عروبة الإخباري –
المشهد – حوار: عبدالرحمن كمال
قالت الدكتور سنية الحسيني، الكاتبة الفلسطينية وأستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية والتي عملت سابقا مديرا عاما في السلطة الفلسطينية ، إن ما حدث في 7 أكتوبر كان “فخا” للشعب الفلسطيني لعدة أسباب، رغم أن الأوضاع قبله كانت تنذر بانفجار ما في فلسطين.
وأوضحت “الحسيني”، في حوار أجرته معها “المشهد”، أن الموقف الأمريكي من العدوان واضح، فالولايات المتحدة شريكة مع إسرائيل في قتل الفلسطينيين، وهزيمة إسرائيل تعني تسريع التحول القطبي لغير الصالح الأمريكي، لذلك علينا بشكل مبدئي التشكك بأي مقترح أمريكي، مثل مقترح الرصيف البحري.
ولفتت الأكاديمية الفلسطينية إلى أنه لا يمكن التنبؤ بنهاية المعركة القائمة الآن، فالحرب مستمرة، ولكن ما يحدد نهاية المعركة مدى صمود غزة، واستمرار دعم الجبهات المختلفة لها ولصمودها.
وأكدت “الحسيني” أن مؤسسات الحكم في أغلب دول المنطقة ترتبط بنيوياً بالولايات المتحدة، التي تقدم لها الدعم الاقتصادي والعسكري، والسياسي لأنظمتها، وهو ما صعّب مهمة الإطاحة بها في الربيع العربي، وخفّض حدود مناوراتها في الحرب الأخيرة على غزة.
وهذا نص الحوار:
* إذا رجعنا إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023، وبنظرة تحليلية للأوضاع في فلسطين والمنطقة، حيث قطار التطبيع منطلق بسرعة نحو محطة السعودية، ومع تزايد هيمنة وغطرسة اليمين المتطرف الإسرائيلي.. هل كل ذلك كان يؤشر وقتها لـ”طوفان الأقصى” أم العكس؟
– بعد وصول الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو، وتسارع إجراءات تلك الحكومة في الضفة الغربية والقدس، كان هناك توقع بحدوث انفجار ما في فلسطين.
* جرائم الاحتلال بعد طوفان الأقصى، وفاتورة الدم الفلسطيني في ظل الصمت الدولي والخذلان العربي والإسلامي، جعلت البعض يصف ما حدث في 7 أكتوبر بأنه “فخ” على طريقة الربيع العربي.. فهل تتفقين مع هذا الطرح؟ وما سبب ظهور مثل هذه التفسيرات؟
– نعم، أنا شخصيا اعتقد أنه فخ نصب للفلسطينيين، وما يدعم ذلك:
أولاً: بسبب توجهات حكومة اليمين التي بدأت بتنفيذ خططها في الضفة والقدس، بدءاً بتعيين وزراء متطرفين للتعامل مع الفلسطينيين، وتصعيد الاحتكاك في المسجد الأقصى وتصاعد هجمات المستوطنين.
ثانياً: يرتبط ذلك بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، والتوجه الغربي للاستغناء عن الغاز الروسي، وهو ما يتقاطع وينسجم مع طموحات إسرائيل بالتحول لدولة مركزية ليس فقط في توصيل الغاز من الشرق للغرب، بل لإنتاجه أيضاً. لاحظ الوعد الإسرائيلي بإرسال الغاز للغرب، بعد نشوب الحرب، والوساطة الأمريكية في العام ٢٠٢٢ بين إسرائيل ولبنان لتوقيع اتفاق الحدود البحرية، ولكن الواقع أن امكانيات الإنتاج بإضافة حقل كاريش، لا تجعل من إسرائيل دولة مصدرة، ضمن المعطيات العالمية.
