عروبة الإخباري –
هي ذات القصة التي نسمعها منذ عشرات السنين، وذات الفشل في معالجة جذورها، وكل مرة نقول هذه عاصفة في فنجان، لكن يثبت أنها ليست كذلك، بل عمل منظم لاعتبارات كثيرة.
أعمل في الصحافة منذ 32 سنة، ومنذ أن بدأت عملي صحفيا في صحف عريقة أردنية وعربية، وصولا إلى هنا حيث “الغد”، نواجه ذات القصة ونعالجها بذات الطريقة من رد الفعل، والغضب المؤقت الذي سرعان ما يزول، وهذه القصة ترتبط بسمعة الأردن، والإساءة لسمعة البلد، مهما فعل، بل وأكثر من ذلك، التعامي عن كبائر وصغائر الآخرين السياسية، والتركيز فقط على الأردن، وهذا أمر شائع بين عامة الناس والنخب حين تكون فضائل الأردن ناقصة دائماً، وأي خطأ هنا في الأردن يكون مضاعفا، فيما يتم إعفاء غيره من السؤال والجواب.
صورة الأردن وسمعته بالمناسبة لم تتعرض إلى هذه الإساءات بشكل مباغت أو مفاجئ، بل قامت على موروث منذ الخمسينيات في القرن الماضي، واشتد في الستينيات وعهد جمال عبدالناصر والأنظمة القومية والعسكرية والشمولية، التي ضيعت شعوبها، وتواصلت القصة بعد كل هذا التأسيس حتى يومنا هذا، وما زلنا نسمع نفس القصص، فالأردن مجرد بلد عميل، وقاعدة أميركية، يقدم خدمات أمنية لإسرائيل، يخون أمته، ويعمل ضد الشعب الفلسطيني، بل إن الحملات تشتد لتشمل هوية الناس، والبلد، ومحاولات تصويره بكونه مجرد قطعة أرض، جمعت السكان من جهات مختلفة ووحدتهم في كيان هزيل، فيما الدور الوظيفي للبلد حماية الاحتلال الإسرائيلي، والتآمر على أمة العرب والمسلمين، والتورط في ملفات غامضة.
زاد من سوء الصورة تراجع قطاعات كثيرة، وإذا جالست عربيا اليوم يزم شفتيه ويستهزأ بالتعليم في الأردن، وبالقطاع الصحي، وبالخدمات، ولا يريد أن يعترف لك بأي دور أو فضيلة أو منجز، وكأن هذا المسار المستحدث الناجم عن تراجعات جزئية نعترف بها، يصب لصالح المسار الأول، فيما نحن نشعر بالتحسس والغضب، ونقف في حالة دفاع عن أنفسنا، وربما نبالغ فنضطر لتفخيم الذات الوطنية، والأنا الشخصية، للرد على هذه الحملات.
هل هذه في الأساس مشكلة الإعلام المحلي وإخفاقاته، وعدم وجود مشروع إعلامي عربي للأردن، وهذا سؤال سمعته مليون مرة خلال آخر ثلاثة عقود، أم أنها مشكلة المطبخ الإعلامي في الدولة، والتباينات فيه، أم أنه مشكلة الشخصنة وغياب المبادرة، أم أنها مشكلة الاعتياد، وعدم فهم كلف الإساءات التي تنهمر علينا، حيث نكتفي كل مرة بالحديث عن المؤامرة، وأولئك الذين يستهدفون الأردن، دون أن نقدم حلا لوقفهم أيضا أم أنها مشكلة عمان السياسية التي لا تريد أن تقف عند كلفة هذه الحملات، ولا تريد تبني أي مشروع.
الأدهى والأمر أن من يسيئون للأردن لأي سبب كان، لا يتحدثون بالمقابل عن أنظمة ثانية تتورط في أخطاء وخطايا، وهذا يعني أن القصة انتقائية، وفي قصة غزة مثلا لماذا لا يتحدث كثيرون عن أخطاء تركيا، وعلاقاتها مع إسرائيل، وتهدئة أنقرة الرسمية مع إسرائيل، واستمرار تصدير البضائع للاحتلال، ولماذا لا يتحدث هؤلاء عن الصلات الأمنية الخطيرة بين أنظمة عربية وإسرائيل، وهي صلات تتم المجاهرة بها، وهذا يعني أن مسطرة القياس ليست واحدة، بل تقوم على أساس أننا نحب ونكره، فمن نحبه نغفر كبائره السياسية، ومن نكرهه أو نستصغره لاعتبارات مختلفة، ندينه ونسيء له بكل الطرق، وهذا في الإجمال لا يعني تبريري لأي خطأ رسمي هنا في الأردن، ولا قبولي العلاقات مع إسرائيل، ولا المتاجرة معها، بل إن موقفي واضح كالشمس، لكن مطالبتي بتطبيق نفس المعايير الوطنية على الكل، دون استثناء.
تصغير أكتاف الأردن، لا يجري من الخارج فقط، بل من الداخل أيضا، والرد على ذلك لا يكون بحملات نحاول عبرها إقناع الأردنيين كون الأردن بلدا طيبا، فهذه مهمة ساذجة، لان هذا هو الأساس، وما يراد هنا حلول إستراتيجية سياسية وإعلامية بدلا من الردح والرد على الإساءات بحملات غاضبة، لا يقف عندها أحد خارج حدود البيت الأردني، وهي حدود لا تدرك أصلا ماهية الأردن ولا حساسية ظروفه، ولاتريد الاعتراف أصلا بتاريخه وإرثه تجاه فلسطين، ولا يرى من هو خارج الحدود إلا التقصير بعين تقصيره هو، فيرمينا برماح مذلته وإفكه.