محللون: إيران لا تزال تسعى لتأكيد نفوذها الإقليمي وتبحث عن خطة عمل اليوم التالي لوقف النار في غزة
النشرة الدولية
اندبندنت عربية –
مما لا شك فيه أن حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان استقطبت اهتمام العالم، نظراً إلى أهمية المرحلة الراهنة بما تحمله من أحداث وحروب إقليمية ودولية، وما تشكله إيران من امتدادات جيوسياسية ونفوذ وعلاقات من الحرب الأوكرانية إلى حرب غزة، وصولاً إلى أحلاف تتشكل حول العالم بمواجهة القطبية الأحادية التي كثيراً ما تزعمتها الولايات المتحدة.
الزخم الإقليمي والدولي
وأتت الحادثة أيضاً بعدما كشفت مصادر وتقارير صحافية عن لقاء إيراني – أميركي عقد في العاصمة العمانية مسقط، وتناول البحث في ملفات عدة من ضمنها إمكان العودة للاتفاق النووي 2015 وتخفيف العقوبات عن طهران، مقابل ضمانات يقدمها الجانب الإيراني للضغط على “حزب الله” بغية وقف التصعيد على الجبهة اللبنانية الجنوبية، بينه وإسرائيل، والضغط كذلك على الحوثيين في اليمن لوقف هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر.
ووفقاً لما نقل عن الجانب الإيراني، أكد أن التصعيد سيتوقف فور انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، توازياً مع ما نقل عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية حول الاتفاق السعودي – الأميركي، إذ قال إنهم “وصلوا إلى النقطة التي أصبحت فيها الحزمة الكاملة واضحة للغاية”، ولكن الصراع في غزة “يحتاج إلى الانحسار من أجل فتح المجال لذلك”.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد بدوره أن الأمر سيعود لإسرائيل قريباً لتقرر ما إذا كانت ستوافق على إنهاء الحرب في غزة والمشاركة في “مسار موثوق به لإقامة دولة فلسطينية” من أجل اتفاق سلام مع السعودية، مثلما تتجه واشنطن والرياض نحو وضع اللمسات الأخيرة لإطار صفقة تاريخية، مضيفاً أنه “سيتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت تريد المضي قدماً واستغلال الفرصة لتحقيق شيء سعت إليه منذ تأسيسها، وهو العلاقات الطبيعية مع الدول ومنطقتها”.
وتابع أن الجزء الثنائي الأميركي – السعودي من الاتفاق سيتم إعداده “بسرعة نسبية بالنظر إلى كل العمل الذي أنجز”، مستدركاً أن “السعوديين كانوا واضحين للغاية بأن ذلك يتطلب الهدوء في غزة وسيتطلب مساراً موثوقاً به نحو دولة فلسطينية”.
وفي خضم هذه الاندفاعة الدبلوماسية الإقليمية والدولية أتت حادثة سقوط المروحية، مما فتح المجال أمام تساؤلات عدة ونظريات ستستمر طويلاً حول ما إذا كانت الحادثة مدبرة أو أنها عملية اغتيال من قبل إسرائيل، أو كانت فعلاً قضاء وقدراً.
إيران من جهتها اكتفت بتعليل الحادثة بأنها بسبب الظروف المناخية، لكن تبقى التساؤلات المشروعة حول سياسة النظام الإيراني المستقبلية وما إذا كان هناك من طارئ بعد الحادثة “المفاجئة”، علماً أن كثيراً من المراقبين أكدوا أنه لا تغيير ستسلكه القيادة الإيرانية في الوقت الحالي ما دام أن الكلمة الفصل تعود للمرشد الأعلى علي خامنئي الذي كان دعا إلى عدم القلق عقب “الحادثة الصعبة” ومؤكداً أنه “لن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد”.
