عروبة الإخباري –
استمع المعنيون والمختصون وأنصتنا جميعا إلى حديث الملك عبدالله الثاني من البيت الأبيض الإثنين، في رسالة وجهها جلالته عبر لقاءات عقدها أيضا الثلاثاء في واشنطن مع أركان إدارة الرئيس جو بايدن -نائبة الرئيس كمالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن- وأعضاء من الكونغرس، قبل استئنافه جولته التي تشمل كندا وفرنسا وألمانيا.
الهدف واحد والأولوية ملحّة وهي وقف النزف الذي مزّق أوصال أسر وأدمى أكباد عائلات فلسطينية وإسرائيلية في حرب غير مسبوقة في حدتها ومخاطرها وتداعياتها منذ حرب ١٩٧٣ بحسب بلينكن، وتقديرات رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وليام بيرنز، أحد أصدقاء الأردن القدامى منذ كان سفيرا لبلاده في المملكة قبل ربع قرن ونيّف (١٩٩٨-٢٠٠١).
ما اختلف المنطوق السامي أبدا، فالمرجعية في الأصل روحية دينية أخلاقية قبل أن تكون فكرية سياسية. “ما وقر في القلب صدّقه العمل”، هكذا هو إيمان الهاشمين في كل ما يخص دم الإنسان وكرامته وحرماته. لا تقل في حرمتها ومكانتها إلا عن قدسية كل ما هو مقدّس ودرّتها القدس ومن يحفظ عهدها وأمانتها ووصايتها أبو الحسين، سيدنا عبدالله الثاني ابن الحسين.
ريثما -ونسأل الله ألا يطول الانتظار- ريثما تبدأ اعترافات دول العالم بالتوالي في دولة فلسطينية متواصلة الأطراف داخل حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، ثمة مقدمات يصل بعضها إلى حد الاستحقاقات حتى لا يحاصر البعض نفسه في عقلية الاشتراطات.
البداية يجب وينبغي ولا يجوز أن تكون إلا فلسطينية وحمساوية على وجه الخصوص. من أراد من العرب والعالم منذ قمة الرباط العربية نوفمبر ١٩٧٤ اعتبار منظمة التحرير الممثلة الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني عليه إنهاء الانقسام فورا، ولو أمكن بأثر رجعي. بصريح العبارة، دماء شهداء غزة الأبرياء تستصرخ تلك الوحدة التي حاولت السعودية الشقيقة تحقيقها في مكة المكرمة في الثامن من فبراير ٢٠٠٧ (قبل سبعة عشر عاما) في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز المحب للهاشميين والأردنيين الذي وصف الأردن “بياض العين”، متعهّدا رحمة الله عليه في فبراير ١٩٩٩ بعد وداع سيدنا الراحل العظيم الحسين طيب الله ثراه، بأن “نفدي الأردن بالأرواح”..
ما من خطر تواجهه الآن القضية الفلسطينية أكثر من التصفية. وما من نذير شؤم على ذلك أكثر من دعوات التهجير -الناعم والخشن- والأفعال المؤدية إليه والتصريحات الخرقاء التي تمادت إلى حد اتهام مصر الشقيقة بالمسؤولية عن حرب السابع من أكتوبر بحسب وزير المالية الأكثر تطرفا في عدائه للأردن ولمصر وللفلسطينيين في حكومة بنيامين نتانياهو.
أي استمرار للحرب لم يعد فقط نكبة فلسطينية بل عربية وإقليمية. وإن كان بعض قادة حماس الداخل أو الخارج أحرار في “قرارهم” -ولا أظنه إلا إيرانيا من قبل أو من بعد- فليس من حق أي طرف توريط الدول العربية وبخاصة الأكثر قربا من غزة والضفة بتحمل تداعيات الانشقاق والاحتراب الفلسطيني الفلسطيني المرشح للمزيد من التشظي في حال عدم نزع فتيل الأزمة الحقيقية وهي داخلية في الأساس، داخلية فلسطينية وداخلية إسرائيلية مما يؤكد حتمية التغيير البنّاء عبر انتخابات حقيقية لدى الطرفين، والأهم حاسمة.
لا بديل عن الإفراج -ولو من جانب واحد- عن كل الأطفال والنساء والمسنين والمرضى فتلك قضية تقرها الأديان كلها -وما كان في الأصل يجوز اختطافهم تحت أي مسمى كان. خطوة شجاعة ذكية كهذه لن تحصد سوى التقدير والتعاطف الدولي. غير ذلك، سيستغل دعاة الغلو والتطرف والعبث الدامي دائرة الاستنزاف، فيوغلون أكثر وأكثر بدماء لن يسلموا منها أنفسهم لو اتعظوا من التاريخ، من تاريخ حروبهم أنفسهم. اللهم حكمة، اللهم قوة ومن أهم مقوماتها بعد النظر وحسن تقدير الموقف والحكم على الأمور برؤوس وازنة لا حامية!
يطالبون العالم بالإجابة، ومن باب أولى أن يقوموا إلى كلمة سواء ويلبّوا نداء المنطق والضمير.