لماذا لم يتسبب زلزال تايوان في أضرار كبيرة رغم قوته؟

عروبة الإخباري –

اندبندنت عربية – نيرمين علي –

على رغم قوته وضحالة عمقه وقدراته التدميرية عالية المستوى، يبدو أن هناك سبباً حال دون تسبب الزلزال الذي ضرب تايوان مطلع أبريل (نيسان) الجاري، بوقوع أضرار أكثر اتساعاً وخسائر في الأرواح، وبمقارنته من حيث القوة مع زلزالي تركيا وسوريا فبراير (شباط) 2023 وزلزال المغرب سبتمبر (أيلول) 2023، بدا حجم الدمار أقل بكثير في الجزيرة الآسيوية.

كلمة السر.. قوانين البناء

تعرضت تايوان في الثالث من أبريل الجاري لزلزال بقوة 7.4 درجة، تمركز قبالة الساحل الشرقي لمقاطعة هوالين، التي تقع بين الجبال شديدة الانحدار على ساحل تايوان الشرقي وبحره، وجنوب متنزه تاروكو الوطني مباشرة، وهو مقصد رئيس للسياح، وأعلنت فرق الإطفاء التايوانية أن الزلزال العنيف أسفر عن انهيار مبنيين في هوالين القريبة من مركز الزلزال وميلان مبان أخرى بصورة كبيرة.

ووفقاً للتقارير، تسعة أشخاص لقوا حتفهم وأصيب ما لا يقل عن 900 آخرين، بسبب الانهيارات الأرضية في المعظم، وقالت إدارة الأرصاد الجوية المركزية التابعة للجزيرة إن أقوى زلزال يضرب تايوان منذ 25 عاماً، وحدد مركز الزلزال على عمق ضحل، ما يزيد عامة من قدرته التدميرية، ومع ذلك، فإن قوانين البناء الصارمة التي وضعت في العقدين الماضيين رداً على النشاط الزلزالي المكثف في المنطقة، حالت دون أضرار أكثر اتساعاً وخسائر في الأرواح.

ومع أن زلزال أبريل كان مساوياً بالشدة لزلزال تركيا وسوريا، لكن الأضرار والعدد المحدود للوفيات الناجمة عنه أقل بكثير، إذ عادت الحياة اليومية لسكان العاصمة تايبيه إلى طبيعتها بصورة عامة في اليوم التالي للزلزال، في حين سيواجه السكان الأقرب إلى مركز الزلزال عملية تنظيف طويلة.

طوق النار

تقع تايوان في بقعة نشطة زلزالياً في منطقة سواحل المحيط الهادئ وجزرها على طول الحزام الناري (طوق النار)، وعلى الحافة الغربية لصفيحة بحر الفيليبين، إذ تنشط الزلازل والبراكين، وفي حين حدد الجيولوجيون 42 صدعاً نشطاً في الجزيرة، إلا أن معظم الزلازل المكتشفة في تايوان ترجع إلى التقارب بين صفيحة بحر الفيليبين والصفيحة الأوراسية شرق الجزيرة.

والحقيقة أن أعنف الزلازل وقعت ضمن هذا الحزام أو قربه، وبحسب المعلومات فإن نحو 90 في المئة من الزلازل في العالم تقع فيه، فنحن نتحدث عن معقل نحو ثلثي الإجمالي من البراكين النشطة في العالم، خط من الفوالق الزلزالية التي تولد معظم الزلازل في العالم.

وتعتبر تايوان عرضة للخطر خصوصاً في مواجهة الكوارث الطبيعية، كما أن للمناظر الطبيعية الجبلية في الجزيرة دور أيضاً في تضخيم الاهتزازات التي يحتمل أن تعرض الأنفاق والطرق السريعة للخطر وتتسبب في انهيارات أرضية.

الاستعداد الأكثر تقدماً في العالم

وبحسب علماء، يعد الاستعداد للزلازل في تايوان من بين الأكثر تقدماً في العالم، وقد طبقت الجزيرة قوانين بناء صارمة وشبكة عالمية لرصد الزلازل وحملات تثقيفية عامة واسعة النطاق حول السلامة من هذه الكارثة الطبيعية.

وتمثل قوانين البناء جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية تحسين استعداد وتأهب تايوان، إذ طبقت قبل عامين قوانين جديدة، تطالب أصحاب المباني المعرضة للخطر بتنفيذ تعزيزات هيكلية لتعزيز السلامة حتى بالنسبة للمباني غير القانونية، إلى أن يتم التوصل إلى حل طويل الأمد.

وتقدم الحكومة دعماً مالياً للتحقق من قدرة المبنى على الصمود ومرونته، في حين تفرض لوائح صارمة لكل من المباني الجديدة والقائمة، وذلك كله في سبيل المساهمة في تحقيق الصمود وحماية الأرواح.

