بث المعلومات إلى الرأي العام موهبة تحتاج قدرات للحفاظ على تدفقها لكنها تعرض أصحابها للاعتقال أو التصفية
عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية – فيديل سبيتي
اعتقلت قوات الأمن الصينية الكاتب الأسترالي الصيني الأصل يانغ هينغجون في 2019 بتهمة التجسس، وقبلت محكمة بكين الشعبية القضية وعينت في العام الجاري قاضياً للنظر في إرسال الصحافي رسالة توصف بالسرية في 2011، أورد فيها تفاصيل عن عمله لدى وزارة أمن الدولة في “هونغ كونغ” في 1992، قبل أن يعلن أنه في 1997، عمل باحثاً لصالح وزارة أمن الدولة الأميركية في واشنطن قبل أن يهاجر إلى أستراليا مع أسرته في 1999.
وكان يانغ نشر بين العامين 2000 و2004 ثلاث روايات تتناول عالم التجسس وبطلها عميل مزدوج، وتم نشر هذه الروايات في تايوان قبل أن تنتقل إلى أنحاء العالم.
غالب تهم التجسس ملفقة
يقول بعض المعلقين الليبراليين في الصين وخارجها إن تهمة التجسس الموجهة إلى يانغ هي تهمة سياسية ضد معارض سياسي لنظام الحزب الواحد في الصين، ويعد كثير من جمعيات حقوق الإنسان أو التي تعنى بالحريات ومعتقلي الرأي وكذلك المؤسسات الحقوقية في الأمم المتحدة تهمة التجسس في الصين هي الأكثر تداولاً، وجاهزة للاستخدام لكل المعارضين السياسيين الذين يقبعون بسبب هذه التهمة لسنوات كثيرة في السجون.
واعتقل يانغ في 2011 في مدينة “غوانزو” للاشتباه في تحريضه على “ثورة الياسمين” أي الحركات الاحتجاجية التي توسعت في أكثر من 12 مدينة صينية، وأطلق سراحه بعد ثلاثة أيام من اعتقاله، ثم ألقت السلطات الصينية القبض على يانغ، في يناير (كانون الثاني) 2023، فور دخوله الصين عبر مطار “قونغتشوا” وكان برفقة زوجته وأطفالهما، وتطالب جهات كثيرة بإطلاق سراحه.
تم اتهام صحافيين كثر بالتجسس حول العالم بسبب مواقفهم من النظام الحاكم في بلادهم، وقد كانت بعض التهم صحيحة، ولكن غالباً ما يتبين أن معظم التهم الموجهة إلى الصحافيين بالتجسس ملفقة، وعلى رغم الجهود المتزايدة التي تبذل عالمياً، فلا تزال مهنة الصحافة محفوفة بالأخطار.
في اليمن أيضاً اعتقل الحوثيون في 2015 الصحافي النرويجي ريموند ليدال بتهمة التجسس، بعدما فشل في إظهار “فيزا عمل” صحافية عندما تم توقيفه ليطلق سراحه بعد شهر وأسقطت التهمة الموجهة إليه.
وفي 2012 أوقف الصحافيان البريطانيان نكولاس ديفيس وزميله غاريث منتوغومري جونسون في ليبيا، بعدما اتهما بحيازة معدات إسرائيلية وبالتجسس، لكن أسقطت التهم عنهما وأطلق سراحهما بعد فترة قصيرة.
في سوريا هناك العشرات من الصحافيين المعتقلين لدى التنظيمات المسلحة، واختفوا فجأة من دون توجيه أي تهم رسمية لهم، لكن هذه التهم غالباً ما تتمحور حول التجسس، ولعل أبرز القضايا هي قضية طاقم “سكاي نيوز” الذي ضم المراسل الموريتاني إسحق مختار والمصور اللبناني سمير كساب.
وفي إيران تم اعتقال مدير مكتب “واشنطن بوست” جايسون راضايان لأكثر من سنة بتهمة “التجسس لصالح أميركا”، قبل أن يطلق سراحه مطلع العام الحالي بعد سقوط التهمة عنه، وفي يونيو (حزيران) الماضي، اتهمت السلطات الإيرانية، البريطانية نازانين زاغاري راتكليف، الموظفة لدى مؤسسة “تومسون رويترز” والموقوفة منذ الثالث من أبريل (نيسان) 2023، بالسعي إلى “قلب النظام والتجسس”.
مهنة الصحافة… مهنة المتاعب
قدرة الصحافيين على بث المعلومات والحفاظ على تدفقها الحر للرأي العام في جميع أنحاء العالم هي التي تعرضهم للسجن أو العنف أو الموت لمجرد قيامهم بعملهم أو إدلائهم برأي وموقف، وتظهر الأرقام الحديثة مدى الأذى الذي يتعرض له الصحافيون في أنحاء العالم.
من 2016 إلى نهاية 2020 سجلت اليونسكو مقتل 400 صحافي، وما زال المعدل العالمي للإفلات من العقاب على قتل الصحافيين مرتفعاً إلى حد يدعو للقلق، فمن أصل كل 10 حالات قتل للصحافيين تبقى تسع حالات غير محسومة قضائياً.
وجاء في بيان أصدرته منظمة اليونيسكو نهاية 2023 بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد منذ سنوات دوامة من العنف والنزاعات المسلحة التي طاولت آثارها السكان بلا استثناء ألقت بظلال ثقيلة على الصحافيين الذين تعرضوا للانتهاكات والاعتداءات المتكررة، وطالبت الأمم المتحدة ومنظماتها بإنشاء آليات محاسبة مستقلة للتحقيق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الممنهجة وحماية حرية التعبير عن الرأي والعمل الصحافي، وكذلك العمل مع أطراف النزاع والسلطات من أجل اتخاذ تدابير للإفراج عن الصحافيين المعتقلين والمختفين قسرياً.
وطالب المركز “الأورومتوسطي” في 2022 و2024 المبعوث الأممي إلى اليمن التدخل من أجل إنقاذ حياة الصحافيين توفيق المنصوري وأكرم الولیدي وعبدالخالق عمران وحارث حمید المحكومين بالإعدام بتهمة التعاون مع التحالف العربي، وهي تهمة تعني التجسس لصالح العدو، وقضوا في السجن حتى اليوم ما يقارب التسع سنوات، بينما شاب المحاكمات كثير من التجاوزات القانونية، وتتردى ظروف احتجازهم لتشمل حرماناً من الرعاية الطبية والنوم وتعرضهم للتعذيب الجسدي والنفسي، وتلوث المياه وقلة الطعام ومنعهم من الذهاب إلى دورة المياه.
في ديسمبر (كانون الأول) 2020 حكمت محكمة تركية على الصحافي المعارض المعروف جان دوندار بالسجن 27 عاماً بسبب نشره تحقيقاً يؤكد أن أجهزة الاستخبارات التركية تسلم أسلحة لجماعات متطرفة في سوريا، واتهم دوندار الذي يقيم في ألمانيا بتهم مساعدة مجموعة إرهابية والتجسس وإفشاء معلومات سرية أدت إلى الضرر بالأمن القومي التركي.
ويعتبر دوندار في حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية أن الحكم القضائي هو قرار سياسي ولا علاقة له بالقانون والهدف منه الثأر من الصحافيين وثنيهم عن نشر المعلومات التي يجب أن تصل إلى الرأي العام.
“مراسلون بلا حدود” وتردي ظروف الصحافيين
لمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” نسخة 2023 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي يقيم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي في 180 بلداً، حيث تظهر المؤشرات المحددة بعبارات معينة تشير إلى درجات التردي أو التقدم في حرية التعبير وحماية الصحافيين، فوجدت المنظمة أن الوضع “خطير للغاية” في 31 بلداً و”صعب” في 42 و”إشكالي” في 55 دولة أخرى، وهو جيد أو “جيد نوعاً ما” في 52 بلداً، بعبارة أخرى، فإن ظروف ممارسة العمل الصحافي مزرية في سبع بلدان ومرضية في ثلاثة بلدان فقط من أصل 10.
وتحافظ النرويج على الصدارة للعام السابع على التوالي، وعلى غير العادة في المركز الثاني دولة من خارج منطقة إسكندنافيا، وهي إيرلندا ثم الدنمارك، وارتقت هولندا في الترتيب العالمي لتستعيد المركز السادس الذي فقدته بعد اغتيال الصحافي الهولندي بيتر آر دي فريز الذي أصيب برصاصة في رأسه بعد مغادرته استوديو التلفزيون في أمستردام حيث ظهر ضيفاً، ونقل إلى المستشفى في حالة حرجة، وتوفي بعد تسعة أيام.
وكان الصحافي المتخصص في تحقيقات الجرائم دي فريس أسس حزباً سياسياً في 2005 ويهدف إلى تغيير الثقافة السياسية في هولندا.
وجاء في تقرير “مراسلون بلا حدود” لعام 2023 أن منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط تراوح مكانها في مؤخرة تصنيف المناطق الجغرافية الكبرى، باعتبارها المنطقة الأكثر خطورة على سلامة الصحافيين، إذ يعتبر الوضع “خطيراً للغاية في أكثر من نصف بلدان هذا الجزء من العالم”.
ويعزى الترتيب المخزي لبعض بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، مثل سوريا (175) واليمن (168) والعراق (167)، إلى العدد الكبير للصحافيين المفقودين أو الرهائن بالأساس.