عروبة الإخباري –
في ذكرى معركة الكرامة التي تصادف الخميس، يجمع القاصي والداني على أنها تُمثّل نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أحرز فيها الجيش العربي النصر الأول على الجيش الإسرائيلي الذي وصف بأنه “لا يقهر” فقهرته الإرادة الأردنية في أغوار الكرامة وباءت مقاصده الخبيثة بالهزيمة والفشل.
فقد جسّدت معركة الكرامة معاني البطولة والشجاعة التي تحلّت بها القيادة الهاشمية والقوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، فكانت نتيجتها هزيمة نكراء لحقت بالجيش الإسرائيلي وانسحابه من أرض المعركة، بعد أن بلغت خسائره نحو 250 قتيلاً و450 جريحاً، بالإضافة إلى تدمير عدد كبير من آلياته ومعداته مقابل 86 شهيداً من منتسبي الجيش العربي البواسل وإصابة 108 آخرين.
وقال جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة في وقت سابق، إنه في صباح معركة الكرامة، سطر جنودنا النشامى أسمى معاني التضحية والإخلاص والبطولة.
وأضاف جلالته، “اليوم هو يوم الجباه المرفوعة المزينة بشعار الجيش العربي، يوم انتزع جنودنا البواسل النصر في ملحمة الكرامة، وحفروا المجد في صفحات التاريخ”، مشيرا إلى أن يوم الكرامة سيظل خالدا مجيدا في ذاكرتنا الوطنية وصفحة مشرفة في تاريخنا العربي.
خبراء قالوا في حديث صحفي، أن انتصار الجيش العربي في معركة الكرامة رمّم الروح المعنوية العربية بعد هزيمة حزيران 1967 وأظهر بجلاء القدرة القتالية النادرة التي يتمتع بها الجندي الأردني، مشيرين الى أن أهمية هذه المعركة تكمن في أنها أعادت الثقة للنفس العربية المنكسرة بعد أن حطم الجيش العربي أسطورة “الجيش الذي لا يقهر” وأثبت أن إرادة القتال والصمود وحسن إدارة المعركة بقيادة الملك القائد الحسين بن طلال طيب الله ثراه، أقوى من كل الأسلحة.
الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد أيمن الروسان، قال، إن هي أروع بطولة وأغلى انتصار سطره نشامى الجيش العربي بقيادة مليكه الراحل الملك الحسين طيب الله ثراه، مشيرا إلى أن العدو حشد قبل أيام من المعركة قواته لاحتلال المرتفعات القريبة من العاصمة عمّان لفرض شروط الاستسلام وقضم أجزاء من الأردن للأراضي المحتلة إلا أن الجيش العربي الباسل أفشل مخططات العدو وأثبت قدرته على القتال وتحقيق النصر.
وأشار إلى أن مجريات معركة الكرامة بدأت عند الخامسة والنصف من صبيحة يوم الخميس 21 آذار 1968، حيث شنت إسرائيل هجوماً عسكريا مفاجئاً على الأراضي الأردنية، واستمر لست عشرة ساعة في قتال مرير على طول الجبهة، وكان الهجوم الإسرائيلي على الأردن على أربعة محاور هي: محور العارضة من جسر الأمير محمد (داميا) إلى مثلث المصري انتهاء إلى السلط، والثاني محور وادي شعيب من جسر الملك حسين (اللنبي سابقاً) إلى الشونة الجنوبية إلى الطريق الرئيسي بجانب وادي شعيب ثم إلى السلط، والثالث محور سويمة من جسر الأمير عبدالله إلى غور الرامة إلى ناعور وصولاً إلى عمّان، وأما المحور الرابع فهو محور غور الصافي من جنوب البحر الميت إلى غور الصافي وصولاً إلى الطريق الرئيسي حتى الكرك.
لقد كانت القوات المسلحة الأردنية لهم بالمرصاد؛ وقدم الجيش العربي أروع صور البطولة في الدفاع عن حمى الوطن العزيز حيث اضطر العدو ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي إلى طلب وقف إطلاق النار، ولكن جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه رفض الطلب طالما أن هناك جندياً إسرائيليا واحداً شرقي النهر، فانسحبت القوات المعادية صاغرة وأثبتت معركة الكرامة أن النصر العسكري على جيش الاحتلال ليس مستحيلا وأن إرادة القتال والصمود أقوى من كل الأسلحة.
