عروبة الإخباري –
لبنان 24 – هتاف دهام –
بعد أسابيع قليلة على بدء الحرب على غزة سارعت إسرائيل إلى إبرام صفقة بين شركتي “إيني” الإيطالية، و”دانا بتروليوم” البريطانية، و”ريشيو إنرجيز” الإسرائيلية، يجري بمقتضاها منح تراخيص للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة، وفق ما أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية في 29 تشرين الأول الماضي، وسط معلومات تشير إلى أن إسرائيل أيضا تسرق غاز حقل قانا منذ العام 2020 وأن هناك خرائط ومعلومات تؤكّد ذلك، ولذلك حاولت شركة توتال التنصل من الحفر والتنقيب بالإدعاء أن البئر المحفور في حقل قانا المحتمل في البلوك 9 لا يحتوي على الغاز، وربطا أيضا بانسحاب كونسورسيوم توتال الفرنسية و”قطر للطاقة” و”إيني الإيطالية” من استثمار مشروع استخراج الغاز والنفط في البلوكين 8 و 10.
وفي الأيام الماضية، بدأ الغاز الطبيعي بالتدفق من حقل “شمال كاريش” إلى “إنرجان باور”البريطانية-اليونانية، وهي سفينة ضخمة عائمة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال وتصنيعه وتخزينه وهي راسية بجواره. وستتم معالجة الغاز على متن السفينة قبل نقله إلى الشاطئ جنوبي حيفا عبر خط أنابيب ممتد في قاع البحر. كما سيجري استخراج سوائل الغاز، أو النفط في الواقع، وتخزينها على متن السفينة لتحميلها في الناقلات التي ستنقلها إلى أسواق التصدير كل بضعة أسابيع. منع الغاز المستخرج من حقل “كاريش” حدوث نقص كان محتملاً عندما توقف حقل “تمار” عن الإنتاج لعدة أسابيع في بداية حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وفي وقت لاحق، قال الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجان” لصحيفة “فاينانشال تايمز”: “يحتّم علينا الإنتاج لكي تبقى الأضواء منارة في إسرائيل”.
لا شك أن إسرائيل ومنذ عشية الترسيم البحري كانت قد بدأت بالضخ التجريبي والعمل في الموضوع الغازي و الوقود الاحفوري عموما” فهي تمضي في ذلك قدماً لجملة اعتبارات أولها الاستهلاك الداخلي وثانيها جملة الاتفاقات الموقعة مع المصريين والأوروبيين لاسيما في ظل المعركة المفتوحة بين موسكو وكييف والحاجة الأوروبية للغاز القادم من شرق المتوسط لاسيما “إسرائيل” حيث الحديث أن الكميات الإسرائيلية المتنوعة بكل أشكال الغاز قد تسد حوالي 10% من الحاجة الأوروبية و بأسعار معقولة وهذا ما احتفلت به آنذاك كل من كارن حرار وزيرة الطاقة الإسرائيلية والسيدة فوندرلاين عن الاتحاد الأوروبي في حزيران المنصرم.
لقد تحركت إسرائيل مدعمة لوجستيا منذ أعوام وترجمت سرعة الحركة إبان عملية التفاوض والترسيم، وكانت إنرجان باور جاهزة لسرعة التنفيذ و هذا ما أشار إليه العديد من الوكالات الإعلامية الغربية ومن المفارقة أنه لم يكن من الممكن لحقل “كاريش” ولا “شمال كاريش” أن يقعا في مياه الكيان الإسرائيلي(فلسطين المحتلة) لو أصر لبنان على ما طالب به في عام 2020 بأن حدوده البحرية تمتد جنوباً، إلا أن المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة أفضت إلى الحدود الحالية القائمة مع بقاء نقطة B1 وخط الطففات عالقين ضمن حالة من الضبط برعاية الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
من المؤكد أن إسرائيل تعمل في بيئة غير آمنة بالمعنى الاستثماري والعملي وتاليا” إنرجان باور تعمل تحت وطأة ظروف حساسة للغاية وكأنها في قلب معسكر حيث تحميها الكثير من القطع البحرية الإسرائيلية حيث الغاز ضمن أولويات حكومة بنيامين نتنياهو بما تمثله من أمن قومي اقتصادي ومالي في زمن اهتزاز الأمن الاقتصادي الإسرائيلي، من تقهقر الشيكل إلى ضعف البورصة وأزمة الانفاق و عجز الموازنة وهبوط التصنيف الائتماني الإسرائيلي …..الخ وعليه، فإن الوضعن بحسب ما يؤكد استاذ الاقتصاد في الجامع اللبنانية محمد موسى لـ”لبنان24″ حساس جداً بالنسبة لتل أبيب ضمن إطار ما يجري من غزة مروراً بلبنان وصولا إلى البحر الأحمر وتأثيراته على الامدادات الاحفورية إلى دولة الكيان وتهديد موانئ إيلات و غيرها من الموانئ القريبة من غلاف غزة.