ثالثاً: يأتي دور أهمية غزة، التي يعلم الجميع منذ العام ١٩٩٩، وجود كمية كبيرة من الغاز فيها، والتي منع الاحتلال استغلالها من قبل السلطة. ولم تخرج محاولات السلطة الفلسطينية في العام ٢٠١٩ برسم الحدود البحرية رسمياً، الأمر الذي كان من الممكن أن يعقد امكانية استغلال إسرائيل لغاز غزة، لذلك عارضت إسرائيل تلك المحاولات.
رابعاً: بعد حرب أوكرانيا بات على إسرائيل أن تختار: إماالاحتفاظ بسياستها السابقة القائمة على عدم القضاء على حركة حماس، لأغراض سياسية، تمكنها من مساومة السلطة في ملف التفاوض، وهي السياسة التي اعتمدتها في أعقاب الانقسام، أو القضاء على حركة حماس، وإعادة السيطرة الكاملة على غزة، لتحقيق طموحاتها الاقتصادية المرتبطة بالغاز وسوق الطاقة العالمية. لم يكن من الصعب اتخاذ القرار بالنسبة لحكومة نتنياهو اليمينية.
خامساً: يقودنا ذلك لفهم دور الولايات المتحدة في هذا العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ أن مشروع الطاقة وتمركز إسرائيل في إطاره، يصب في مصلحتها لضرب الصين وطريق الحرير، بطريق الهند الذي يضع دول الخليج الحليفة وإسرائيل في قلبه، ويضرب روسيا. فدعم الولايات المتحدة لإسرائيل في هذا العدوان لا يأتي فقط لاعتبارات أيديولوجية سياسية بل ومصلحية اقتصادية أيضا.
سادساً: قد يفسر ذلك أيضا مواقف العديد من الدول المرتبطة مصالحها بمشروع الولايات المتحدة وإسرائيل للطاقة في المنطقة.
* في هذا السياق، في أحد مقالاتك تحدثتِ عن “الفوضى الخلاقة”، فما رؤيتك للربيع العربي؟ وهل لو نجحت الثورات العربية كانت طريقة التعامل الرسمي العربي مع ما يحدث في فلسطين ستختلف؟ أم أن هذه الثورات كانت جزءا من خطة هذه الفوضى للوصول للوضع الحالي؟
– منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحروب المعلنة للولايات المتحدة على دول المنطقة تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”. لم تخف الولايات المتحدة استراتيجيتها بإحداث فوضى في المنطقة، بهدف خلق واقع جديد إيجابي لها “خلاقة”. فاتجهت بالطبع للقضاء على الأنظمة التي لا تتفق مع سياستها في المنطقة، وحمت الأنظمة التي تتفق معها. بدأت بإسقاط نظام صدام حسين، الذي تحدى سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وكان عدوا لإسرائيل، وتدخلت لترتيب الوضع الفلسطيني في أعقاب انتفاضة الأقصى. وعندما بدأ بركان الثورات يتوهج في المنطقة، والتي لا اعتقد أنها جاءت بترتيب أمريكي، إلا أن تفاعلاتها وتطوراتها ارتهنت بتدخلاتها. تدخلت الولايات المتحدة كعادتها من داخل تلك الدول، بحكم وجودها وانخراطها في المنطقة ودولها لسنوات طويلة، إما لدعم الأنظمة الحليفة، أو لضمان بقاء قيادات ضمن ذات التوجه فيها، أو للمساعدة في قلب الأنظمة المعارضة لمصالحها.
إن مؤسسات الحكم في دول عديدة في المنطقة ترتبط بنيوياً بالولايات المتحدة، والتي تقدم لها الدعم الاقتصادي والعسكري، والسياسي لأنظمتها، أي ما توصف بالدولة العميقة. ولا يعد الانقلاب عليها بالشيء اليسير واللحظي، لذلك لم تنجح معظم الثورات في تحقيق التغيير المطلوب.
لو كانت الأنظمة عموماً غير مرتبطة سياسياً ومصلحياً بالولايات المتحدة، لكانت أكثر حرية في اتخاذ قراراتها تجاه القضية الفلسطينية، وكلما ازداد ارتباط تلك الدول واعتمادها على الولايات المتحدة، انخفضت حدود مناورتها لتأييد الفلسطينيين.