وأكد الروسان أن صمود الجيش العربي في معركة الكرامة كان منعطفا مهما في حياة الأمة العربية تحطمت على صخرته أسطورة الجيش الذي لا يقهر، مشيرا إلى أن المعركة كلفت العدو 250 قتيلا و 450 جريحاً، بالإضافة التي تدمير عدد كبير من الآليات والمعدات التي ترك بعضها على أرض المعركة، بينما قدم الجيش العربي 86 شهيداً و 108 جرحى.
وكيل أول متقاعد سليمان غوينم الأزايدة قال، في معركة الكرامة سطر بواسل الجيش العربي سجل المجد وكتاب الخالدين وأنصع البطولات وأجمل الانتصارات على ثرى الأردن الطهور، وظلت أرواح الشهداء ترفرف في فضاء الأردن، فوق سهوله وهضابه وغوره وجباله، وتسلم على المرابطين فوق ثراه الطهور، ويتفتح دحنون غور الكرامة على نجيع دمهم الزكي، وتسري في العروق رعشة الفرح بالنصر ونشوة الافتخار بالجيش العربي الهاشمي.
وأشار إلى جنود الكرامة التحموا بالسلاح الأبيض مع الجيش الإسرائيلي في قتال شرس، وكانت النتيجة كما أرادها القائد الحسين بن طلال طيب الله ثراه حين أجبر بواسل الجيش العربي بإرادتهم القتالية العالية العدو الإسرائيلي على الانسحاب الكامل من أرض المعركة ولأول مرة تاركين وراءهم خسائرهم، وقتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم.
المؤرخ والباحث الدكتور بكر خازر المجالي قال:”مضى الآن 56 عاما على معركة الكرامة، ذلك الانتصار الباهر لجيشنا العربي، مشيرا إلى أن 23 وحدة عسكرية من جيشنا العربي تصدت للعدوان على طول 100 كيلومتر وبعمق 30 كيلومترا منذ فجر 21 آذار 1968 وحتى انتهاء المعركة فيما جند العدو في هجومه قوات تعادل تلك التي خاض بها حرب حزيران 1967.
وأضاف، كان لرفض القيادة الأردنية عروض الحلول التي قدمتها إسرائيل للأردن دورا رئيسا في رفع معنويات وثقة الجيش والإصرار على مواجهة القادم بالاستعداد للتضحية حتى يتحقق النصر خاصة وأن الجندي الأردني كان يتطلع للقاء العدو للثأر من أجل القدس وهم ينظرون في كل يوم إلى تلال فلسطين قبالة أعينهم، ويتوضأون بهواء القدس.
في ذاك اليوم نسج الجند ثوب النصر، وغنت المدافع وزغردت البنادق، وكانت الهجيني سيدة النداءات على أجهزة الاتصال الداخلي للدبابات في حداء خلع ثوب الهزيمة الأسود، والتفع الجند بشماغ الأصالة.. هذه معركة الكرامة التي كانت أول طلقة مدفع من جيشنا هي أول حرف للنصر وأول مسمار في نعش الغطرسة والغرور الإسرائيلي، وفقا للمجالي.
وفي العيد الأربعين لمعركة الكرامة عام 2008 كان لجلالة الملك عبدالله الثاني خطاب في ميدان المعركة قال فيه :”في هذا المكان، وقبل أربعين عاما قاتل النشامى الأردنيون بشرف للدفاع عن ثرى الأردن، وبالرغم من تفوق العدو في العدد والسلاح والإمكانيات، تمكن أبناء هذا الجيش من تحقيق النصر الذي أذهل العدو، وأجبره على الاعتراف بالهزيمة ولأول مرة في تاريخه”.
ولفت المجالي إلى أن كلمات الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في حفل إزاحة الستار عن صرح شهداء الكرامة يوم 25 أيار 1976 ما تزال تشنف الآذان، وتهز المشاعر بصوت الكبرياء والفخر، وهو يقول “وعندما انتصف النهار في ذلك اليوم كان الصلف قد تحول إلى مذلة، والغرور قد استحال إلى هوان، وكان النشامى قد نشروا رايات الفرح في سماء الأردن، ولاحت الرايات تتسع وتمتد لتنتشر في سماء العرب، وهزمت الأسطورة وهوت إلى الأبد، واستعادت النفس العربية ثقتها، واسترد الإنسان الأردني عزته وكرامته”.
