عروبة الإخباري –
لبنان 24 – هتاف دهام
لا يتسم المشهد الجنوبي بكثير من الغموض، لكنه ينطوي على درجة عالية من المخاطرة، فقد بات موقف حزب الله واضحا، فهو لا يريد تصعيد الوضع الجنوبي، وفي الوقت نفسه لا يستطيع التهاون في الرد على أي تجاوز او توسع في الاعتداءات الإسرائيلية، فحزب الله عندما أدخل الصاروخ أرض- جو النوعي وأسقط المسيّرة الإسرائيلية، إنما أراد القول للعدو أن تماديه لن يمر دون رد.
تكمن المخاطرة في أن إسرائيل تعاطت مع خطوة حزب الله بوصفها تصعيدا وذهبت بعيدا في استهدافاتها في أماكن عدة وصولا إلى البقاع وبررت موقفها بأنها استهدفت منظومات ومواقع تتصل بالدفاع الجوي. وهذا هو التدحرج الذي يخشاه الجميع ويحذرون منه والذي يخشى أن يؤدي التراكم فيه في لحظة من اللحظات إلى انفلات المواجهة على نحو واسع.
حزب الله يتصرف بعقلانية ملحوظة وهي محل مراقبة دبلوماسية غربية دقيقة والعقلانية تعبر عن نفسها بتركيز الحزب هجماته وردود أفعاله في مواجهة التصعيد الاسرائيلي على أهداف عسكرية. وفي حقيقة الأمر ما يحول دون انفجار الوضع على نحو واسع، هو موقف حزب الله هذا والموقف الأميركي الضابط للموقف الإسرائيلي.
في هذا السياق، يبدو واضحا أيضا أن حزب الله يتجه إلى إيقاف العمليات العسكريّة في حال أبرم تفاهم رمضان في غزة، لكن في المقابل فإن إسرائيل تتحدث بموقف مغاير، إذ أعلن وزير الحرب الإسرائيلي بالإضافة إلى مسؤولين آخرين أن إسرائيل لن توقف استهدافاتها لحزب الله حتى لو أقرت الهدنة في غزة.
الأوساط السياسية المعنية في لبنان في الحكومة وخارجها، ترجح عكس ذلك، وهي تستند في تقديرها إلى الموقف الأميركي الذي يعتبر بأن الهدوء جنوبا هو ضرورة لاستكمال الدور الدبلوماسي بفعالية لإنتاج تفاهم يتصل بترتيب الأوضاع من خلال إجراءات مستدامة. وما يجري تناقله عن الوسيط الأميركي في ملف الطاقة آموس هوكشتاين ينطوي على شيء من التفاؤل والواقعية بإمكانية الوصول إلى مثل هذا التفاهم، إذ أن الأفكار غير المكتملة التي يتداولها الأميركيّون تبدو أكثر سهولة ومرونة بالمقارنة مع الأفكار الفرنسية، حيث جرت الإشارة الأميركية في مرحلة سابقة إلى صيغة مشابهة لصيغة تفاهم نيسان 1996، مما يعني أن الإجراءات ستكون إلى حد ما متوازية، ولا تحرج أيا من الطرفين على أن يشكل هذا الأمر مخرجا للبحث لاحقا في القضايا الأكثر تعقيدا لا سيما ما يتصل بالتطبيق الكامل للقرار الدولي 1701 ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. مع الإشارة إلى أن المقاربة الأميركية يفترض أن توفر مخرجا للعدو الإسرائيلي في ما يتعلق بالموضوع الأكثر ضعطا عليه، وهو ملف عودة المستوطنين إلى الشمال.
أن كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يوم أمس يعتبر نوعا من الملاقاة الايجابية لهذه المقاربة ويختزن في ثناياه إدراكا دقيقا لحقيقة الموقفين الأميركي وحزب الله، فهو أشار في تصريح لوكالة رويترز إلى حديث جدي عن وقف العمليات العسكرية في غزة مطلع الأسبوع المقبل، وأن وقف القتال في غزة سيطلق المحادثات حول التهدئة في لبنان. وتوقع ميقاتي محادثات لأسابيع لتحقيق “استقرار طويل الأمد” في جنوب لبنان بمجرد التوصل إلى اتفاق غزة، وأكد بأنه “يثق أن حزب الله سيوقف إطلاق النار إذا فعلت إسرائيل الشيء نفسه”.
وتعتبر أوساط سياسية أن المنهجية الأميركية لمعالجة الأوضاع جنوبا تشبه إلى حد بعيد المنهجية التي جرى اعتمادها في إنتاج هدنة غزة، إذ أن تعذر الوصول إلى وقف إطلاق نار شامل في القطاع دفع إلى اقتطاع المرحلة الأولى من هذه الصفقة على أن ينظر لاحقا في استكمالها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوضع في جنوب لبنان، أي معالجته على مراحل وليس دفعة واحدة.