاة والإحجام عن الفعل، يضاف إلى ذلك تعدد وسائل الإعلام بما في ذلك تنوع وجهات النظر، وظهور العديد من محللي دولة الاحتلال على شاشات عديدة أدى إلى التشرذم وتشتت وجهات النظر فبينما ما تزال قنوات تهتم بما يحدث في غزة وفلسطين عموما تركز وسائل أخرى على قضايا إقليمية وعالمية ومحلية وهذا يبعد الانتباه عن القضية الأم، طبعاً لا يمكن إنكار أن بعض وسائل الإعلام العربية قد تتلاعب إستراتيجيا بتغطية القضية الفلسطينية حسب بعض المراقبين لخدمة أجندات سياسية أوسع نطاقا مما يؤدي إلى التشكيك وفك الارتباط بين المشاهدين والقضية نفسها. أما بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي وبرغم أنها أدت إلى زيادة التعبئة والوعي بالقضية الفلسطينية من خلال النشر السريع للمعلومات ومقاطع الفيديو والقصص الشخصية التي قد لا تصل اليها وسائل الإعلام التقليدية ورغم أنها أدت إلى زيادة التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، إلا أنها في نفس الوقت وبسبب العدد الكبير من المواضيع وحالة إدمان الشاشة أدت إلى تشتيت الانتباه إلى أكثر من مجال، وهذا بالنسبة لمناضلي الشاشات أدى إلى الإرهاق النضالي فوجدناهم يتحولون بعد فترة إلى حراس للمعبد يرجمون من لا يوافقهم الرأي بشتى أنواع التهم، فهناك حروب يومية محتدمة، أطرافها افتراضيون وفي خضمهم تدخل الحسابات الإسرائيلية لتلهب حماسهم وتقوي شكيمتهم ضد بعضهم البعض وفي الأثناء يحضر كل شيء إلا فلسطين ومن بين ما تناولته هذه المعارك كان مواقف بعض القادة العرب وهذا قد يكون سبباً في الانقسام وتراجع الاهتمام، بينما يحاجج البعض الآخر ان النظام الرسمي العربي وقمعه هو السبب لكن هذا لم يغب يوماً عن الساحة وكان حاضراً بعده وعديده وبرؤيته لكن بالعكس تماماً كلما زاد القمع احتدمت التظاهرات وأنا لا اجده سبباً مُبرراً، لكن يقفز البعض باتجاه مختلف تماما ويرون أن سبب ذلك كله يعود إلى أن المواطنين العرب يرون أن لحظة الطوفان في السابع من أكتوبر هي انتصار يستحق كل ما سيأتي بعده من التضحيات مهما كان ثقلها ومأساويتها ويرون هذا مبررا مقنعا للجلوس وعدم التحرك وقد ساهمت مجموعة من وسائل الإعلام بهذا الرأي وغذته وأضافت إليه أن النزال العسكري بين المقاومة وإسرائيل يكاد يكون متكافئا وهذا أعطى الانطباع بالاسترخاء بسبب هذه القناعة، ويحتدم النقاش حول وجهة النظر هذه في كل لحظة وعلى مساحة الشاشات العربية وهذا سبب آخر للانقسام. ومع أن كل تلك الأسباب قد تكون متهمة في إطفاء جذوة الشارع العربي إلا أنه من المستبعد تماما أن يفقد المواطنون العرب اهتمامهم التام بالقضية الفلسطينية مهما كانت الأسباب وأيا تكن الظروف، إذ ربما يكون الغضب قابعاً تحت رماد هذا الصمت الرهيب وما حصل بعد العام 1948 قد يشير إلى شيء من ذلك .