“المملكة” تلتقي عددا من المتقاعدين العسكريين الذين أصيبوا بمعركة الكرامة
التقت “المملكة”في وقت سابق، عددا من المتقاعدين العسكريين الذين أصيبوا في معركة الكرامة، حيث عبروا عن فخرهم بالمشاركة في المعركة إلى جانب جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال.
– استبسال الجيش الأردني كان سببا للنصر –
خدم المتقاعد العسكري موسى فلاح بني عامر، في القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي من 9 آذار/مارس 1965 وحتى الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1978، حيث كان في مقدمة القوات الأردنية في معركة الكرامة، حين دخل جيش الاحتلال الإسرائيلي بمعداته العسكرية عند جسر الملك حسين، في تمام الخامسة والثلث من صباح يوم 21 مارس/آذار من عام 1968.
وأضاف، في حديثه لـ “المملكة”، أن الجيش الإسرائيلي، كان يهدف إلى إنشاء سد دخاني بين القوات الأردنية وبينه، ليتسنى له قصف مواقع الجيش العربي بسهوله خلف الدخان، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب استبسال الجيش الأردني، الذي اندفع نحو الجيش الإسرائيلي بقوة بعد أن ألغى الفاصل الموجود بين الجيشين.
“كان الجيش الإسرائيلي يعتقد بزعمه، أن قواته ستتناول وجبة الغداء في عمّان، إلا أنهم طلبوا من الأردن من خلال مجلس الأمن الدولي، عند الساعة 10:30 صباحا وقف إطلاق النار، وبدأوا بالتوصل لعدم استيعابهم ما حدث لهم”، وفق بني عامر، الذي أشار إلى أن “الفدائيين الفلسطينيين كانوا يحاربون ويقاتلون ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي ببسالة، واستشهد منهم الكثير”.
بني عامر، يصف باكيا، حادث استشهاد الملازم خضر شكري وخمسة من رفاقه، الذي أعطى مدفعية الجيش العربي السادسة، الأثقل في الأردن وقتها، الإحداثية الخاصة للموقع الموجود فيه حتى تقصف وتدمر الدبابات الإسرائيلية.
أصيب بني عامر في المعركة، وكانت إصابته من القدم حتى الرأس في جانبه الأيسر، حيث كان في ذلك الوقت خاطبا زوجته الحالية (أم أسامة) التي بقيت على العهد ومعه حتى يومنا هذا”.
أم أسامة، تقول إنها “تلقت في البداية نبأ وفاته”، مما أحزنها كثيرا وأبكاها لأيام على شعور فقدها لخطيبها، وتضيف: “إلا أن أخبارا أخرى وصلتها بعد أيام تفيد أنه مازال على قيد الحياة، وأنه مصاب ويتلقى العلاج في المستشفى العسكري بماركا، حيث مكث هناك لعدة أشهر”، وتزوج من زوجته الوفية، بعد أشهر من تلقيه العلاج، رغم أنه بقي نحو سنتين يمشي مستندا على عكازين.
– “عيرا ويرقا تنعشان ذاكرتي بأحداث المعركة” –
أما المتقاعد العسكري محمد أحمد عبد القادر الشرمان، الذي خدم في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بين عامي 1957 و1976، حيث وصف لـ “المملكة”، استعداداته للحرب في معركة الكرامة، مطبقا لعقيدة الجيش، والتي مفادها بين “الاستشهاد أو النصر”.
وأشار إلى أنه ورفاقه استمروا في القتال ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكانت عزيمتهم خالصة للشهادة في المعركة، إلا أنه “أصيب في رأسه، ولم يكن يرتدي خوذة للرأس بسبب طبيعة عمله على إيصال اللاسلكي”.
في المستشفى، أفاق الشرمان من إصابته، وتعرف عليه أحد زملائه وناداه باسمه، زميله كان ذيب سليمان المومني، الذي أصيب بحروق بالغة بعد أن كان ضمن الجنود المحيطين بالشهيد خضر شكري، قبل استشهاده.
