عروبة الإخباري –
يتم تداول وتخزين العملات الرقمية باستخدام تقنية “البلوك تشين” وحماية ال cryptography عبر شبكات لامركزية، بعيدًا عن أي دعم حكومي أو مصرفي مركزي. تأسست أوّل عملة رقمية عام 2009 بإسم “البيتكوين”، وتطورت لتشمل عملات كثيرة لا تحتاج إلى وسيط مركزي في تنفيذ الاجراءات المالية.
للعملات الرقمية إيجابيات عدّة تتمثّل في تسريع وتسهيل التحويل المالي وحماية خصوصية المستخدمين، واستخدام التحويلات المحلية او الدولية بكلفة مادية قليلة. ولجأت دول عدة الى تداولها مثل الصين التي أعتمدت ال”يوان الرقمي” ووصلت عدد المحفظات الرقمية فيها إلى 260 مليون محفظة للتعامل بها في مجموعة متنوعة من السياقات، مثل النقل العام والرعاية الصحية وشراء النفط الخام. كما شرّعت “البهاما” الدولار الرقمي (الساندولار) وربطته بالعملة الوطنية بهدف تحسين الوصول إلى الخدمات المالية وتفعيل الشمول المالي. وهنالك 134 دولة عبر العالم تدرس الاعتماد على العملات الرقمية بشكل كامل، من بينها دول مجموعة العشرين G20، ودول متقدمة أخرى.
وفي مقلب آخر، تتمخض عن العملات الرقمية آثارًا سلبية كبيرة وخطيرة، اذ يمكن اللجوء اليها في بتبييض الأموال وتسهيل تجارة المخدرات والأسلحة ودعم الإرهاب، وهي ايضًا عرضة للاختراق والاحتيال عبر سرقة المحفظات واستغلال الثغرات الأمنية فيها. فالمعاملات الرقمية معقدة في تتبع مصدرها ومتلقيها، ومثالية للأنشطة غير القانونية، وتعيق تحويل الأموال بالطرق الشرعية، الامر الذي يتطلب التعامل معها بحذر وتنظيمها للحد من الأخطار المحتملة، وبالتالي تشريع القوانين لحماية “المودعين الرقميين” او المستثمرين للحفاظ على أمان أموالهم. علمًا أنّ هناك جهودًا دولية لتنظيم التعامل في العملات الرقمية وتحديد سبل الحماية. فوزارة الخزانة الأمريكية مثلًا أصدرت إطارًا للتعاون الدولي في مجال الأصول الرقمية وتنظيم التعاون بين مجموعة الدول السبع G7 ومجموعة العشرين G20 ومجلس استقرار النظام المالي FSB ومجموعة الإجراء المالي لمكافحة غسيل الأموال FATF ومجموعة وحدات الاستخبارات المالية FIUs ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وجهات الإعداد القياسية الأخرى SSBs، وصندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي والبنوك الإنمائية المتعددة الأطراف MDBs، هذا إضافة الى تشجيع التعاون الإقليمي والثنائي بين الدول. وفي جهة موازية، تم إطلاق مبادرات المنتدى الاقتصادي العالمي لأجل حوكمة العملات الرقمية وتحديد الأولويات واقتراح الحلول المتعلقة بها، وتعزيز الفهم العالمي واتخاذ القرارات بشأن هذه القضايا الملحة.
اما على الصعيد المحلي اللبناني، ليس هناك من تعامل واسع بالعملات الرقمية على المستوى الفردي أو المؤسساتي والدفع بواسطتها، لكن يجب على الدولة اتخاذ إجراءات تشريعية لحماية المستثمرين وضمان سلامة المعاملات الرقمية، وبالتالي الالتزام ايضًا بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة والانفتاح عليها والعمل بها، خاصة ان لبنان يواجه تحديات كبيرة على مستوى التماشي مع ابتكارات التحول الرقمي بشكل عام في زمن الثورة الصناعية الرابعة، ويتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لتطوير اطار تشريعي وتنظيمي فعّال للعملات الرقمية بهدف حماية المواطنين ودعم الاستقرار المالي وقمع الأعمال الجرميّة المخالفة للقوانين التي يمكن ان تهدد الأمن القومي عبر تداولها دون حسيب أو رقيب.
*الكاتبة: البروفسورة وديعة الأميوني – أستاذة جامعية وباحثة اجتماعية