يشهد سوق السيارات العالمي متغيرات على أصعدة مختلفة، منها التجاري والتقني وحتى السياسي، والتي تتباين الآراء حول مدى تأثيرها عليه، لكن لا شك أنه رغم هذه التحولات نجحت الصناعة في استئناف النمو والتعافي من ضغوط استمرت سنوات.
ويأتي ذلك بعد انكماش الإنتاج العالمي على أساس سنوي في أعوام 2018 و2019، وطبعًا في 2020 عندما كانت الضغوط أشد ألمًا بالتزامن مع جائحة كورونا، حيث هبط الإنتاج العالمي بنسبة 16% وتراجع في بعض البلدان بنسب تراوحت بين 20% و45%.
يعكس الشكل الأخير المسار المتعرج لسوق السيارات في السنوات القليلة الماضية، وفقًا للمبيعات الإجمالية للسيارات من جميع الأنواع، لكنه يعكس أيضًا الاتجاه الصحي نحو التعافي وربما بلوغ مستويات غير مسبوقة، وهو اتجاه أكده أيضًا مؤشر تسجيل المركبات الجديدة أدناه.
وعلى الرغم من الضغوط التي أصابت سلاسل التوريد عقب الجائحة وأثرت بشكل رئيسي على صناعة السيارات، تمكّن السوق من التعافي تدريجيًا بداية من عام 2021 حيث نما بنسبة 3% ثم 6% في 2022 قبل أن يقفز معدل النمو إلى 10% في العام الماضي.
لا شك طبعًا أن النمو جاء مدعومًا بشكل جزئي من تحسن الطلب في الصين، والتي تعد أكبر سوق لإنتاج وبيع السيارات في العالم الآن، حيث نمت عمليات تسجيل السيارات الجديدة فيها بنسبة 11% إلى 25.8 مليون سيارة في عام 2023.
وعلى الرغم من الهيمنة التي اكتسبتها الصين في سوق السيارات العالمي، فإن أوروبا ما زالت تحقق مكاسب كبيرة، إذ سجلت تجارة السيارات في الاتحاد الأوروبي فائضًا يتجاوز 90 مليار يورو (نحو 98 مليار دولار) في العام الماضي، وهو نفس مستوى عام 2022 تقريبًا.
وكانت الصين المصدر الأول لواردات الاتحاد الأوروبي من السيارات من حيث الحجم والقيمة (سجلت صادرات لدول المنطقة نموًا بنسبة 40% و37% لكل المعيارين في العام الماضي).
ولعل هذا يفسر إلى حد ما سبب الرغبة الأوروبية في تقييد قدرات المصنعيين الصينيين – خاصة منتجي السيارات الكهربائية – على التصدير إلى القارة العجوز، بعدما عززت بكين من إمكاناتها التصنيعية بشكل هائل.
إن ما حققته الصين على مدار عقدين ونصف تقريبًا كان طفرة حقيقية، حيث نما إنتاجها من نحو 1.8 مليون سيارة في عام 1999، عندما كانت تحتل المركز التاسع بقائمة أكبر منتجي السيارات في العالم، لتصل إلى الصدارة الآن وبفارق شاسع عن أقرب منافسيها.
وعلى نطاق إقليمي أوسع، تظهر البيانات التي جمعتها “أرقام” أن أكبر أسواق السيارات في العالم كانت آسيا، نظرًا لاحتضانها مجموعة من أكبر القوى المحركة للصناعة عالميًا سواء على مستوى العرض أو الطلب، مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية.
من اللافت أيضًا، كان الانكماش الحاد للإنتاج في ألمانيا بين عامي 2017 و2021، حيث تراجع إنتاج المركبات في البلاد من 6 ملايين وحدة في عام 2016 إلى 3.3 مليون في عام 2021، قبل أن يتعافى تدريجيًا إلى مستوياته الحالية فوق 4 ملايين