عروبة الإخباري –
نداء الوطن – باتريسيا جلاد –
سائق دراجة الـ»ديلفيري» سوري، العامل في الفرن ايضاً، والدهّان والسنكري والكندرجي والـ»كهربجي» والـ»معمرجي» والـ»باطنجي» والنجار والحدّاد والمزارع والحصّاد والعتّال… وفي الفترة الأخيرة عمد السوريون الى تطوير «مهاراتهم» فباتوا يعملون في مجال التجارة، يستأجرون محالَّ ويسدّدون بدل الإيجار بالدولار النقدي ولفترة تصل الى 6 أشهر كما يقول «الملّاكة» اللبنانيون في برج حمود. فيما لبنانيون قابعون في منازلهم يتحسّرون على من سرق جنى عمرهم في المصارف٬ ويتطلّعون لا سيما الشباب منهم الى مغادرة البلاد، أو ينتظرون الفرج ووجود مهنة «يسكّج» عليها لا منافسة فيها من الأجانب، وتلائم وضعه الإجتماعي.
أما أرباب العمل الذين يريدون عمالة حرّة وسريعة وبكلفة أقلّ، فيلجأون الى السوري الذي يعمل بكل المهن. فهو passe partout ولو كانت نتيجة عمله غير مضمونة 100% . ويترسّخ هذا الواقع أكثر فأكثر مع تزايد عدد النازحين السوريين في لبنان، أكان نتيجة تزايد الولادات أو»سَيبان» الحدود وعدم التشدّد الأمني، فيدخل ويخرج السوريون خلسة وبطريقة غير مشروعة عبر الحدود البريّة بين البلدين، خصوصاً في ظلّ دعم الإتحاد الأوروبي لأولئك مادياً وإستشفائياً ومعيشياً وعلمياً، ما أدى الى ارتفاع عددهم وبنسبة تبلغ نحو 40% من السكان، حتى أن السوريين اجتاحوا اللبنانيين في بعض المناطق مثل برج حمود حيث تتخطى نسبتهم الـ90 أو 95% .
هذا الواقع أدى الى استغلال عدد كبير منهم تمرّسهم بكل المهن وخصوصاً الحرّة منها فاحتكروها. وفي ظلّ عدم الإستقرار الأمني في البلاد وعدم التشدّد في تطبيق التعاميم أو القرارات الأمنية من قبل قوى الأمن والبلديات والمحافظات، انحرف البعض نحو السرقة وارتكاب القتل المتعمّد وتهديد أمن المواطنين.
لا تعميم للحلول والسوريون فئات
نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسّان حاصباني أجاب «نداء الوطن» عن تلك التساؤلات، فقال لا يمكن تعميم الحلول بالنسبة الى كل النازحين السوريين، باعتبار أن السوريين ينقسمون الى فئات عدّة في لبنان. وهي:
1- النازح الخائف على حياته إما من النظام او من المناهضين للنظام او المتهرب من التجنيد الإجباري. فيمكن للخائف من النظام العودة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والقريب من النظام يمكنه العودة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، ويحصل ذلك بمساعدة الامم المتحدة والدول المانحة التي يمكنها تأمين المساعدات داخل سوريا في المنطقتين وفتح الخيارات للعودة الآمنة.
2- الموجود لأسباب اقتصادية وعمل غير شرعي، ويمكن للسلطات اللبنانية توقيفه وترحيله إذا كان مخالفاً لقانون العمل او اي قانون آخر.
وبالنسبة الى العصابات المرتبطة بالتهريب والسرقة والجرائم، فيمكن للأجهزة الأمنية ضبطهم في المناطق التي يعملون فيها وإقفال المعابر التي يستخدمونها بمساعدة دولية.
3- العمال الشرعيون الذين لديهم إجازات عمل واوضاعهم قانونية ويقومون بأعمال قد لا تتوفر لها يد عاملة لبنانية كافية. بالنسبة الى هؤلاء يجب رسم سياسات عامة تجعل من اليد العاملة اللبنانية أولوية في الأعمال المسموح بها للأجانب من خلال لبننة بعض الأعمال والوظائف.
4- وطبعاً هناك السيّاح والمستثمرون والزائرون المرحّب بهم في طبيعة الحال.
لذلك لا يجوز تعميم الحلول على كل السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، اذ لكل فئة حلّ».
التشدّد في تطبيق القوانين
ويرى حاصباني أنه «من الضروري العمل بجدية على التشدد في تطبيق القوانين المرعية على مستوى البلديات والمناطق وتفعيل دور القوى الامنية بشكل اكبر وضبط الحدود للتخفيف من الفئات المخالفة للقانون بشكل كبير. وبالتوازي، من الملحّ العمل مع المجتمع الدولي لتفعيل الحلول المرتبطة بالنازحين السياسيين والاقتصاديين وتأمين عودة آمنة او ترحيلهم إلى دول لجوء لان لبنان دولة عبور وليس لجوء بحسب الاتفاقيات مع الامم المتحدة.