اجتماعان لـ”الممانعة” في طهران
في هذا السياق كان لافتاً اجتماع المرشد علي خامنئي بحضور قائد “الحرس الثوري” اللواء حسين سلامي وقائد “فيلق القدس” العميد إسماعيل قاآني، بقادة في فصائل “محور المقاومة” أو “محور طهران” كما يسميه بعضهم، على هامش تشييع جثمان الرئيس رئيسي. وضم الاجتماع رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية ونائب الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” محمد الهندي ونائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم وممثلين عن جماعة الحوثي اليمنية وفصائل عراقية، وهو لقاء قالت وسائل إعلام إيرانية إنه تمت خلاله “مناقشة الوضع السياسي والاجتماعي والعسكري في غزة”.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وعلى خلفية اندلاع حرب غزة، شهدت العاصمة طهران اجتماعاً مماثلاً ضم المحور عينه، وقالت وكالة “رويترز” حينها نقلاً عن ثلاثة مسؤولين، إيرانيان وواحد من “حماس”، أن خامنئي أبلغ هنية بأن “إيران لن تدخل الحرب نيابة عن الحركة” لأن الأخيرة لم تخبرهم بالهجوم المفاجئ الذي حصل، وأكثر من هذا قال المصدر من “حماس” إن “الزعيم الإيراني الأعلى حث هنية على إسكات تلك الأصوات في الحركة الفلسطينية التي تدعو علناً إيران و’حزب الله‘ إلى الانضمام إلى المعركة بكامل قوتهما”، لكن الحركة سرعان ما نفت صحة الخبر.
فما خلفيات اجتماع مايو (أيار) الجاري وهل اختلف عن اجتماع نوفمبر؟ وهل من تصعيد يجري التحضير له من لبنان إلى اليمن مروراً بغزة؟.
اليوم التالي للمعركة
يقول الكاتب السياسي والمتخصص في الحركات الإسلامية قاسم قصير لـ”اندبندنت عربية” إن “انشغال إيران والعالم بحادثة سقوط طائرة رئيسي ومرافقيه ومراسم التشييع، لم يمنعا القادة الإيرانيين من عقد لقاءات خاصة مع عدد من القادة في المنطقة، والبحث في تطورات الأوضاع في غزة وخطة العمل لمواكبة هذه التطورات ووضع بعض الأفكار والخطط لليوم التالي الذي سيلي وقف إطلاق النار”.
ويضيف أن “اللقاءات التي عقدت في طهران كانت على ثلاثة مستويات، الأول بين خامنئي وعدد من القادة والمفكرين الفلسطينيين والمسؤولين المعنيين بما يجري في فلسطين والمنطقة، والثاني بين قادة ’الحرس الثوري‘ الإيراني و’لواء القدس‘ وكل قادة محور المقاومة، والثالث بين وزير الخارجية بالوكالة علي باقري كني والقادة نفسهم، إضافة إلى عقد لقاءات مشتركة متعددة لبحث التطورات الجارية”.
وينقل قاسم قصير عن “بعض الشخصيات العربية التي شاركت في اللقاء الخاص مع خامنئي أن الهدف منه كان تقييم التطورات التي حصلت في غزة وفلسطين والمنطقة منذ السابع من أكتوبر إلى اليوم وأن خامنئي كان مطمئناً إلى الانتصار على إسرائيل، على رغم كل التضحيات والعدد الكبير من القتلى والجرحى والدمار الكبير، وكان مطمئناً إلى أن تداعيات ما جرى على الصعيد الدولي تشكل تطوراً مهماً على صعيد القضية الفلسطينية، وأن المطلوب اليوم وضع رؤية مستقبلية للمرحلة المقبلة تواكب التطورات الجارية وتحضر لمرحلة اليوم التالي”.
إيران تؤكد استمرار نفوذها
في المقابل، يشير بعض المراقبين إلى أن إيران لا تفوت فرصة ولا تضيع وقتها، حتى في مناسبة تشييع الرئيس رئيسي، إذ أصرت على وضع لمساتها وجمع محورها في صورة للتأكيد على استمرار نفوذها وتذكير الفصائل العربية التابعة لها بشعار “وحدة الساحات”.
