عروبة الإخباري –
بدأ سباق الرئاسة مبكراً في تونس بإعلان عدد من الشخصيات نيتها الترشح إلى هذه الانتخابات خارج المنظومة الحزبية، بينما تسود حالة من الانقسام بين من يعمل على استعادة المنظومة القديمة ومن يعمل على تعزيز المسار الجديد.
وتنتهي ولاية رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد، في تشرين الأول/أكتوبر 2024، وتتجه الأنظار إلى ما ستكشفه الأشهر المقبلة من ترشيحات جديدة لهذه المحطة الانتخابية، وسط مشهد سياسي ممزق بين جبهتين، واحدة حاكمة ممثلة في السلطة القائمة، وجبهة معارضة ممثلة في الإسلاميين والدستوريين واليساريين الذين فرقتهم السياسة وجمعتهم السجون.
وكانت قوى المعارضة، ولاسيما “جبهة الخلاص” التي تقودها حركة النهضة الإخوانية، قد قاطعت انتخابات المجالس المحلية، بعدما قاطعت كافة المحطات الانتخابية التي جاءت بها خارطة الطريق التي أقرّها الرئيس سعيد منذ 25 تموز/ يوليو 2021، كما ترفض الاعتراف بالدستور الجديد للبلاد الذي تم اعتماده إثر استفتاء صيف 2022، بينما انخرطت فيها أحزاب أخرى، ومنها حركة “الشعب” وحركة “تونس إلى الأمام” و”التيار الشعبي”.
شروط جديدة
هذا ومن المنتظر أن تعلن هيئة الانتخابات التونسية، خلال هذا الأسبوع، شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، في ظل جدل سياسي حاد حول “قائمة الشروط المتوقعة، ونيات إقصاء كثير من المرشحين المحتملين لهذا الاستحقاق الانتخابي”.
ومن المرجح إضافة 3 شروط جديدة، وهي: السن، والجنسية، ومسألة التزكيات التي كانت في دستور 2014 تُجمع من أعضاء المجالس البلدية أو أعضاء البرلمان، في حين ينص الدستور الجديد على المجالس المنتخبة، بما فيها مجلس الجهات والأقاليم، وهو ما قد يطرح مشكلات عدة أمام المترشحين المحتملين للرئاسة، ومعظمهم قد لا يكون متفقاً مع المسار السياسي الذي أقره قيس سعيد سنة 2021؛ إذ إن الأعضاء المنتخبين في البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم هم من المؤيدين لمسار سعيد، ومن غير المنطقي أن يساندوا أطرافاً معترضة على ذاك المسار.
وقد أكدت نجلاء العبروقي عضوة هيئة الانتخابات، في تصريح إعلامي، أن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة تتمثل في السن القانونية للترشح، وهي 40 سنة بدلاً من 35 سنة في السابق، والشرط المتعلق بالجنسية التي يجب أن تكون تونسية فقط وأباً عن جدّ، من دون أن تكون هناك ازدواجية في الجنسية.
والشرط الثالث هو أن يكون متمتّعاً بجميع حقوقه المدنية والسياسية من خلال الاعتماد على بطاقة السوابق العدلية، وهذا الشرط الأخير قد يمنع كثيراً من السياسيين من الترشح، وقد ذكرت أن ضمانات إنجاح الانتخابات الرئاسية متوفرة، وهي الشفافية والنزاهة والحياد.
ترشحات مثيرة للجدل
وأعلن الحزب الدستوري الحر، الأحد، ترشيح رئيسته عبير موسى للانتخابات الرئاسية، رغم وجودها منذ أشهر في السجن، بتهمة معالجة بيانات شخصية وعرقلة الحق في العمل والاعتداء بقصد إثارة الفوضى.
وبلغ عدد المرشحين المحتملين إلى الآن، وفق ما تم الإعلان عنه ثمانية ما بين حزبيين ومستقلين، وهم الرئيس قيس سعيد ووزير التجارة السابق المنذر الزنايدي والإعلامي ورجل الأعمال نزار الشعري ورئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي والأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي.
