عروبة الإخباري –
وجهت إيران ضربات عسكرية لإسرائيل بشكل معلن مسبقا، وردت إسرائيل بضربات عسكرية، دون اعتراف رسمي، وبينهما تنزلت التساؤلات حول سيناريوهات التصعيد في المنطقة.
لا بد أن يقال أولا أن دور واشنطن كان أساسيا في تحديد سقوف لكل العمليات العسكرية من الجهتين، لأن واشنطن لا تريد حربا إقليمية الآن، ولا تريد جر المنطقة وحلفائها إلى حرب غير مخطط لأهدافها، ولا معروف مآلاتها، وهذا يعني أن واشنطن تضبط إيقاع المنطقة حتى الآن، لاعتبارات كثيرة من بينها ثروات المنطقة، وحرية الملاحة، والتنافس مع الروس والصينيين.
على جبهة إيران فإن الاشتباكات الإيرانية مع إسرائيل بدأت منذ بداية حرب السابع من أكتوبر من خلال جبهات فرعية تابعة لها في لبنان، العراق، سورية، اليمن، وكان لهذه الاشتباكات دوافع معلنة مثل التخفيف عن الفلسطينيين، ودوافع مستترة منها تصنيع حالة ردع بوجه إسرائيل تحوطا من توسع الحرب، ولرغبة إيران الإستراتيجية بالوصول إلى تسوية إقليمية دولية تسترضيها بدلا من تهديد إسرائيل، من خلال الاعتراف بمساحات النفوذ الإيراني السياسية والجغرافية والاقتصادية، والإقرار لها بمساحاتها، بما يعنيه ذلك من وقف استهدافها تحت عناوين دعمها للحركات المسلحة، أو السلاح النووي، أو الصواريخ البالستية، كما أن إيران قد تكون اقتربت من تصنيع سلاحها النووي ولا تريد عرقلة ذروة هذا التطور بحرب قبل وقتها، وهذا يفسر أن إيران في محطاتها الجغرافية المختلفة تستوعب الضربات، ولا تحاول التورط في رد لا تريده، ولا يحتمله الشعب الإيراني الذي يعاني من عقوبات مؤذية منذ سنوات طويلة، بحيث تغلق إيران كل بوابات الاستدراج لغايات محددة في التخطيط الإيراني، وليس عبثا.
على جبهة إسرائيل فإن الحرب التي يتم شنها على قطاع غزة، ليست متعلقة بحركات مسلحة كما تشيع إسرائيل، بل إن تل أبيب دخلت عبر هذا العنوان لتحقيق أهداف إستراتيجية من خلال تهجير الفلسطينيين، مجددا، وقسم القطاع إلى نصفين، وإعادة بناء بؤر عسكرية جديدة ثابتة على طول الخط الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه، كما تستهدف إسرائيل بكل هذه المذابح تصنيع واقع ديموغرافي جديد، قد يمتد إلى الضفة الغربية والقدس، كما أن مخطط دخولها إلى رفح ما يزال قائما، وهي تعاني أيضا من ضربات لبنان، سورية، العراق، اليمن، وتراجعت كل قطاعاتها بشكل خطير يخفيه الإعلام، وهذه الأسباب مجتمعة جعلت إسرائيل مهتمة بعدم التصعيد مع إيران، مؤقتا، خصوصا، مع الضغط الأميركي عليها، وهذا يعني أن تل أبيب تجدول أيضا التصعيد الأعلى نحو مرحلة لاحقة، كونها تغرق أصلا في أزمات كثيرة، وغير قادرة على الخروج من وحل غزة، برغم كل المذابح الدموية بحق الأبرياء، فقط.
في الحالتين ومن ناحية تحليلية تقف المنطقة أمام 3 سيناريوهات فقط، الأول استمرار المشهد الحالي، دون حدوث حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، بذات ما نراه حاليا من اشتباكات، والثاني انفجار الوضع خارج المخططات ووقوع حرب إقليمية شاملة لا تبقي ولا تذر أمام أي خطأ إستراتيجي أو تكتيكي في إدارة ملف الحرب على مستوى المنطقة، ووقتها سيكون العالم أمام جهنم جديدة، والثالث اضطرار كل الأطراف للجلوس إلى مائدة تفاوض سرية، تجمع كل الأضداد، للوصول إلى تسوية سياسية في الإقليم، يتم فيها تقاسم النفوذ والثروات في المنطقة.
حرب قطاع غزة، ليست حرباً عادية، فهي على ما يبدو قد تأخذ كل المنطقة إلى إعادة التشكيل عبر السلم أو الحرب، وهذا أمر تثبته التفاصيل اليومية، والمفاجآت التي نراها يوميا، والبرقيات في بريد الحرب، ما زالت تتنزل في كل الإقليم، وسط حالة من المخاوف.