عروبة الإخباري –
كتبت باولا عطية لـ”هنا لبنان”:
طالت أزمة إمدادات القمح العالمية لبنان، الذي يرزح منذ العام 2019، تحت أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، ليصبح نقص القمح في لبنان شائع الانتشار في الوقت الذي تواجه فيه الدولة صعوبات في دعم واردات القمح في ظل الانهيار المالي الذي يفتك باقتصادها
اشتعلت المخاوف بشأن إمدادات القمح العالمية، التي تتعرّض لضغوط شديدة بسبب التغيّر المناخي الذي يتسبب بمعاكسات جويّة، بالإضافة إلى الصراعات الجيوسياسية المستمرة، في الشرق الأوسط وحول العالم (بحر الصين الجنوبي، الحرب الروسية الأوكرانية)، مما قد ينذر بأزمة شحّ عالمية في مادّة القمح، قد تؤدّي إلى ارتفاع تكاليف الغذاء، مرّة جديدة، وبالتالي تزيد من عناد التضخم الذي يضرب العالم منذ جائحة كورونا في العام 2020.
تراجع مخزونات القمح عالمياً
وإلى ذلك، توقّع عدد من المحللين الاقتصاديين العالميين، أن تظلّ مخزونات القمح عند أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من عقد من الزمن، بحسب تقرير صادر عن بلومبرغ. فيما أشارت توقعات وزارة الزراعة الأميركية إلى انخفاض مخزونات القمح العالمية خلال العامين الجاري والمقبل (2024-2025) لتكون الأدنى في 8 سنوات.
وبحسب تقديرات الوزارة، ستتراجع المخزونات السنوية إلى 257.2 مليون طن خلال عامي 2024 و2025، مقارنة بـ271 العام الماضي، ما يهدد بارتفاع أسعار السلع الزراعية وسط استمرار معاناة معظم الاقتصادات من التضخم.
لبنان وأزمة مخزون القمح العالمية
وفي هذا الإطار، طالت أزمة إمدادات القمح العالمية لبنان، الذي يرزح منذ العام 2019، تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، بحسب تصريح الخبراء الاقتصاديين. ليصبح نقص القمح في لبنان، شائع الانتشار في الوقت الذي تواجه فيه الدولة صعوبات في دعم واردات القمح في ظل الانهيار المالي الذي يفتك باقتصادها.
وبلغة الأرقام، يحتاج لبنان على الأقلّ إلى نحو 450 ألف طن من القمح، منها 350 طناً تدخل في صناعة الخبز. في المقابل، بلغ إنتاج القمح المحلي عام 2022 نحو 45 ألف طن فقط، وهو رقم يعكس مدى عجز الدولة عن تأمين الاكتفاء الذاتي من القمح، أو حتى إنتاج نصف الكمية المطلوبة في حال تعذّر الاستيراد من الخارج. وبما أنّ لبنان يستورد ما يُقارب الـ 80 في المئة من حاجاته الاستهلاكية للقمح من أوكرانيا وروسيا، فإنّ ذلك سيبقيه دائماً في مرمى شباك النيران الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية.
بالأرقام
في العام 2020، استورد لبنان أكثر من 630 ألف طن بقيمة 133 مليون دولار مقارنة بـ 535 ألف طن العام 2019، في حين استوردت البلاد نحو 754 ألف طن من القمح خلال العام 2021، بمتوسّط استهلاك بلغ نحو 60 ألف طن من القمح شهريّاً، وذلك وفق إحصاءات دائرة الجمارك اللبنانية.
أمّا في العام 2022، فوضعت وزارة الزراعة خطة تشجيعية لمزارعي القمح، تستهدف تأمين ثلث حاجة لبنان من دقيق القمح الطري، عبر إنتاجه محلياً، بعد انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، وما تبع هذه الخطوة من مخاوف، بأن تؤثّر على أمن لبنان الغذائي. إلّا أنّ خطّة وزير الزراعة لم تبصر النور، لـ”كيديات” سياسيّة، بحسب ما وصفته بعض المصادر المطلعة على الملف في حديثها لموقع “هنا لبنان”.
وفي العام نفسه، أقرّ البرلمان اللبناني اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار أميركي، لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح. ولعلّ تنشيطاً سريعاً للذاكرة، كفيل بتذكيرنا بمشاهد طوابير الذلّ أمام الأفران، للحصول على أكياس الخبز التي تدعم الحكومة أسعارها. فيما لم تخلُ ساعات الانتظار من إشكالات تتطلب أحياناً تدخلاً أمنياً.
امّا اليوم، وبعد أن شارف قرض البنك الدولي على الانتهاء، حيث تنتهي المهلة في 30 أيّار 2024، أيّ في نهاية الشهر الجاري، تعود المخاوف حول مصير القمح في لبنان، وسط قلق من أن يطال ربطة الخبز المزيد من الإرتفاع.
