عروبة الإخباري –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
يحرص رئيس أقوى دولة في العالم أن يوحي للرأي العام الأميركي والعالمي، أنّه عاجز عن كبح جماح نتنياهو، ومنعه من قتل المزيد من المدنيين. منذ أن أمعنت اسرائيل في قتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، والرئيس الأميركي جو بايدن الشغوف بالمثلّجات، يطلّ بين الحين والآخر، ليؤكّد أنّ خلافه مع نتيناهو يستعر، بسبب عدم انصياع الأخير للدعوات الأميركيّة، بشأن وقف اطلاق النار. كبريات الصحف الأميركيّة والأوروبيّة، أفردت مساحات، للحديث على شرخ كبير بين الرجلين، واشنطن بوست على سبيل المثال لا الحصر، نقلت قبل أيام عن مسؤولين أميركيين إحباطهم من حكومة نتنياهو “المتعجرفة”، وأنّ حرب غزة تقرّب بايدن من “قطيعة” مع نتنياهو.
الغذاء والسلاح الأميركي معًا في غزة
أراد بايدن أن يصدّق العالم حرصه على حياة المدنيين الفلسطينيين، وعجزه عن إرغام حكومة نتنياهو على وقف الحرب، فاستخدمت إدارته وسيلة إقناع في جغرافيا غزة، لزوم حفظ ماء وجه “الدولة المدافعة” عن حقوق الإنسان، حيث كان الجيش الأمريكي ينفّذ أول عمليّة إنزال جوي للمساعدات الإنسانيّة، شملت أكثر من 30 ألف وجبة غذائيّة، تضمّنت حقائب تحتوي على الفاصوليا الحمراء والمعكرونة بالدجاج واللحم البقري، أرفقها بايدن في خطابه عن حال الاتحاد، بالدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة ستّة أسابيع، كاشفًا عن خطّة لإنشاء ميناء مؤقت على ساحل غزة، بهدف إيصال مزيد من المساعدات الإنسانيّة بحرًا إلى القطاع. “المكرمة الأميركيّة” حصلت بعد “مجزرة الطحين” على دوار النابلسي جنوبي غربي مدينة غزة، حين استهدف الجيش الإسرائيلي، بأسلحة أميركيّة الصنع، حشودًا فلسطينيّة جائعة ويائسة، تجمهرت تنتظر وصول أول قافلة مساعدات، للمرة الأولى منذ 23 كانون الثاني.
ثلاثة دلائل: بايدن يفعل عكس ما يقول
استعراض القليل من الوقائع التي حصلت خلال الحرب على غزة، كفيل بإثبات استخفاف الرئيس الأميركي بالرأي العام، وأدائه الهزيل في دوره البطولي في مسرحيّة “راعي السلام”. فلننطلق من وجبات الغذاء الأميركيّة الأخيرة، وما تخللها من تسويق صورة رئيس “أميركا العظمى”، يكافح لفرض وقف إطلاق نار في غزة، وأبعاد شبح الجوع عن أهلها المحاصرين، حيث نسي بايدن أنّ بعض المأكولات التي أهداها للغزاويين، أرسل قبلها بأسابيع شحناتٍ عملاقة من الأسلحة لاسرائيل، ضمّت عشرات المقاتلات من نوع إف-35 وإف-15 ومروحيات أباتشي، وقذائف المدفعية، والقنابل، والمركبات المدرّعة، وغيرها الكثير من الأسلحة الفتّاكة، لزوم استمرارية قتل الغزاويين.
ليس تسليح الولايات المتحدة غير المحدود لاسرائيل، ما يحول فقط، دون تصديق عجز إدارة بايدن عن الضغط على حكومة نتنياهو لإرغامها على إيقاف الحرب، بل يكمن الدليل الأقوى في ثلاثة فيتوات استخدمتها إدارة بايدن في مجلس الأمن الدولي، لإسقاط مشاريع تدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة، وهو إجراء لطالما اعتمدته الولايات المتحدة تاريخيًّا في الهيئة الدوليّة، لإطلاق يد حليفتها اسرائيل في الفتك دون أيّ رادع أممي، حتّى وصل مجموع الفيتوات الأميركيّة المماثلة، منذ إنشاء هذا الكيان عام 1948، إلى نحو أربعين فيتو. ليس هذا فحسب، بل ذهبت إدارة بايدن في دفاعها المستميت عن اسرائيل، إلى حدّ الوقوف على منبر أعلى هيئة قضائية في العالم، لترافع دون أيّ حرج عن أمن اسرائيل، في توقيت قيام الأخيرة بإبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وذلك في جلسة المحكمة الدولية للنظر فى الاستشارة التى طلبتها منها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2022، حول الوضع القانونى لإسرائيل، فى الأراضي التى احتلتها فى حرب 1967.
الإعلام الأميركي يفضح بايدن
فائض السذاجة الكامن في تسويق عجز إدارة بايدن عن وقف الحرب على غزة، كشفه بايدن نفسه في أكثر من تصريح له، منها ردّه الشهير على سؤال أحد الصحافيين، بعد مرور ثلاثة أشهر على الحرب، عندما تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين 10 الآف:
“سيدي الرئيس هل طلبت من نتنياهو وقف إطلاق النار؟” أجابه بايدن “أجريت اتصالًا مطولًا مع نتنياهو ولم أطلب منه وقف إطلاق النار”، ليعود البيت الأبيض ويوضح أنّ بايدن تحدث خلال الاتصال عن الحاجة الماسة لحماية المدنيين. انحياز الرئيس الأميركي الفاقع لاسرائيل كان محلّ انتقاد بعض وسائل الإعلام الأميركيّة، مجلة “موذر جونز” الأميركية وفي تقرير مفصّل كتبه مراسلها Noah Lanard، بعنوان “كيف أصبح جو بايدن أبرز صقور إسرائيل في أميركا؟” نقل الصحافي الأميركي عن جميع من التقاهم من المسؤولين والأكاديميين الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين، تمتّع بايدن بتعاطف غريزي مع إسرائيل مقابل عدم اهتمامه بالفلسطينيين، وتحدّث عن أن دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل في شن عدوانها الحالي على غزة، وضعه على خلاف مع معظم العالم وأجزاء كبيرة من قاعدته السياسية. وذكر الكاتب الكثير من الوقائع التي تدعم خلاصته “أنّ الرئيس الأميركي أعطى الأولوية لتزويد إسرائيل بدعم غير مشروط، ومساحة لمواصلة القتال، في مواجهة معارضة دوليّة مكثّفة” مضيفًا “أنّ أيّ رئيس أميركي كان سيدعم إسرائيل في أعقاب هجوم حماس، لكن بايدن ذهب أبعد من أيّ من زملائه الديمقراطيين في الدفاع عن إسرائيل”.
قد يناسب بايدن في خضم حملته الإنتخابيّة أن يظهر نفسه راغبًا بوقف الحرب وساعيًا لها ليل نهار، خصوصًا مع استطلاعات الرأي وأرقامها المتزايدة عن تعاطف الشباب الأمريكي مع الفلسطينيين، فضلًا عن القرارات الرمزية التي صدرت عن عشرات المدن الأميركيّة الداعية إلى وقف القصف الإسرائيلي على غزة، لكن إذا كان بايدن يريد فعلًا وقف المجازر الإسرائيلية، فما عليه سوى عدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضدّ كل مشاريع وقف اطلاق النار، أو الإمتناع عن إرسال سلاحه الفتّاك إلى الإسرائيليين، وما عدا ذلك بايدن مشارك في كلّ فصول الإبادة.