متحف تذكاري للزلازل

وعلى مدى العقود القليلة الماضية، تم تحسين استعداد البلاد للزلازل باطراد رداً على الأحداث الدامية الماضية، وأنشئ مكتب للطقس مسؤول عن مراقبة الزلازل والإبلاغ عنها، وزود نظام السكك الحديد عالية السرعة بجهاز أمان تلقائي لإيقاف جميع القطارات بأمان عند اكتشاف زلزال كبير.

وخصصت السلطات متحفاً تذكارياً للزلازل بعد زلزال 1999، للحفاظ على بعض البقايا لتكون بمثابة تذكير عام، للاستعداد في حال حدث مثل هذا الحدث مرة أخرى في المستقبل، وضم المتحف قاعة خاصة بالتعليم الهندسي، طورت من قبل المركز الوطني لأبحاث هندسة الزلازل بحيث تساعد الزوار على فهم العلاقة بين الزلازل وكيفية تشييد المبنى.

ويقدم المتحف للزوار بعض المبادئ التي ينطوي عليها إنشاء مبنى يمكنه تحمل بعض الآثار حتى يتمكن الزائر من الخروج بمعلومات أفضل حول كيفية حدوث الزلازل وأهمية البناء في تقليل آثارها، إذ ضمت تنويهاً ميزات المنازل الآمنة في التصميم والبناء، وكيفية تقليل المباني الحديثة من آثارها وتحقيق السلامة في المناطق العامة.

تايبيه 101

وتشيد عديد من المباني الحديثة في تايوان مراعية للسلامة من الزلازل، بما في ذلك مبناها البارز الشهير “تايبيه 101″، الذي صنف واحداً من عجائب الدنيا السبع للهندسة في قناة “ديسكفري” عام 2005، إذ يشتمل تصميمه على عدد من الميزات التي تمكنه من مقاومة أقوى زلازل منطقة حلقة النار في المحيط الهادئ والعواصف الاستوائية في المنطقة في دورة مدتها 2500 عام، وتحمل رياح عواصف تبلغ سرعتها 60 متراً في الثانية.

وصمم المبنى بفكر مختلف بحيث يمكنه التعامل من الناحية البنيوية مع التحديات المزدوجة المتمثلة في مطلبي المرونة والمقاومة، فالمبنى مرن بدرجة كافية لتحمل الزلازل ومنع الأضرار الهيكلية، وفي الوقت ذاته مقاوم بدرجة كافية لمقاومة قص الرياح وحماية الزجاج والجدران وضمان الراحة للبشر.

هذه الميزات، جنباً إلى جنب مع متانة أساسها، جعلت من “تايبيه 101” واحداً من أكثر المباني استقراراً على الإطلاق، إذ يميز البناء أفكار مبتكرة عدة غير مألوفة في التصميم ومستوحاة من أفكار بسيطة مثل حزام الأمان في السيارات والتوازن في القوارب، إضافة إلى تصميمه المستمد من شكل نبات قصب السكر، إذ لم يشيد كوحدة واحدة بل على صورة طبقات عدة ليقاوم الانحناء حتى أقصى درجة.

وباختصار شديد، طبق في بنائه مبدأ توزيع الحمل في للقوارب السريعة، بأن خصصت عوارض أفقية لتقوم بتوزيع الوزن الناتج من المبنى على عوارض أخرى عمودية موجودة على جوانب المبنى، بينما طبقت فكرة عزم القصور الذاتي في السيارة (ممانعة الجسم لتغيير حالته إلى حالة أخرى).

وتمت الفكرة من طريق تصميم بندول فولاذي ضخم علق ليعمل بمثابة وسادة ضابطة، بحيث يتأرجح من الطابق 92 إلى الطابق 88 لتعويض ما يصل إلى 40 في المئة من الحركة الناجمة عن الرياح القوية، إذ وضعت كرته المكونة من 41 لوحاً فولاذياً دائرياً بأقطار مختلفة في أعلى البرج لتعمل على مقاومة الحركة، فإذا تحرك لليمين تتحرك الكرة لليسار.

وأسهم ذلك بصورة فعالة في تخفيف الميل في قمة البرج بطريقة تمكن الأشخاص من تناول طعامهم من دون الإحساس بحركة المبنى، فضلاً عن تزويد المبنى بمخمدات كتلة إضافية عند طرف البرج، لتساعد على منع تلف الهيكل بعد تعرضه لأحمال الرياح القوية.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

مملكة تجار المخدرات في لبنان… أبطالها مجرمون برتبة مشاهير

هؤلاء التجار يتجولون كالمشاهير ونوح زعيتر وجه “إعلامي” على شاشات التلفزة عروبة الإخباري – اندبندنت …