عروبة الإخباري –
قنا –
تتزين المناطق اللبنانية بسحر خاص في شهر رمضان المبارك، حيث تعكس الأماكن الأثرية والتاريخية في البلاد رونقا خاصا خلال هذا الشهر المبارك.
وأسوة بكل الدول تكون أجواء رمضان مميزة عادة في المدن والقرى التي لها طابع إسلامي وتاريخ في الحضور الديني والثقافي والتراثي الإسلامي، مثل مدن: بيروت وطرابلس وصيدا وبعلبك وصور.
ففي شهر رمضان المبارك، تتزين المدن اللبنانية بالأضواء والديكورات الرمضانية التي تجمع بين الأصالة والحداثة، للتعبير عن الثقافة الدينية للمجتمع بطريقة حضارية وتراثية، سواء برفع اللافتات أو الزينة المميزة المرتبطة بمناسبة قدوم هذا الشهر الفضيل، أو في الأسواق والمتاجر التي تزدحم بروادها.
وتعتبر مدينة طرابلس العريقة من أبرز المدن التاريخية التي تتميز بأجواء مميزة في هذا الشهر الفضيل، وهي المدينة الشمالية التي تضرب جذورها في عمق التاريخ، منذ ان أسسها الفينيقيون، وتعاقبت عليها الأمم والعهود من الفينيقيين حتى الانتداب الفرنسي، مرورا بالرومان، والبيزنطيين، والعرب، والفرنجة، والمماليك، والعثمانيين.
طرابلس هي مدينة لبنانية تضم عددا كبيرا من البنى التاريخية والأثرية، متميزة بحسن ضيافتها، وتحتوي على عشرات المعالم الأثرية بين قلعة وجامع ومدرسة وخان وحمام وسوق وغيرها. وتجمع هذه المدينة العريقة بين جمالية العمارة التاريخية والروح الدينية التي تتجلى خلال شهر رمضان المبارك، مما يجعلها واحدة من أهم المدن السياحية في لبنان خلال هذا الشهر المبارك.
من منطقة باب التبانة، إلى جبل محسن، ثم أبي سمراء، مرورا بالقبة، وصولا إلى المئتين والريفا، ترتدي مناطق مدينة طرابلس حلة رمضان في هذا الشهر المبارك، وتحوي المدينة ما يزيد على مئتي معلم أثري مسجلين على لائحة الآثار، إضافة إلى آلاف من البيوت والأزقة والشوارع التراثية في المدينة، التي أنشأت “كمتحف حي” منذ 700 عام من الجامع المنصوري الكبير ومسجد الشكر وجامع طينال والجامع البرطاسي إلى خان العسكر مرورا بمرفأ الصيادين (الميناء)، وبرج الساعة الحميدية، وقلعة طرابلس، والتكية المولوية، ودور ومقامات دينية وأثرية وثقافية تزدهر بروادها طيلة الشهر الفضيل.
وتتغير عادات الطرابلسيين في شهر رمضان المبارك ويحل الفرح والغبطة طيلة الشهر الفضيل، ويعتبر التماس هلال رمضان من عادات الطرابلسيين، فمع غروب شمس التاسع والعشرين من شهر شعبان يذهب المسؤولون بالمدينة الى دار المفتي في طرابلس، وينتظرون الإبلاغ عن شهر رمضان، فيشهد الشهود ومن ثم يطلبون من (المدفعجي) في القلعة بأن يطلق سبع طلقات من المدفع، وهذا الفعل يعتبر تقليدا قديما يمثل بداية شهر رمضان المبارك في طرابلس، حيث يعتقد أن هذه الطلقات تعلن بداية الصوم والعبادة للمسلمين في المدينة.
تتميز المائدة الطرابلسية بتنوعها، حيث تزخر بمجموعة واسعة من الأطعمة والمشروبات التي تضفي جوا خاصا على شهر رمضان المبارك. ومن بين أبرز ما تتزين به المائدة حبات التمر، ومن المشروبات الشهيرة خلال هذا الشهر شراب التوت والخرنوب والسوس وعصائر الليمون والجزر والتفاح. وتشمل الحلويات التي تقدم في المدينة خلال رمضان الكنافة وزنود الست وورد الشام والكرباج وحلاوة الجبن والمهلبية.
ومن بين عادات أهل طرابلس في شهر رمضان “السكبة”، حيث يقوم صاحب البيت بتقديم الأطعمة والحلويات لجيرانه. ويتجول “المسحراتي بطبلته” في الأحياء الشعبية ليوقظ الأهالي لتناول السحور. ويتجمع الأهالي في المساجد للاستماع إلى جلسات الوعظ الديني والإرشاد بعد صلاة العصر خلال الشهر الفضيل. وتزدحم الشوارع بالزوار وتصدح أصوات الباعة لجذب الزبائن.