يقول “معركة الكرامة تعني لي الفخر والانتصار، وقاتلنا فيها بمعنوية عالية وبعقيدة راسخة وثابتة، وسبب انتصارنا هو تصميم المحاربين على القتال وعدم الخوف، ولم نفكر بأي شيء إلا ما يمكننا عمله لننتصر ونقضي عليهم”.
ويضيف الشرمان: “بعد أن شفيت من إصابتي، زرت موقع المعركة بمنطقة عيرا ويرقا بمحافظة البلقاء، الذي أنعش ذاكرتي بأحداث المعركة”.
– كان شعارنا النصر أو الاستشهاد –
وكان المتقاعد العسكري مطلق سليمان محمد الطقاطقة، الذي كانت خدمته في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بين عامي 1962 و1975، ضمن الفرقة العسكرية الثالثة/دبابات5، بمنطقة طبربور، حيث يقول لـ “المملكة”: “جرت ترقيتي من رتبه جندي إلى رتبة رقيب أول، وحصلت على وسام الكوكب من الدرجة الثانية، وأفتخر أني أنتمي للجيش الأردني ولمشاركتي في معركة الكرامة”.
ويصف معركة الكرامة، قائلا: “تحركنا إلى المعركة في الشونة الجنوبية، عندما صدرت الأوامر العسكرية، بأن العدو اجتاز الحدود في ذلك اليوم، حيث وجدنا العدو عند مثلث الشونة وكان شعارنا النصر أو الاستشهاد، وأوقعنا بهم خسائر فادحة”.
“عندما تقدم رتل إسرائيلي عن طريق المغطس، عملت المدفعية الأردنية على تدميره بالكامل، وجرى إسقاط طائرة في الشونة الجنوبية، حيث كان جلاله الملك الراحل الحسين بن طلال في غرفه العمليات يقود المعركة”، بحسب الطقاطقة، الذي قال إن “تخطيط الجيش الأردني كان ناجحا بنسبة 100%، وانتصر بشجاعته وعقيدته وإيمانه وإخلاصه للوطن، بمعية القائد الحسين الذي لم يفارقنا في المعركة وحتى بعد المعركة”.
“خلال المعركة، استشهد رفيقي سائق الدبابة حسن عبد ربه”، يقول الطقاطقة، الذي أصيب بكسور وحروق، ومكث في المستشفى ثمانية أشهر للعلاج، وكان جلالة الملك الراحل الحسين يزوره ويطمئن على صحته وجميع المصابين”.
– قُبلة على الجبين من الراحل الحسين –
وكانت خدمة المتقاعد العسكري عوده نجم نجادات، في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي كانت بين عامي 1962 و1968، حيث عمل في كتيبة الدبابات الثالثة بمنطقة الشونة الجنوبية، حيث قال إن “معركة الكرامة، دافعت عن كرامة العرب والمسلمين والجيش الأردني البطولي حقق الشرف وانتصارات على الجيش الإسرائيلي”.
“دمّرت 4 دبابات، وناقلات جند للجيش الإسرائيلي، خلال عملي في سلاح المدفعية، وحاربت مع رفافي في الجيش الأردني باستبسال لا يوصف، وكانت حكمة القيادة واضحة لدى الجميع بتوجيهات مباشرة من جلالة الملك الراحل الحسين، الذي رفع معنوياتنا عالية، إلى جانب قوة إيمان الأردنيين التي كانت تتحدى قوة الجيش الإسرائيلي بعتاده المتطور، وهزمناهم بإيماننا ومعنوياتنا”.
أصيب نجادات بقدمه وجانبه، برشاش جيش الاحتلال الإسرائيلي، عندما كان متوجها من دبابته التي أصيبت بالقصف، إلى دبابة ثانية لمواصلة القتال، وجرى إسعافه عندما بدأ الجيش الإسرائيلي يستغيث لإيقاف المعركة، حيث يقول: “بعد انتهاء المعركة، زارني جلالة الملك الحسين، في المستشفى، وقبّلني على جبيني، مضيفا: “عندما زار جلالة الملك الحسين منطقتي القويرة أواخر التسعينيات، سلمت عليه وقلت له أنت قبلتني على جبيني، عندما كنت أتعالج في المستشفى العسكري بعد معركة الكرامة، واليوم جاء دوري أن أردها لك وأقبلك على جبينك”.