* من ضمن الحقائق التي كشفتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، النفاق الغربي وتحديدا الأمريكي، ورغم أن الشعوب الغربية كان موقفها مشرفا أكثر من حكوماتها، إلا أن هذه الحكومات التي يفترض أنها ديموقراطية وتخضع لإرادة الشعوب، لم تحرك ساكنا لتنفيذ رغبات شعوبها وتوقف الحرب.. فهل انتهى النموذج الديمقراطي الغربي بعد ما انكشف زيفه؟ وكيف نقرأ هذا الانفصال بين الشعوب والحكومات الغربية؟
– كشفت هذه الحرب زيف منظومة الديمقراطيات الغربية، فالديمقراطية وحرية الاختيار في الغرب تقوم على الاختيار ما بين ما يُسمح به فقط، فمعارضة إسرائيل أو انتقادها، ليس بالأمر المسموح، وهو مثال واحد فقط، لقاعدة تثبت الخلل الكبير في تلك المنظومة الديمقراطية الغربية.
تلك المنظومة الغربية، التي تعتبر إسرائيل، الدولة الأكثر ديمقراطية في العالم العربي، وهي دولة احتلال، وتمييز عنصري، والدولة الأكثر اعتداء على دول الجوار، والأكثر خرقا للقانون الدولي.
* تتجه الأنظار دوما إلى الولايات المتحدة بوصفها القطب الأكبر في العالم (والأوحد حتى اللحظة) وفي الحرب الأخيرة على غزة، اتضح أن بايدن أكثر صهيونية من صقور المحافظين الجدد الذين سبقوه في الحكم مثل جورج بوش الابن مثلا، فما سر هذا الوجه الصهيوني لإدارة بايدن؟
– ترتبط الولايات المتحدة أيديولوجيا وسياسيا بإسرائيل، وذلك يفسر دعمها المطلق لها، من قبل جميع الإدارات جمهورية كانت أم ديمقراطية.
وفي حرب ضروس كتلك المشتعلة في غزة، من الصعب أن تسمح الولايات المتحدة بهزيمة حليفها الأول والأكثر قرباً لها في العالم وليس في الشرق الأوسط فقط، خصوصا في ظل حرب معلنة مع روسيا وغير معلنة مع الصين، في ظل تطورات الصراع الدولي.
فهزيمة إسرائيل ستعتبر هزيمة للولايات المتحدة في المنطقة، وتفتح المجال لزيادة تأثير وتدخل القوى المنافسة في منطقة تعد مهمة جداً للولايات المتحدة.
* من يحكم الولايات المتحدة (وبالتالي العالم): اللوبي الصهيوني أم الشركات أم المجمع العسكري الصناعي؟ وعلى من يراهن بايدن في دعمه للحرب رغم تصاعد الغضب الشعبي الأمريكي ضد طريقة إدارته؟ وهل سيكون ترامب أسوأ من بايدن في حال فاز بالانتخابات في نوفمبر المقبل؟
– تتحكم في الدول المصالح القائمة على الاقتصاد والمال، انظر من يمتلك تلك الأصول تعلم بسهولة من يتحكم بالعالم.
بالنسبة لبايدن، ودعمه للحرب، إن ذلك يعكس دعم المنظومة الأمريكية أو الدولة العميقة للحرب، وذلك يجيب على حدود موقف ترامب، الذي لن يختلف عن موقف بايدن بالجوهر، لكن قد تتعدد الأشكال والتصريحات والأدوات، وتبقى المواقف الجوهرية ثابتة.
* من ضمن الأمور التي كشفتها الحرب على غزة، أن نظريات العالم متعدد الأقطاب، ومزاحمة الصين وروسيا لأمريكا على قيادة العالم، مجرد أوهام عجزة أو طيبة ساذجين.. فما سر امتناع الصين وروسيا عن لعب دور حقيقي في الشرق الأوسط، خاصة أنها منطقة النفوذ الأهم لأمريكا ولكل راغب في الهيمنة على العالم؟
– إن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة في أوكرانيا وفي غزة تعد حروب مصيرية لها وتتعلق بمستقبلها القطبي، فهزيمتها فيها تعني تسريع التحول القطبي لغير صالحها. أما الانخراط الصيني الروسي في منطقة الشرق الأوسط فهو مستمر ومتعدد الأوجه، لكن تلك الأقطاب لن تخوض معارك في المنطقة، ليست ضمن أولوياتها.
