عروبة الإخباري –
لم تكن العلاقات الأردنية الفلسطينية مجرد علاقة بين دولتين بل كانت وعبر التاريخ، علاقة تاريخية وحضارة عربية عظيمة، وظروف مختلفة ربطت بين الشعبين بأواصر الصداقة، والمحبة، والقرابة والنسب.
العلاقات الأردنية والفلسطينية قامت على المبادئ الراسخة التي أسسها الأجداد لتمتد عبر الأجيال ولتشكل أنموذج حضاري للعلاقات العربية والإسلامية، لذلك هب الأردن لنجدة المدنيين بغزة هاشم نتيجة الظروف الاستثنائية التي يعيشها أهل غزة، والتي كانت سببا في غياب الحصول على أدنى متطلبات الحياة من غذاء ودواء.
لذلك تم تنفيذ الإنزالات الجوية الأردنية على القطاع، لأهالي غزة مباشرة، فالقوات المسلحة الأردنية، وبإيعاز من جلالة الملك عبد الله الثاني نفذت ثلاثة عشر إنزالا تحتوي على مواد غذائية ومواد طبية، تخفيفا عن معاناة أهالي القطاع جراء ما يتعرضون له من أوضاع صعبة نتيجة الحرب.
بالإضافة لذلك قام جلالة الملك عبد الله الثاني بالعديد من الجولات الدبلوماسية الدولية، من أجل ضمان وقف إطلاق النار وسرعة وصول المساعدات الإنسانية لغزة.
في حرب غزة لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهما، ذو بعدين إيجابي وسلبي، أما الأول فقد ساعد الويب على إظهار الحقيقة واضحة للجميع، إلا أن ذلك لم يمنع من إساءة البعض استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وعدم الرغبة في فهم الواقع، فكان بعض البشر، يقومون بتشويه كل ما هو إنساني وأخلاقي.
في كل حرب بالسلاح، هناك أيد خفية تدير حربا نفسية وهي أكثر فتكا بالعالم من حروب السلاح، فالتلاعب بالكلمات وبث الفوضى والفتن والشك، وتشويه المواقف ورمي السم في العسل نوع من أنواع الحرب النفسية المستخدمة لإثارة البلبلة وإضعاف الصفوف، وهزم الروح المعنوية، كوسيلة لتحقيق مأرب خبيثة ومأساوية.
وهذا ما ألقت الضوء عليه الملكة رانيا العبد الله في خطابها الذي ألقته في مؤتمر الويب بقطر حيث قالت “فلسطين محتلة، وقد سعى الاحتلال لتهجير سكانها، ونفيهم بعيدا عن الأذهان، وتجريدهم من إنسانيتهم ومصداقيتهم، وتم تحويلهم إلى شعب يمكن استباحته دون عواقب».
لقد نادت الملكة الضمير العالمي من خلال الحديث عن وسائط التواصل الاجتماعي، التي أصبحت، لا تحمل إلا صور أكفان بيضاء، وأنقاض رمادية وشاشات بيضاء وسوداء، ومستشفيات تتعرض للقصف، وأماكن عبادة تدمر، ومدنيون يقتلون وبأيديهم الرايات البيضاء، وفيديوهات تبث تتوسطها تحذيرات من قسوة المحتوى، الذي يمتلئ بالمشاهد المروعة للحياة والموت من ذلك المكان الذي أصبح الأكثر بؤسا في عالمنا. حديث عميق للملكة أيقظ الوجع القابع في القلوب.
لم أجد أفضل من خطاب جلالة الملكة رانيا العبد الله، للحديث عن أهمية، وخطورة المواقع الإلكترونية في طرح محتوى حقيقي يمتاز بالصدق في ظل ظروف صعبة انحدر فيها مقياس الإنسانية إلى مستويات مخيفة، وتسلل إلى الفضاء الإلكتروني أشخاص تصر على سرد الرواية، منقوصة، ومغلوطة، لتبقي دوائر الصدى مبرمجة، رافضة لأي حقائق أو معلومات تخالف ما يريدون بثه من سموم، حتى وصل الأمر إلى الشك بمصداقية الموقف الساعي نحو تطبيق أسس القانون الدولي، لحقوق الإنسان والقيم العالمية للمساواة والعدالة.
لقد حمل خطاب الملكة في مؤتمر الويب بقطر، نقل صورة لأولئك الذين يعيشون على الجانب الآخر من العالم، حيث تحدثت كيف استطاع الويب أن ينقل للعالم رسائل جديدة اختصرت المسافات الطويلة، لتشير في مجمل الحديث، لحساب الانستغرام لشاب مراهق من غزة استطاع بحسه الفكاهي أن يذكر كل من يشاهده بابن أو شقيق أصغر.
كما تحدثت بصدق وعفوية وشفافية وشجاعة ميزت شخصيتها، عن قصة معاناة شابة وسط بحر من الخيام في رفح، عندما أجبرها انعدام المياه النظيفة لقص شعرها المجعد، فقام ناشطون من مختلف أنحاء العالم بقص خصلة من شعرهم تعبيرا عن تضامنهم.
لقد أشارت جلالتها الى أن الويب استطاع نقل لحظة تحول بالنسبة لشعب فلسطين، وتطرقت لما حدث لجيل من الصحفيين وما واجهوا من محاولات عديدة للحد من انتشار حدودهم الافتراضية. وأشارت الملكة بأن وسائط التواصل الاجتماعي، استطاعت أن تحدث فرقا كبيرا فأصبح بإمكان هاشتاغ أو تيك توك أن ينقل صورة، تظهر حقيقة ما يجري.
ولكن تبقى كيفية تفاعلنا مع ما نرى ونسمع هو الفيصل، فكل نفس ترى الصورة وتفسر وفق ما تحمله من قيم ومبادئ وأخلاق إنسانية واجتماعية وثقافية وهذا ما قصدته الملكة الإنسانة بقولها «إن طريقة، تفاعلنا مع أجهزتنا تخبرنا الكثير عن أنفسنا».
للأسف هناك فئة وقفت خلف الشاشة لبث الأكاذيب والإشاعات والتشكيك، تلك فئة المرجفين الذين ينشرون الإشاعات الكاذبة، أو يبالغون في تعظيم قوة الأعداء، واستحالة هزيمتهم وكسر شوكتهم، وقد لعنهم الله حيثما وجدوا، وتوعدهم بأن يسلط عليهم من يقطع دابرهم.
في كل موقف، هناك دائما قوة تسعى لإنهاء الظلم ولنجدة الناس الأبرياء، وأصحاب الحق وهذا ما ختمت به الملكة خطابها بمؤتمر الويب حيث قالت «ما من قوة تفوق قوة جموع عالمية واعية تطالب بنهاية ظلم تاريخي». فالتغيير ممكن، والظلم قابل للزوال.
الموقف الأردني موقف حر وثابت، ولن يؤثر عليه الجبناء والمرجفون، وكل التحركات الميدانية والتصريحات السياسية الأردنية، الرسمية والعسكرية والشعبية، تقرأ في سياق الوقوف في وجه التهجير، واستثمار اللحظة التاريخية لإعادة إحياء فكرة إقامة الدولة الفلسطينية.
ولن ينجح المرجفون في تغير المسار السياسي الأردني الفلسطيني حمى الله غزة العزة وحمى الأردن أرضا وقيادة وشعبا.