من جهته اعتبر مصدر وزاري خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن العمالة السورية لا تنافس اللبنانية في القطاعات الزراعية والتنظيفات والبناء ولكن باتت تلك العمالة اليوم تتخطى ذلك لتقارب اللبناني في عمليات الإستيراد والتصدير والتجارة عموماً.
بالنسبة الى الحلول المطروحة لترحيلهم في ظلّ ضغط الرأي العام اللبناني، قال المصدر انه ليس لدينا القدرة على الترحيل وعلى الأمم المتحدّة التدخلّ وتعاون الجميع معتمدين مقاربة وطنية وغير عنصرية قوامها الحوار».
ما هي المهن التي يمارسها السوري؟
المنسّق العام للحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين ورئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي أجاب «نداء الوطن» عن هذا السؤال وقال «اذا اتخذ اللبناني قراراً بعدم استخدام العمالة السورية فإمكانية استبدالها سهلة، من خلال العامل المصري او الباكستاني، رغم أن العمالة السورية في لبنان هي ثابتة منذ زمن».
وفي ما يتعلق باستبدال بعض المهن الحرّة باليد العاملة اللبنانية يقول الخولي إن «اللبناني لن يقوم بمهنة السوري اذا كان الأخير زميله في المهنة أي يعمل الى جانبه، بسبب الإختلاف الثقافي بين الإثنين وشعوره أنه اقلّ شأناً منه وتعييره من قبل أصدقائه أنه يعمل كالسوري، لذلك اذا لم يرحّل السوري لن يحلّ اللبناني مكانه».
وفي ظلّ هذا الوضع، يقول الخولي «يجب أن يتم التركيز بشكل أكبر على استبدال العمالة السورية بالمصرية التي تتميّز بمهارتها وتلك الوسيلة هي الأسهل، وكذلك في العمالة الباكستانية التي بات لديها تواجد أيضاً في البلاد وهي تتجاوب مع اللبناني. إنطلاقاً من هنا يمكن القول إن استبدال العمالة السورية لن يشكّل، خسارة باعتبار أن العامل السوري مقارنة مع سائر العمال الأجانب غير منضبط وملتزم في عمله اليوم «يوم بيجي ويوم ما بيجي». وبرأي الخولي إن استبدال العمالة السورية يتطلّب التالي:
– صدور قرار لبناني .
– تحديد القطاعات التي ستستبدل فيها العمالة السورية.
– تحديد العمالة التي ستحلّ مكانها.
– تقديم تحفيزات الى أصحاب العمل الذين يشغّلون لبنانيين، أن يتمّ إعفاء ربّ العمل من الضريبة ومساعدته لتشجيعه على استخدام اللبناني. وبذلك يتم ترغيب ربّ العمل ليرغّب بدوره العامل اللبناني بالعمل لديه.
يحاول صاحب العمل إستناداً الى الخولي عدم استقدام عمال لبنانيين من الأرياف في المهن الصعبة كي لا يضطر الى تسجيلهم بالضمان وتسديد كلفة النقليات اذا كانت منازلهم بعيدة ويطالب بعطل وضرر. لذلك يبتعد قدر الإمكان عن العامل اللبناني، ويستبدله بعمالة اجنبية أكان لناحية سطوة صاحب العمل على العامل أم لناحية الحقوق التي تترتب للبناني والواردة في قانون العمل.
تنظيم العمالة أو ترحيلها
تختصّ الأعمال التي يقوم بها السوريون بالبناء وكل ما هو متفرّع عنها ويتراوح عدد متفرّعات البناء كما أوضح رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ»نداء الوطن» بين 30 و 36 مهنة منها النجارة والسنكرية والتوريق والدهان والأعمال اليدوية والنقل، وغيرها من أعمال الألومنيوم والخشب وكل ما يمت الى البناء بصلة. فضلاً عن الأعمال الزراعية والعمل داخل المحال التجارية والسوبرماركت والخضار حتى أنهم باتوا يستأجرون محالّ فيبيعون فيها الخضار والسمانة والألبسة. كما يستخدم ارباب العمل في المعامل اليد العاملة السورية والتي قد تكون غير شرعية، كل ذلك لأنهم يتقاضون اجوراً أقلّ من اللبناني علماً أن أجر السوري ارتفع وبات بالدولار وبات يعادل أجر اللبناني وحتى يتخطّاه بسبب احتكارهم بعض المهن أو تلك التي يوجد نقص في توفيرها من قبل اللبنانيين». وبذلك بات لزاماً إستناداً الى الأسمر تنظيم تلك العمالة وشرعنتها من قبل الدولة فيتم الإبقاء على الشرعيين منهم وترحيل غير الشرعيين وغير المستوفين لشروط الإقامة«.