فالانحراف في حروب معلنة عموما يضعف الدول، لذلك جرت الولايات المتحدة روسيا إلى الحرب في أوكروانيا، بهدف إضعافها، ورفعها من خريطة التنافس القطبي.
* قلت أيضا في مقال لكِ إن إدخال المساعدات للفلسطينيين جواً أو حتى بحراً استهانة بالعقول.. فهل كانت هذه المساعدات جزء من “مسرحية سخيفة” كما وصفتها “ذي إيكونوميست“؟ وهل السماح بها يأتي كجزء من خطة الاحتلال لتصفية الأونروا؟ ولماذا يصر الاحتلال على تصفية الوكالة رغم أنها في الغالب لا تعارض قرارات الاحتلال نفسه؟
– نعم، اعتبر مسرحية إدخال المساعدات بالطائرات استهانة بالعقول، لعدة أسباب، أولها أن وصول الطائرات لسماء غزة لا يكون إلا بالتنسيق مع الاحتلال، وكان الأجدر التنسيق مع الاحتلال لتوصيل قافلات المساعدات براً، وهو الأمر الأكثر منطقية في ظل وجود حدود طويلة للاحتلال مع غزة، وعلى اعتبار أن تلك هي الآلية المعتمدة منذ سنوات والمنطقية في توصيل المواد الأساسية لبقاء الحياة، خصوصاً في ظل مسؤولية دولة الاحتلال لتحمل تلك المهمة، وهو ما كان يحتاج لبذل جهود بالضغط على دولة الاحتلال بتحمل مسؤولياتها.
وحتى وإن تم كسر الحصار بالقوة، فهو أمر يجيزه القانون في هذه الحالة. إلا أن الدول لجأت لمساعدات الجو، وهي تعلم أنها غير مجدية على صعيد الكم وتنظيم وصولها، لأسباب داخلية خاصة، في سبيل إرضاء شعوبها الثائرة والرافضة لتجويع الشعب الفلسطيني.
* يتخوف كثيرون من خطوة إنشاء رصيف بحري أمريكي في غزة، ورغم أن الهدف المعلن للميناء هو توفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين المحاصرين، إلا أن هناك تخوفات من أسباب خفية أخرى.. فكيف تفسرين هذه الخطوة في ضوء طريقة تعامل إدارة بايدن مع الحرب على مدار أكثر من 5 شهور؟ وهل التخوفات في محلها؟
– إن الموقف الأمريكي من العدوان واضح، فهي شريكة مع إسرائيل في قتل الفلسطينيين، لذلك علينا بشكل مبدئي التشكك في ذلك المقترح، وأي مقترح أمريكي آخر. أضف إلى ذلك أن العمل على بناء ميناء مؤقت، يحتاج إلى شهرين لتجهيزه يعني أن الولايات المتحدة تعرف أن العدوان على غزة مستمر، وتوافق على ذلك.
وإذا رجعنا إلى قضية التهجير التي طرحتها إسرائيل في بداية العدوان، نلاحظ أن الولايات المتحدة في البداية لم تعارض ذلك، واذا أضفنا إلى ذلك رفض مصر قبول فكرة تهجير مئات آلاف الفلسطينيين إلى مصر، يعني ذلك انه من الممكن أن نكون اليوم أمام مؤامرة لتهجير الفلسطينيين عبر البحر، وهو سيناريو جرى من قبل في عهد النكبة.