لا داعي للهلع
وفي هذا الإطار، أكّد أمين سر اتحاد نقابات الافران والمخابز في لبنان، نعيم الخواجة، في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّه “لا داعي للهلع، ولا خوف من شحّ في كميّات القمح في لبنان، فعلى الرغم من أنّ مدّة عقد قرض البنك الدّوليّ تنتهي في 30 أيّار الحالي، لكنّ القمح الذي استورد في وقت سابق يكفي حاجة لبنان حتى أواخر شهر أيلول 2024، وقد تمتدّ الكميّة المتوفّرة حتى 15 تشرين الأوّل. ولا يبدو أنّ هناك مشكلة في تأمين هذه المادة، لأنّ الاعتمادات كافية لشراء الإمدادات المطلوبة، حيث لا تزال الدولة تملك 22 مليون دولار من القرض. وعلى الدولة التصرّف بها، لأنّه ووفق شروط البنك الدولي، لا يحقّ للدولة التصرّف بالأموال بعد انتهاء مهلة 31 أيار. والدولة تمتلك اليوم 80 ألف طن من احتياطي القمح المدعوم من البنك لدولي. وهي كميّة جيّدة جداً، حيث يستهلك لبنان قرابة الـ22 ألف طن من الطحين المدعوم في الشهر، و27 ألف طن من الطحين المدعوم للخبز، بينما يستهلك لبنان قرابة الـ4 آلاف طن فقط من الطحين المدعوم للخبز الإفرنجي، والأسمر والنخالة والتنور والمرقوق. إلخ. فبعد الأزمة أصبحت الكمية الأكبر من الطحين المدعوم تذهب لتصنيع رغيف الخبز”.
هل يرتفع سعر ربطة الخبز؟
وعن احتمال ارتفاع سعر ربطة الخبز، أكّد الخواجة، أنّه “احتمال ضئيل، حيث قد يرتفع ألف ليرة لا غير”، مشيراً إلى ضرورة تسوية أوضاع العمّال السوريين الذين يشكلون 70 في المئة من عمّال قطاع الأفران. فإذا تمّ ترحيلهم سيتوقّف القطاع عن العمل. ونحن قد أطلقنا حملة بالتعاون مع وزير العمل لوضع إعلان على الخط الساخن، عن فتح باب العمل أمام اللبنانيين لوظيفة فرّان، بـ400$، في الوقت الذي كان يتقاضى فيه العامل السوري 250$ ووضعنا أرقام هواتف في كلّ النقابات وجهزنا غرف التدريب، إلّا أنّ أحداً لم يتجاوب معنا”.
وشرح الخواجة، أنّ “القمح الذي يزرع في لبنان يصدّر إلى الخارج، وهو غير صالح للاستخدام في صناعة الخبز العربي الأبيض، الذي نعرفه”. (قمح البقاع: 7 آلاف طن، قمح عكّار: 7 طن لكلّ هكتار).
أما بخصوص ربطة الخبز، فأوضح سرور، أنه “ارتفع سعرها منذ 3 أسابيع حوالى1000 ليرة، وهذا المبلغ هو بدل ضمان. وفي الاتفاقية الأخيرة التي أبرمت في العام 2005 بين الأفران والضمان كان الأخير يتقاضى 2500 ليرة لبنانية مقابل طن الطحين، وكانت تسعيرة ربطة الخبز وقتذاك على أساس السعر أعلاه حتى تاريخ 1/4/2024. لذلك عمد الضمان إلى إلغاء الاتفاقية، وصار يحاسب الأفران على أساس أنها شركات لا على طن الطحين، بحيث يصبح الرسم على الطن 780000 ألف ل. ل. بدلاً من 25000. وقد زيدت الـ 2000 ليرة مؤخرا بسبب غلاء الطحين، إذ أنّ ثمن الربطة ارتفع من 47000 ألف ليرة لبنانية إلى 49000”.
السيناريوهات المطروحة
وكشف عن عدّة سيناريوهات يمكن اللجوء إليها بعد انتهاء قرض البنك الدولي “السيناريو الأوّل، أن يمدد البنك الدولي القرض، أمّا السيناريو الثاني، فهو الحصول على هبة من أحد الدول العربية الشقيقة، كدولة قطر، أو المملكة العربية السعودية، أو دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما قد ينخفض سعر ربطة الخبز 10 آلاف ليرة. فإذا جاءنا القمح مجاناً، لن يكلّف سوى رسم الطحن والنقل، وبالتالي سينخفض سعر ربطة الخبز، لمدّة 6 أشهر أو سنة كحدّ أقصى، ليصل إلى 40 ألف ليرة”.
40% من قرض البنك الدولي ذهب لصالح الفلسطينيين والسوريين
وأكّد أنّ “نقابات الأفران ترفض رفع الدعم عن الطحين، حيث قد يؤدّي ذلك إلى رفع سعر ربطة الخبز إلى 75 أو 80 ألف ليرة. ونحن كنقابة نحاول تأمين مصادر تمويل لدعم القمح، ونتواصل مع سفارات عدّة”.
ولفت إلى أنّ “جهود كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الاقتصاد أمين سلام، لتأمين تمويل للقمح، باءت بالفشل حتى الساعة”، مطالباً “المعنيين بالتحرّك لإيجاد حلّ، بعد أن تعرقلت مسألة المليار يورو، الهبة من الاتحاد الأوروبي. مشيراً إلى أنّ “40 في المئة من قرض القمح من البنك الدولي ذهب لصالح الفلسطينيين والسوريين. وهو ما سيدفعنا بعد تأمين قرض أو هبة لدعم القمح، إلى اعتماد بطاقات تموينية خاصّة باللبنانيين”.
وكشف عن مؤتمر سيعقده رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز في لبنان ناصر سرور، سيتناول فيه ملف الدعم والعمال السوريين والاتفاقية المبرمة بين الضمان الاجتماعي ونقابات الأفران وذلك بحضور كل من نقابات الأفران وأصحاب الأفران، وأصحاب المطاحن، وشركات تصنيع أفران الخبز ومشتقاته في مبنى الاتحاد العمالي العام، في 21 أيار من الشهر الجاري”.