عروبة الإخباري –
تدين الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية بشدة عمليات الترحيل القسري والتطهير العرقي الكارثية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة، والناجمة عن الهجوم المستمر الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي في القطاع. ثمة خطر جدي وجسيم جراء عمليات الترحيل الجماعي هذه والتي تدفع الناس خارج غزة إذ يضطرون إلى النزوح جنوبًا.
ترقى الأفعال الإسرائيلية هذه إلى مستوى الجرائم الفظيعة التي يجب على المجتمع الدولي أن يمنع ارتكابها. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي أن يطالب المجتمع الدولي بوقف دائم لإطلاق النار ويفرضه. إن التقارير التي تتحدث عن إنشاء “منطقة عازلة” خارج رفح تحسبًا لحدوث المزيد من النزوح خارج قطاع غزة تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تحرك المجتمع الدولي حيال هذه المسألة.
وقد تعرض ما يقرب من 1.9 مليون شخص من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة للنزوح داخل القطاع نفسه، وقد عانى الكثير منهم التهجير أكثر من مرة نتيجة العمليات الإسرائيلية، كما اضطر أكثر من نصفهم إلى النزوح إلى جنوب غزة، وبذا لم يعد لدى أكثر من مليون فلسطيني غزي أي منزل أو سكن يعودون إليه. أيضًا، فإن أكثر من 70 % من المنازل وأكثر من نصف مباني غزة قد دُمرت وتضررت. من جهتها، أكدت محكمة العدل الدولية أن النزوح القسري، وعند حدوثه في ظروف يُقصد بها إيقاع دمار مادي على المجموعة، قد يشكل إبادة جماعية أيضًا (كرواتيا ضد صربيا، 2015، الفقرة 163).
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية سكان غزة (بما يشكل حوالي 77 % من السكان) ينحدرون من نسل اللاجئين الذين طردوا قبل النكبة وخلالها، والذين حرموا وما زالوا محرومين من حقهم في العودة. نزح العديد من الأشخاص في قطاع غزة داخليًا نتيجة الهجمات الإسرائيلية المتعددة على القطاع منذ عام 2008، وقد وُثقت ممارسات إسرائيل المتعمدة من حيث عمليات النزوح القسري منذ ما قبل عام 1948 بكثرة، والتي تشمل التدمير الوحشي للملاجئ المخصصة للنازحين والهجمات التي شنتها ضدها، وذلك على نطاق واسع. وفي سياق هذا الهجوم الحالي خاصة، ينبغي أيضًا منح إمكانية الوصول إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين الباحثين عن الأمان.
صدرت عدة أوامر إخلاء منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، زعم فيها الجيش الإسرائيلي أنه قد حثّ المدنيين على الفرار إلى ما يسمى بـ”المناطق الآمنة”، غير أنهم تعرضوا للهجوم ضمن هذه المناطق أيضًا؛ على سبيل المثال، في رفح، أدى هجوم وقع مؤخراً إلى مقتل 95 مدنيًا، من بينهم 42 طفلاً. وفي 12 شباط/فبراير، قُتل 68 فلسطينيًا، من بينهم 19 طفلًا، في هجوم آخر بالقنابل على رفح. ويقدر عدد القتلى الكلي حاليًا بما لا يقل عن 29 ألفًا. إن الهجوم العسكري المستمر، والحصار وتدمير المنازل وغيرها من منشآت البنية التحتية المدنية، بما يشمل الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية، والمستشفيات، وشبكات المياه والصرف الصحي، جعلت من غزة مكانًا غير صالح للحياة. إن من شأن خطة دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تقضي بترحيل مئات الآلاف من الأشخاص قسريًا قبل البدء بالغزو البري أن تدفع السكان إلى النزوح القسري والمطول في مصر، مع فرص قليلة أو معدومة للعودة إلى وطنهم، كما تهدد التقارير التي تتحدث عن قيام إسرائيل ببناء طريق شرقي غربي يربط قطاع غزة من أجل إحكام قبضتها عليه بوقوع مزيد من النزوح القسري على الفلسطينيين. وكانت باولا غافيريا بيتانكور، المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمشردين داخليًا، قد حذرت من أن “إسرائيل تسعى إلى تغيير تركيبة سكان غزة بشكل دائم؛ وذلك من خلال أوامر الإخلاء المتزايدة باستمرار، والهجمات واسعة النطاق والمنهجية على المدنيين والبنية التحتية المدنية في المناطق الجنوبية من قطاع غزة المحاصر”.