أما على خط لبنان، من الواضح أن هناك سعيا من أجل المضي في استخراج الثروة النفطية بعد إضاعة فرص جمة وهدر سنوات من الوقت ضمن المماحكات اللبنانية التي ألحقت الضرر بالقطاع علماً أن الفرص كانت ستكون ممتازة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. لكن لم يتم اكتشاف الغاز في حقل قانا رغم أن المسوحات الزلزالية السابقة أكدت وجود كميات هيدروكربونية. ولعل الظروف السياسية لم تتطابق ما هو تحت البحر، بحسب موسى. فالظرف الأمني الراهن شكل عائقاً كبيراً أمام رحلة الاستكشاف خاصة بعدما قرر كونسورتيوم الغاز المغادرة من دورة التراخيص الجديدة. وقال وزير الطاقة وليد فياض إن الحكومة تدرس إمكانية تعديل شروط المشاركة في عمليات الاستكشاف من خلال مرسوم جديد يصدره مجلس الوزراء، ويهدف هذا التعديل إلى تسهيل الإجراءات وتشجيع مشاركة عدد أكبر من الشركات بما يعود بالنفع على قطاع الطاقة اللبناني،مشيراً إلى رفض الحكومة عرض قدمته إحدى الشركات التي فازت في مزاد سابق للتنقيب عن الغاز بسبب تمسك الشركة بالاستمرار في العمل حتى عام 2027 متجاوزة الموعد النهائي الذي حدده الجانب اللبناني وهو منتصف 2026، بالإضافة إلى سعي الشركة لتخفيض حصة لبنان من عائدات المشروع، وهو ما اعتبرته الحكومة اللبنانية غير مقبول. مع الاشارة إلى أن دورة التراخيص الثالثة الممتدّة حتى تموز المقبل تشمل تسعة بلوكات من أصل عشرة، كون التنقيب عن الغاز في البلوك الرقم 9 قد لزّم بالكامل إلى تحالف كل من “توتال و”إيني” و”قطر للطاقة”،في حين تبحث وزارة الطاقة إمكانية خفض العتبة الدنيا لرأسمال الشركات الراغبة بالمشاركة في الدورة الثالثة دون التخلي عن الشروط والمعايير العالمية المطلوبة، وذلك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الشركات.
وقال فياض ان لبنان يعتزم توسيع نطاق الشركات المؤهلة للمشاركة في عمليات استكشاف الغاز الطبيعي بعد تعثر مفاوضات التنقيب في القطاعين 8 و10 في الآونة الأخيرة.
عاد اليوم الحديث عن المغريات الاقتصادية لترسيم الحدود البرية و تنفيذ القرار 1701 وسط ربط بين جبهة غزة وجبهة الجنوب حيث اشارت المعلومات، وفق موسى، إلى إعادة طرح التفاوض عن الحفر و التنقيب والمساعدة في توصيل الغاز من مصر والأردن، لكن الأمور لا تزال ضمن الوعود التي لا يمكن الرهان عليها، ومرد ذلك أن التنقيب لم يستكمل، وقانون قيصر لا يزال سداً منيعاً أمام إيصال الغاز إلى لبنان.