كما أعلنت الممثلة التونسية نجوى ميلاد عن ترشّحها للإنتخابات الرئاسية، ومن محبسهما، أعلنت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي عن ترشحهما للانتخابات.
ويشترط القانون الانتخابي الحالي خلوّ السجل القضائي من السوابق العدلية للترشح للانتخابات الرئاسية، باعتبار أن المنصب يعدّ من أرفع المناصب والمسؤوليات في الدولة.
في المقابل، لم تكشف بقية الأحزاب المكونة للمشهد السياسي في تونس الموالية منها لرئيس الجمهورية أو المعارضة له عن مرشحيها، بينما اعتبر الأمين العام لـ”حزب العمل والإنجاز”، عبداللطيف المكي، أن “الانتخابات الرئاسية المقبلة يجب أن تكون فرصة لإنهاء الصراع السياسي في تونس”، داعياً الرئيس سعيد إلى “توفير الظروف الملائمة لذلك، عبر تنقية المناخ السياسي، وتخفيف حدة الصراع السياسي والانقسام التي تعيشه البلاد”.
خلافات داخل جبهة الخلاص
في الأثناء، تقود المعارضة في تونس، التي تتزعمها حركة النهضة الإخوانية، مشاورات مكثفة لاختيار شخصية مُحددة للترشح، وقد ذكرت مصادر مقرّبة من جبهة الخلاص الوطني، التي يرأسها أحمد نجيب الشابي وتضم بداخلها حركة النهضة الإخوانية ومجموعات حزبية صغيرة، أنّ خلافات تدب بين صفوفها بسبب اسم المرشح من أجل منازلة الرئيس سعيّد.
وقد كان من المقرّر أن يتم تقديم أحمد نجيب الشابي، شقيق عصام الشابي ورئيس “جبهة الخلاص الوطني” التي تقودها حركة النهضة، كمرشح المعارضة خاصة أنّ التقاءه مع النهضة داخل الجبهة كان ضمن تفاهمات من بينها أنّه سيكون المرشح الوحيد للجبهة إذا قررت أن تشارك في الانتخابات، ويكون ذلك كمكافأة من النهضة له على تحالفه معها بعد 25 تموز/يوليو 2021 في وقت كانت فيه الحركة معزولة كلياً.
لكن الأمر الذي خرق هذا الاتفاق أنّ أصواتاً داخل الجبهة بدأت تطالب بترشيح شخصية أخرى لأنّ الشابي كبير في العمر (حوالي 80 سنة)، وهو شخصية لا تمتلك شعبية حتى أنّ اسمه لا يأتي ضمن استطلاعات الرأي، ما يجعل الاعتماد عليه لمنافسة قيس سعيد محسوما سلفا لفائدة الرئيس الحالي، وفقاً لما نقلته صحيفة “العرب”.
في غضون ذلك، تواصل أذرع الإخوان في تونس محاولاتها لعرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة خريف هذا العام، فقد زعم مسؤول الإعلام والاتصال في حركة النهضة عبدالفتاح الطاغوتي أن الظروف السياسية الحالية في تونس غير مناسبة لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة.
وأرجع ذلك، بحسب ادعائه، إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وإفلاس العديد من الشركات مع تعطل محركات النمو والاستثمار واقتصار الحكومة على جباية الأموال لتغطية مصاريف الدولة والاعتماد على الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية وهو ما يهدد الاقتصاد بالانهيار والأوضاع الاجتماعية والمعيشة بمزيد التدهور وغلاء الأسعار وندرة بعض المواد الأساسية”.
وقال في تصريح لـ”القدس العربي”، إنه من المبكر الإعلان رسمياً عن دعم مرشحه بعينه في الانتخابات الرئاسية “فما تزال الساحة تتفاعل بالمبادرات وإعلان نوايا الترشح.
ويرى مراقبون أن “المناورة الإخوانية” متوقعة، مشيرين إلى أن الجماعة ستساند مرشحا على أمل العودة إلى المشهد السياسي بعد أن لفظها الشارع التونسي، لكنها تضع خط رجعة مع توقع حركة النهضة وحلفائها بفوز مريح لخصمهم الرئيس الحالي قيس سعيد.