يتوافق النزوح القسري للفلسطينيين منذ ما قبل عام 1948 وحتى الأزمة الحالية، من ضمن جملة أمور، من بينها النزوح الجماعي، والنزوح القسري، والطرد وإعادة التوطين غير الطوعي، مع سياسة الاستبدال والاستعمار التي تمارسها إسرائيل. وقد جرى توثيق خطاب المسؤولين والسياسيين الإسرائيليين الذي يشجع التطهير العرقي في غزة كثيرًا في الآونة الأخيرة.
كما سيؤدي القصف المكثف على رفح والتهجير القسري الذي يلوح في الأفق داخل غزة وخارجها للفلسطينيين الذين يبحثون عن مأوى في ما يسمى بالمناطق الآمنة إلى ضرر لا يمكن إصلاحه. وكما ذكرت محكمة العدل الدولية في ردها على طلب جنوب إفريقيا اتخاذ المزيد من التدابير المؤقتة:
تشير المحكمة إلى أن التطورات خاصة في رفح من شأنها “أن تزيد بشدة ما يعتبر كابوسًا إنسانيًا له عواقب لا توصف”، كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة خلال خطاب ألقاه في الجمعية العامة بتاريخ 7 شباط/فبراير، بشأن أولوياته لعام 2024.
وأوضحت المحكمة في قرارها أن هذا الوضع الخطير يتطلب التنفيذ الفوري والفعال للتدابير المؤقتة التي أشارت إليها المحكمة في أمرها الصادر في 26 كانون الثاني/يناير 2024. وذكرت أن تلك التدابير تنطبق على جميع أنحاء قطاع غزة، بما فيها رفح…
ومن الجدير بالذكر أن الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هم أيضًا ضحايا النزوح القسري من جانب إسرائيل: فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، هُدم أكثر من 600 مبنى في الضفة الغربية، بما في ذلك أكثر من 250 مبنى سكنيًا، ما أدى إلى تهجير ما لا يقل عن 1,500 فلسطيني، وقد صاحب هذه الأفعال تزايد عنف المستوطنين والاعتقالات التعسفية ضد الرجال، والفتيان والنساء والفتيات من الفلسطينيين. إن هذا النزوح القسري المباشر وغير المباشر للفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة هو جزء من النظام الاستعماري الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الشامل المفروض على الشعب الفلسطيني بأكمله.
وما قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي بنقل أو ترحيل سكان الأراضي المحتلة داخل المنطقة أو خارجها، أو تهجير السكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع إلا جريمة حرب. ولا يعفي إصدار أوامر إخلاء غير فعالة إسرائيل من مسؤولية الالتزام بمبادئ التمييز، والتناسب والضرورة. إن عملية التهجير الحالية هي أحدث مظاهر السياسات الإسرائيلية منذ عام 1948 وأفظعها، إذ أُجبر الفلسطينيون على الفرار من منازلهم ومُنعوا من العودة إليها، في انتهاك للقانون الدولي.كما أن الهجوم العسكري الإسرائيلي الحالي، والاحتلال الأوسع، وسياسات الفصل العنصري، والتهجير القسري، هي انتهاكات لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويمكن اعتبارها جرائم حرب، إلى جانب كونها جرائم ضد الإنسانية، وهي من عناصر الإبادة الجماعية.
ومن هنا، فإننا ندعو الدول إلى:
الدعوة إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار؛
استخدام التدابير المضادة القانونية، مثل العقوبات والحظر التجاري، من أجل حث إسرائيل على وقف انتهاكاتها للقانون الدولي والامتثال لالتزاماتها.
التدخل لحماية الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية من التهجير القسري الداخلي والخارجي وغيره من الانتهاكات؛
ضمان حماية حق الفلسطينيين في العودة؛
محاسبة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية والمحلية من خلال الولاية القضائية العالمية؛
دعم الخدمات الحيوية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، من خلال زيادة تمويلها أو إعادته؛
ضمان رد الحقوق والتعويض عن الأضرار والإصابات المرتبطة بالاعتداء غير القانوني والناتجة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وغيرها من انتهاكات القانون الدولي.