في هذا الشأن، يقول الباحث والكاتب السياسي السعودي حسن المصطفى لـ”اندبندنت عربية” إن “اجتماع الحرس الثوري الإيراني مع تشكيلات رئيسة على هامش مراسم عزاء رئيسي ومرافقيه، هو للتنسيق بين أعضاء هذا المحور أولاً، وإعادة تقييم النتائج الميدانية والسياسية منذ عملية السابع من أكتوبر وحتى الآن، وللتأكيد على أن طهران مستمرة في دعمها لـلمحور من دون تغيير في سياساتها، وأن موت الرئيس ووزير خارجيته، على رغم أنه حدث مفاجئ وغير متوقع في هذا الوقت بالغ الدقة، فإنه لن يؤثر في مجرى العلاقات القوية بين إيران ووكلائها وحلفائها في الخارج، وفي ذلك تطمين للقيادات والتنظيمات المنضوية تحت مظلتها، مما أكده لاحقاً رئيس الجمهورية المكلف محمد مخبر، وأيضاً وزير الخارجية المكلف باقري كني، وكلاهما أعادا التشديد على أن إيران متمسكة بالسياسة الخارجية التي خطها المرشد علي خامنئي”.
ويتابع مصطفى أنه “من جهة أخرى، يريد الاجتماع أن يوجه رسالة خارجية إلى إسرائيل والولايات المتحدة بأن إيران في وضع متماسك وأن شغور موقعي الرئاسة والخارجية لن يؤدي إلى خلل في الأداء أو التواصل مع الحلفاء في الخارج”.
وترى بعض الأوساط السياسية أن صورة الاجتماع وما تضمنته من جمع لكل الفصائل، إن دلت على شيء فهو أن سياسة النظام الإيراني ذاهبة نحو مزيد من التشدد في مقاربتها لملفات المنطقة، وربما أوعزت إلى تلك الفصائل بالاستمرار في النهج التصعيدي، ما دام أن خيوط المفاوضات بينها والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لم يتبين منها الأبيض والأسود، لذا قد يستمر الـ”ستاتيكو” القائم بين حلف “الممانعة” من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما من جهة أخرى، وتهدف طهران من وراء ذلك إلى تحقيق الحد الأقصى الممكن من مكاسبها وشروطها. لكن ما انعكاس ذلك على الأوضاع في غزة وعلى الحدود الجنوبية للبنان؟.
يشير الكاتب قاسم قصير إلى أنه وفقاً لمصادره الخاصة، “في ما يتصل بجبهة الجنوب عمد ’حزب الله‘ في لبنان إلى تطوير العمليات كمّاً ونوعاً على رغم الاستهداف المستمر من قبل العدو لكوادرها، خصوصاً الكوادر المعنيين بعمليات إطلاق الطائرات المسيّرة أو المهمات التكنولوجية”، مضيفاً أن “الحزب جاهز لأي تصعيد ميداني في المرحلة المقبلة، وإذا استمر العدو الصهيوني بالتصعيد في رفح وقطاع غزة فسيستمر التصعيد على كل الجبهات، على رغم الحرص على عدم الذهاب إلى الحرب الشاملة”.
التركيز على غزة ولبنان
في المقابل، يرجح بعض المحللين أن يمهد أي اتفاق ما بين السعودية والولايات المتحدة لاحقاً لاستئناف اتفاقات السلام بين الدول العربية وعلى رأسها السعودية وإسرائيل، مما يثير مخاوف طهران لأنها كانت تأمل في أن تشوش حرب غزة عملية السلام في المنطقة، بخاصة أنها أصبحت طرفاً في هذه الحرب بعد تبادل الضربات بينها وتل أبيب.
في هذا الخصوص، يرى الكاتب حسن المصطفى أن “هذا المحور سيركز جهده الآن على غزة ولبنان بصورة أولية، وليس من المحتمل أن يدخل في عداء مع السعودية لأن إيران يهمها أن تتطور علاقاتها مع الرياض لا أن تخسرها، وحتى إن كانت طهران لا تنظر بارتياح إلى الاتفاق الأمني المرتقب بين الرياض وواشنطن، فإنها ليست في وضع سياسي ولا أمني ولا اقتصادي يجعلها قادرة على الدخول في عملية تخريبية لأن كلفة ذلك ستكون عالية”.
ويتابع أنه “قد لا يكون هناك تصعيد في الساحات الداخلية يمنياً وعراقياً ولبنانياً، والجهود ستنصب على غزة تحديداً، لكن بالتأكيد ستسعى إيران إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية إن أمكن لحلفائها في هذه الدول، من أجل مزيد من القوة والنفوذ لهم، وأيضاً لتمكينهم من الاستحواذ على حصص أكبر في مؤسسات الدولة وقرارها الرسمي”.