ومن تقاليد رمضان في طرابلس “جوقة وداع رمضان” في العشر الأواخر من الشهر حيث تقوم جوقة الوداع بجولات مسائية على البيوت والأحياء برفقة المنشدين يهللون وينشدون الموشحات الدينية على وقع الطبول.
وهذا السياق، أشار بكر الصديق رئيس نادي آثار طرابلس ورئيس جمعية دار لقمان الحكيم، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية قنا إلى التغيير الجذري الذي تشهده المدينة خلال شهر رمضان المبارك، حيث ترتدي ثوب الفرح والحياة. لافتا الى تقليد يحرص عليه أهالي طرابلس قبل قدوم شهر رمضان هو “سيران رمضان” أي قيام الناس بنزهات في الهواء الطلق وتناول الطعام والشراب برفقة العائلة والاصدقاء والجيران في آخر يوم قبل حلول الشهر الفضيل.
وذكر أن هناك عادة طرابلسية تتمثل في اجتماع علماء المدينة في دار الفتوى بطرابلس، حيث يراقبون الهلال وإذا ثبتت رؤيته يتم الإعلان عن حلول الشهر الفضيل، ويضرب المدفع في تلك الليلة ويتوجه أهل طرابلس بكثافة الى الجوامع لأداء صلاة التراويح. وأوضح الصديق أن هناك عادة طرابلسية أخرى ليلة حلول شهر رمضان وهي “مباركة الشهر”، حيث يتم خلالها زيارة الأهل والأقارب للمباركة بحلول الشهر الفضيل، وتبادل التهاني في اليوم الأول بين كل الطرابلسيين.
وأكد أن المائدة الطرابلسية غنية ومشهورة، حيث تبدأ في اليوم الأول من الصيام بالطعام من اللون الأبيض كالكوسا باللبن وشيش برك وفتة حمص، وتشمل أيضا الأطعمة اليومية الأخرى كالكبة النية والتبولة والحمص بالطحينة والشوربة والفتوش وورق العنب. وأشار إلى أنه يقام في المدينة إفطارات خيرية، حيث يتم تقديم وجبات مجانية للأسر المتعففة أو تقديم حصص غذائية تلبي متطلبات الشهر الفضيل، مؤكدا أن أعمال البر والخير تتضاعف في المدينة خلال هذا الشهر المبارك.
وأشار رئيس نادي آثار طرابلس ورئيس جمعية دار لقمان الحكيم إلى تنوع الأنشطة الدينية في المدينة طوال شهر رمضان المبارك. حيث تقام دروس دينية في جميع جوامع المدينة بعد صلاتي الظهر والعصر، بالإضافة إلى “مقرأة” ختم القرآن الكريم في الجامع المنصوري الكبير، الذي يعتبر الجامع الرئيسي في المدينة.
وأشار إلى أنه بعد الإفطار في رمضان، تتحول طرابلس إلى مدينة نابضة بالحياة حتى الفجر، حيث يفطر الأهالي ويتوجهون إلى الأسواق والمقاهي، وتتزاحم المدينة بالأنشطة الثقافية والمحاضرات الدينية. وأشار إلى أن طرابلس تحافظ على عادة المسحراتي، حيث يتجول المسحر في الشوارع والأحياء ليوقظ الأهالي قبل صلاة الفجر لتناول السحور.
ولفت النظر إلى أسواق وخانات المدينة التي تمتلئ بروادها خلال الشهر الفضيل، مع وجود مئات المؤسسات السياحية والمطاعم التي تضفي رونقا خاصا على الحياة الاجتماعية والثقافية في طرابلس.
وفي هذا السياق، أشار أسعد الحريري، رئيس جمعية تجار لبنان الشمالي، إلى أهمية طرابلس كوجهة رئيسية خلال شهر رمضان المبارك، مشيرا إلى أنها تعتبر ثاني مدينة فاطمية بعد القاهرة. وأكد أن المدينة تفتح أسواقها الداخلية والخارجية من وقت الإفطار لغاية السحور طوال الشهر المبارك.
وأوضح أن طرابلس تتميز بأجوائها الرمضانية الخاصة، حيث تتزين شوارع المدينة وتتباهى بحلة العيد خلال هذا الشهر المبارك. وأشار إلى أن جمعية تجار لبنان الشمالي تنظم العديد من الفعاليات خلال شهر رمضان المبارك، من خلال تنظيم المهرجانات والفعاليات الثقافية والتجارية.
وأضاف الحريري أن الأجواء الرمضانية في طرابلس تكتسب طابعا خاصا، خاصة في العشر الأواخر من الشهر الفضيل، حيث تفتح المؤسسات أبوابها لمدة 18 ساعة متواصلة خلال المهرجانات، وتتخلل هذه الأجواء الحضارية العروض التجارية والخصومات التي تزيد من حيوية المدينة خلال هذا الوقت المميز.