* ما العائق أمام إجراء مصالحة فلسطينية حقيقية شاملة على أرضية وطنية هدفها حقوق الشعب الفلسطيني؟
– هذه أولوية وطنية في هذه اللحظات العصيبة، فما يتعرض له الفلسطينيون من حرب إبادة وإنكار للحقوق ليس في غزة فقط فالضفة تعاني أيضاً، وتتحمل الأحزاب الفلسطينية، خصوصاً تلك المسؤولة عن إدارة الوضع الفلسطيني، مسؤولية مباشرة اليوم عن هذا الخلل.
ولعل البيان الصادر عن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة المبادرة الوطنية الفسطينية، حول الحكومة الفلسطينية الجديدة دليلاً إضافياً على عمق الأزمة الداخلية الفلسطينية.
* جبهات لبنان واليمن والعراق وسوريا تقوم بدورها في الدعم والإسناد، والمقاومة الفلسطينية دائما تثني عليهم.. فما تقييمك لدور هذه الجبهات؟ وهل اختلاف الظروف السياسية لكل جبهة تأثير على طريقة الإسناد؟ وما هي الجبهة المرشحة بقوة للانفجار؟
– ساهمت تلك الجبهات، كل منها حسب قدراتها وإمكانياتها وحدود تحركها في دعم الفلسطينيين، وهي تحركات أثرت على العدو، فجزء من جيشه يحارب على الجبهة الشمالية، والولايات المتحدة تحارب معه على الجبهات الأخرى.
ليس من السهل القضاء على التحرك في اليمن والعراق وسوريا، بسبب طبيعة المقاومة فيها، إلا أن تأثيراتها محدودة في نتائج المعركة عموماً. وقد تكون الجبهة الشمالية مع حزب الله أكثر الجبهات المرشحة للانفجار، رغم محاولة حزب الله جعل المعركة مضبوطة، لكن المشكلة تكمن في إسرائيل، التي يمكن أن تقوم بالتصعيد، في لحظة من اللحظات، تتعلق بتطورات العدوان على غزة.
* موقف النظام العربي الرسمي يكاد يكون منعدما في الحرب على غزة، وهو أبطأ وأبعد بمراحل كبيرة جدا عن الموقف الشعبي.. فما الذي يمنع الدول العربية من اتخاذ مواقف جادة لوقف الحرب؟ وما الواجب على الشعوب العربية فعله لتغيير مواقف حكوماتها؟
– كما ذكرت سابقاً، الأنظمة العربية مرتبطة بمصالح قوية مع الولايات المتحدة، تجعلها عاجزةً عن اتخاذ مواقف فاعلة، رغم المجازر وشلال الدم الذي يسيل في غزة.
والشعوب العربية ثائرة لا تقبل بما يحصل مع إخوانهم في غزة، لكنها تصطدم بسلطة حكوماتها، والمطلوب ضغط الشعوب أكثر على أنظمتها، والبحث عن وسائل جديدة للضغط، فالإرادة الشعبية لها تأثير عظيم، لو استخدمت الأدوات الصحيحة والمؤثرة.
* مع الفشل المتكرر لمنظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحتى محكمة العدل الدولية في وقف الحرب على غزة، وكأننا في أعوام 1947 و1948.. هل بات العالم بحاجة لمنظمات بديلة؟ وهل خطوة الانسحاب من هذه المنظمات من الممكن أن تكون ذات تأثير، مع إقرارنا بصعوبة تنفيذ الحكومات العربية لهذه الخطوة؟
– الحقيقة أن هذه المنظومة الدولية، هي منظومة غربية، لا تعمل لصالح الدول والشعوب المقهورة والضعيفة، ولا يزال العالم الاستعماري الغربي هو من يسيطر ويقرر، بفعل أدوات جديدة للاستعمار. على رأسها الأداة الاقتصادية.
فمجلس الأمن، الذي تتحكم به ثلاثة دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة، تتحكم بقرار الأمم المتحدة، وتحركاتها، ولذلك رزحت القضية الفلسطينية العادلة في جنبات هذه المنظمة دون حل طوال العقود الماضية، لأن تلك الدول الغربية تدعم إسرائيل وليس من المتوقع أن يتبدل الوضع.