افتخر اليوم أني أشاهد أسلحة متقدمة في الأردن، بفضل توجيهات جلاله الملك عبد الله الذي يهتم بالجيش ويقدّم له أقوى سلاح وجميع الإمكانيات، وأفخر بمتابعته لنا نحن المصابين من المتقاعدين العسكريين تماما مثل زيارته للجيش الأردني العامل”.
– دماؤكم لن تذهب هدرا –
وخدم المتقاعد العسكري جمال يوسف جدعون، في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي كانت بين عامي 1951 و1981، إذ يعتبر معركة الكرامة، بأنها عيد انتصار الكرامة الأردنية، حيث يصفها قائلا: “في فجر 21 آذار/مارس 1968، استنفر الجيش الأردني بجميع قواته ومن جميع المحافظات بمعنويات عالية، بعد وصول معلومات بأن الجيش الإسرائيلي يخطط لعملية عسكرية، وكانت عزيمة الأردنيين قوية وعالية”.
وأضاف جدعون “مهمتي كانت إيصال الذخيرة إلى نقطة التعزيز في الأغوار، حيث كان الرتل العسكري الأردني الذي كنت أرافقه يسلك طريق العارضة، حيث أصاب صاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية مركبتنا، ولم تمض دقائق حتى توقفت مركبة عسكريه تسير باتجاه الأغوار نزل منها جلاله الملك الراحل الحسين لتفقد الجرحى، وقال لنا (دماءكم لن تذهب هدرا وسننتصر بإذن الله)”.
“عاملان اثنان لعبا الدور الأساسي في انتصار الجيش الأردني في المعركة، وهما تميز قواتنا بعزيمة وقوة انتماء أفراده، إضافة إلى أن الأردنيين كانوا يشعرون أنهم أقوياء بالهاشميين بسبب قربهم من الجميع على مسافة واحدة، وفي تصدرهم الموقف العربي رغم قله الموارد”، وفق جدعون.
وحصل جمال عام 1961 على دبلوم في الصحافة عن طريق المراسلة، من كلية الصحافة المصرية بالإسكندرية أثناء خدمته في الجيش، واشترك مع القوات المسلحة في حرب تشرين الأول لعام 1973 في جنوب سوريا.
وفي كلمته التاريخية، قال المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال – طيب االله ثراه – في اليوم التالي للمعركة: “وإذا كان لي أن أشير إلى شيء من الدروس المستفادة من هذه المعركة يا إخوتي، فإن الصلف والغرور يؤديان إلى الهزيمة، وإن الإيمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحية هما الطريق الأول إلى النصر، وإن الاعتماد على النفس أولاً وأخيراً ووضوح الغاية ونبل الهدف هي التي منحتنا الراحة حين نقرر أننا ثابتون صامدون حتى الموت، مصممون على ذلك، لا نتزحزح ولا نتراجع مهما كانت التحديات والصعاب”.
وفشل العدو في مخططاته التي عرفت من الوثائق التي كانت لدى القادة الإسرائيليين وتركت في ساحة القتال، وهي احتلال المرتفعات الشرقية ودعوة الصحفيين لتناول طعام الغداء في عمّان، كما جسدت هذه المعركة أهمية الإرادة لدى الجندي العربي، والتي كانت متقنة وذات كفاءة عالية وساهمت بشكل فعال في حسم معركة الكرامة.
أبرزت المعركة أهمية الإعداد المعنوي، وكان هذا الإعداد على أكمل وجه، فمعنويات الجيش العربي كانت مرتفعة، حيث ترقبوا يوم الثأر والانتقام من عدوهم وانتظروا ساعة الصفر بفارغ الصبر للرد على الظلم والاستبداد، كما أبرزت المعركة حسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي، مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات، إذ لم ينجح العدو بتحقيق عنصر المفاجأة نظراً لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص، حيث تمحص وتحلل النتائج فتنبأت بخبر العدوان من قبل إسرائيل مما أعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها.