عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
منذ وقت طويل ومنذ زيارتي الأولى لأذربيجان، الدولة الآسيوية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي في موجة الإنهيارات التي حصلت في مجموعة دوله المشكلة للاتحاد السوفييتي وقد كان انفصال أذربيجان صعباً حيث تعرضت لعدوان روسي شرس على أراضيها ومدنها وقتل فيه الكثيرين
جمهورية اذربيجان لها تاريخ طويل متغلغل في التاريخ الإسلامي والعربي، حيث وصلها الفاتحون العرب بعد معركة القادسية في العراق، ليكونوا هناك في خلافة عمر بن الخطاب.تقريبا في عام 15 للهجرة
كنت أبحث عن الفترة التي وصل المسلمون العرب فيها الى اذربيجان وما اقاموه من خلافة وكيف أداروا أو استوطنوا تلك الديار.
كانت المعلومات قليلة جداً، وتكاد تكون معدومة في المصادر الاذربيجانية الحديثة أو المعاصرة أو التي يطلع عليها الطلاب أذ لم يعد الطلاب الاذريون قادرون أن يصلوا الى المصادر أو يقرأوا فيها لأن الحرف العربي الذي كان مستعملا تغير الى الحرف السلافي واللاتيني، فانقطع القراء الاذريون عن هذه الفترة من تاريخهم ولم يعودوا يتواصلون فيها، وبقيت تلك المعرفة مقتصرة على بعض الباحثين فقط والذين لم يكونوا اظهروا بحوثهم الى القراء.كنت في اذربيجان مطلع الثمانيات وعدت وعمدت الى المصادر العربية المتوفرة في الجامعة الأردنية و التي جاءت على ذكر اذربيجان وهي عديدة، ووجدت أن اذربيجان كانت موقعاً جغرافياً يحتل مكانة في كتب المؤرخين والرحالة والجغرافيين العرب وحتى التراجم وكتب الفقه والبلدان، وحاولت أن أستفيد من ذلك في كتابي الصادر عام (2011) عن اذربيجان بعنوان (عروس القزوين وبلاد النفط).
فزرت أذربيجان مرارا أخرها في شباط من هذا العام 2024 وأتيح لي أن التقي الدكتورة نرجيس علييفا ، وهي مدير شعبة تحقيق وتقديم تاريخ اذربيجان الوطني لدى الاكاديمية الوطنية الاذربيجانية للعلوم، وقد قدمني لها أخ زوجتي البرفيسور كهرمان حسين اغايفا … رئيس دايرة الآثار والتاريخ في لاكاديمية الأذربيجانية والمشرف الرسمي على قرارات الدولة المتعلقة .. للبحث عن التاريخ أو وقف أي عمل انشائي من شأنه ان يصيب التراث المدفون أو يسيء اليه.
بلقائي الدكتورة نرجيس علييفا ، وجدت ضالتي التي كنت ابحث عنها منذ سنوات، وهي الفترة التاريخية المتعلقة بالثقافة الاسلامية في اذربيجان.. والعرب في اذربيجان في فجر الفتوحات.
الدكتورة لها أكثر من عشرين كتاباًمحكما اكاديميا وهي ما زالت تكتب وتبحث وتنشط وتؤلف بعدة لغات هي العربية والتركية والروسية والاذرية وغيرها.
لقد زرتها بمكتبها كمدير ة متحف التاريخ الوطني لاذربيجان بعد ان تجولت في المتحف الذي كان في الأصل منزلاً لواحد من أشهر الشخصيات الاذرية التي دعمت التعليم المبكر. والمشاريع الخيرية وهو الحاج زين العابدين ناجيف، حيث كان المتحف في منزله الذي جردته منه ليصبح من أهم متاحف مدينة باكو، وزين العابدين ناجيف بدأ فقيراً عصامياً وانتهى غنياً من اقطاب البلاد في صناعة النفط والصناعات الآخرى وهو رجل محسن ومقتدر لدى الاذربيجانيين وانتهى الأمر بطرد عائلته الى احدى القرى البعيدة عن العاصمة ليصبح بيته متحفاً منذ العام 1920.
أعود الى الدكتورة نرجس وكتابها القيم اللذي اهدتني وعنوانه الثقافة الاسلامية في اذربيجان وهو مترجم عن الاذرية ومطبوع بالعربية في دبي عام 2022 والكتاب بحث علمي هام واعتقد انه أفضل الكتب في مجاله، فقد سد ثغرة واسعة في تاريخ اذربيجان المبكر (المرحلة العربية الإسلامية) واجاب على كثير من الاسئلة وأغناني عن مواصلة البحث.
الدكتورة نرجس تتحدث العربية بطلاقة وقد احترفت الترجمة الى العربية وزارت عدة عواصم عربية كمترجمة مع وفود رسمية .
رحبت الدكتورة بكتابي ووعدت ان تدرسه وقد ذكرت لها أنه لم يؤلف بصيغة اكاديمية، وإنما كان الهدف منه تقديم اذربيجان الى القراء العرب الذين لم يكونوا يعرفون الكثير عن اذربيجان.
ومن هنا يأتي ياتي احتفائي بكتابها الهام الذي عكفت على قراءته وما زلت إذ أنه يصل الى (462) صفحة ويتمتع بهوامش وافية ومصادر موثقة ولم يسبق الإطلاع عليها او استعمالها، قبل الدكتورة نرجيس التي أضافت عناوين هذه الكتب الى المكتبة العربية.
كما تأتي قيمة هذا البحث الهام للدكتورة نرجس، كونه أشرك ومزج المصادر العربية مع الأجنبية، واقتباسات لم يأتي بها غير الدكتورة،علييفا ، قادر الى الوصول اليها سواء في مصادرها القديمة او الحديثة.. قدمت نفسها وأبحاثها العديدة القيمة ومنها كتاب الأنساب للسمعاني
وبتواضع العالم المتمكن الذي يبحث عن المعرفة دون أن يفاخر باكتسابها.
أن قائمة المراجع المستعملة بعدة لغات، الاذربيجانية والعربية والروسية والأوروبية الاخرى والتركية والفارسية، وكذلك المواقع الالكترونية، كل ذلك لا يتوفر لأي كتاب آخر دقة وسعة.
لقد عدت من اذربيجان بثروة معرفية لها حاضنة هي اكاديمية العلوم الوطنية الاذربيجانية. ومعهد الاستشراق.
لقد كرست الدكتورة نرجيس حياتها في هذا المجال وبرزت كواحدة من افضل وأبرز العالمات الاذربيجانيات المشهورات، وهن كثر في ميادين متعددة.
يحترم الاذربيجانيون العلم والعلماء ويصفون أي شخصية في الخطاب بمعلم قبل ذكر اسمه.
باكو اليوم مزدهرة بالعلم والمعرفة والجامعات والمعاهد وهي تتقدم بشكل ملفت للانتباه على مختلف الصعد.. وشعبها يبدو مرتاحاً بما أنجزه في سنوات استقلاله، حيث جدد انتخابه للرئيس إلهام حيدر علييف الذي قاد اذربيجان الى الانتصار الأخير والي نهضتها المتجددة
عن الثقافة في اذربيجان
18