حتى المحكمة الجنائية الدولية، ورغم المساعي الفلسطينية للانضمام للمحكمة، ورفع الدعاوى أمامها، في جرائم واضحة لا غبار عليها، لم تتحرك، ولن تتحرك.
وحتى إذا افترضنا أن محكمة العدل الدولية اصدرت قرارا بإدانة إسرائيل بارتكابها جرائم ابادة جماعية، فليس للمحكمة جهاز تنفيذي، وسيذهب الأمر لمجلس الأمن، والقرارات الدولية في اتخاذ مبادرات التنفيذ، لنصدم مجددا بتلك المنظومة الغربية الفاسدة.
تعود المشكلة في خلق منظمات بديلة ومنظومة قانونية مختلفة إلى ضرورة وجود قرار موحد للدول لتحدي المنظومة الحالية، والتي تنخرط العديد من دول العالم في مصالح مختلفة ومتعددة معها.
* منذ اللحظة الأولى للحرب في 7 أكتوبر، والتصريحات الإسرائيلية الرسمية متضاربة في أهدافها وخططها.. فما هي سيناريوهات نهاية الحرب بعد 5 شهور دامية في ظل تأكيدات الغرب نفسه باستحالة القضاء على المقاومة؟ وما الذي سيحدد ملامح “اليوم التالي“: تغير الموقف الأمريكي أم انفجار الوضع الداخلي الإسرائيلي أم اتساع رقعة الصراع في المنطقة؟ ومن الدولة العربية التي قد تلعب دورا في حسم الصراع أو في تشكيل اليوم التالي؟
– الحقيقة لا يمكن التنبؤ بنهاية المعركة القائمة الآن، فالحرب مستمرة. وضع الشريكان، إسرائيل والولايات المتحدة، جميع سيناريوهات نهاية الحرب على أساس هزيمة حماس والسيطرة الأمنية على غزة. ولكن ما يحدد نهاية المعركة مدى صمود غزة، واستمرار دعم الجبهات المختلفة لها ولصمودها.
وقد يعجل ذلك من انفجار الوضع الداخلي الإسرائيلي، ويضع عوامل جديدة على معادلة الصراع القائمة. ليس من المتوقع أن تشكل الدول العربية عامل تأثير في نتائجها، لكن في النهاية لا تستطيع تلك الدول أن تتجاهل نتائج نهاية المعركة، وستتعامل معها حتى وإن لم تتفق مصالحها معها.
* على ذكر الأوضاع الداخلية في إسرائيل، هل يملك أهالي الأسرى الإسرائيليين القدرة على تفجير هذه الأوضاع؟ ولماذا لم يستثمر ما يعرف بـ“اليسار الإسرائيلي” والمعارضة الأوضاع للتخلص من اليمين المتطرف ونتنياهو؟ ومتى وكيف سيُجبر نتنياهو على الرحيل؟ وهل لو أقيمت انتخابات سيخسر فعلا أم أن الاستقطاب سيضمن له مكان؟
– لم يستطع أهالي الأسرى أو اليسار تفجير الأوضاع، رغم مرور كل هذا الوقت، وكل هذه الخسائر البشرية والاقتصادية. وقد نذكر المظاهرات التي عمت إسرائيل ضد التعديلات القضائية، منذ بداية العام الماضي، دون نتيجة. فأغلبية المجتمع الإسرائيلي يمينية، وتريد استمرار الحرب، والقضاء على حماس.
ورغم أن هناك جهات مهمة في أروقة صنع القرار في إسرائيل تريد التخلص من نتنياهو وحكومته، إلا أنها تدعم الحرب، بل انضمت إلى مجلس الحرب لتكون شريكة معه فيها. والمشكلة أن لتحالف نتنياهو في الكنيست الأغلبية، وهو لا يريد الانتخابات وإسقاط الكنيست، فالانتخابات لا تلوح في الأفق. في حالة هزيمة نتنياهو في الحرب، قد يكون ذلك العامل الأكثر ترجيحاً في سقوط حكومته.