مشدّداً على أن «معالجة هذا الموضوع يجب أن تتمّ بحكمة، خاصة في ظل التفلّت الأمني الذي يؤدي في بعض الأحيان الى قيام العمال بأعمال سرقة في أماكن عملهم وخارجها.
ودعا اللبنانيين الى ممارسة جميع المهن والأعمال، خصوصاً تلك التي تتعلّق بالبناء والزراعة والأعمال الخدماتية، وأن تكون هناك منافسة مع العمالة السورية الشرعية. فنحتاج اليوم الى قوننة الوجود السوري وشرعنته حيث يجب وحيث لا يجب ضمن الإطار الذي يحفظ الدولة اللبنانية والعمالة اللبنانية من المنافسة الحادة التي تتعرّض لها . فالعمال السوريون في لبنان هم واقع مفروض على الدولة اللبنانية والشعب اللبناني منذ السبعينات وتحديداً منذ بداية الحرب الأهلية».
كم يبلغ أجر السوري؟
والطامة الكبرى في موضوع النازح او العامل السوري كما ذكرنا آنفاً، خصوصاً غير الشرعي، أن أجره بات مرتفعاً بل أعلى من أجر العامل اللبناني وحتى الأفريقي. ويقول صاحب أرض يحتاج الى عمال تنظيف وتوضيب و»نكش» الأرض…أن يومية العامل إستناداً الى «بورصة» مجموعات الـ»واتسآب»، باتت بقيمة 15 دولاراً وهذه التسعيرة المتوافق عليها جماعياً بين السوريين تجعل اللبناني «تحت رحمته» ولا يمكنه الدخول في سجال معه لتخفيض أجره. أما المعلّم (باطون أو طرش أو زراعة …) خصوصاً للمهن التي يحتكرها السوري بسبب عدم توفّر عمالة وطنية، فتتضاعف الى 30 دولاراً يومياً. وشهرياً يبلغ أجر العامل نحو 450 دولاراً وهو الحدّ الأدنى للعامل اللبناني الذي كان يتمّ تقاضيه قبل بدء الأزمة المالية في لبنان، مقارنة مع حدّ أدنى للبناني بات بقيمة 200 دولار بعد تعديله منذ نحو شهرين من لجنة المؤشّر واعتبر إنجازاً وقتها.
وأكثر من ذلك إن الأجر ليس هو كل ما يتقاضاه السوري، بل يتمّ دعمه من الإتحاد الأوروبي إستشفائياً ومعيشياً وسكنياً وعلمياً لذلك يتشبّث بالبقاء في لبنان ويتزوّج ويكبّر عائلته لأنه يتقاضى مساعدات ومبلغاً من المال عن كل ولد، حتى أنه في حال اضطر للذهاب الى بلاده يعود أدراجه بعد حين لتقاضي مستحقّاته.
فالسوري لا يجني سوى الدولارات من لبنان ويحملها الى سوريا، فيما اللبنانيون عاطلون عن العمل، لا تغطية صحيّة ومعيشية وتعليمية وتأمينية لهم، حتى أن جنى عمرهم ضاع في المصارف فيما المسؤولون غائبون. وسأل لم لا يتمّ استقدام مصريين وعمال من الدول الإفريقية الذين يتقاضون أجراً أدنى من السوري فهؤلاء لا يشكّلون أقلّه خطراً على أمن المواطنين؟
مقاربة شرعي وغير شرعي!
اعتبر الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن العامل السوري يزاول مهناً عدّة حتى أنه في المواسم الزراعية يزيد عدد العاملين في الأراضي الزراعية، اذ تعمل كل العائلة الزوج السوري وزوجته وأولاده في الزراعة والحصاد والتوضيب ونقل المزروعات… لذلك يعتبر العامل السوري ضرورياً في مجالي الزراعة والبناء.
من هنا إن المقاربة بين العامل الشرعي وغير الشرعي خاطئة ولا تصحّ. فاذا شخص من دير الزور شرعي يعمل في لبنان في القطاع الفندقي ويشكّل منافسة للعامل اللبناني يحق له العمل في لبنان ويتمّ إبقاؤه، فيما اذا كان عامل موجود في لبنان بطريقة غير شرعية ويعمل في مهنة صيانة مولدات الكهرباء التي نحتاجها فهل نعيده الى بلده؟ لا بل نبقيه ونسوّي وضعه القانوني. كل سوري في الزراعة مقبول وكل سوري في الفنادق غير مقبول. معتبراً أن المشكلة في لبنان هي بتطبيق القوانين من قبل الأجهزة الأمنية والبلديات.