عروبة الإخباري –
حذر البنك الدولي في تقرير حديث من أن العالم قد يتجه نحو ركود اقتصادي نتيجة ما تشهده الأسواق العالمية من اضطرابات وأزمات مالية في اقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، خاصة مع استمرار قيام البنوك المركزية برفع معدلات الفائدة لمكافحة التضخم. وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد العالمي أصبح هشّا ولا يحتمل أي تحديات ويعاني أصلا من تباطؤ شديد خاصة في الولايات المتحدة والصين ودول منطقة اليورو. وأشار تقرير لصندوق النقد الدولي لعام 23 أن الأوضاع الاقتصادية العالمية أصبحت محفوفة بالمخاطر وأن هناك حالة من عدم اليقين في العالم لارتفاع مستويات الفائدة وارتفاع مؤشر التضخم ناهيك عن الخلافات والمشاحنات السياسية التي أثرت على معدلات النمو. وأضاف التقرير أن الاقتصاد العالمي يتكبد خسائر عدم التصحيح لكثير من الأمور حيث يشهد تأثراً كبيراً بالأحداث العالمية بدءا من جائحة كورونا عام 20 وكوارثها البشرية والصحية والاقتصادية مرورا بالحرب في أوكرانيا عام 22 ونتائجها على قطاعات الأمن الغذائي العالمي وإمدادات الطاقة وارتفاع معدلات التضخم العالمية إلى مستوى غير مسبوق وارتفاع أسعار الفوائد وتأثيراتها السلبية في خفض وتيرة الانتعاش الاقتصادي، وأخيرا الحرب في غزة عام 23 وأحداث البحر الأحمر وأثرها على التجارة العالمية وأسواق الطاقة وما تبعها من تأثيرات اقتصادية محلية وإقليمية ودولية.
وقد شهد الاقتصاد العالمي العديد من التحديات والتغيرات مما دفع بعض الدول لاتخاذ مجموعة من الإجراءات التحفيزية لدعم اقتصادياتها المحلية كاعتماد برامج إعانات ومساعدات واعتماد برامج تحفيز مالي لتنشيط الاقتصاد كتخفيض الضرائب وتمويل القروض ودعم القطاعات الحيوية وتمويل الشركات وتعزيز التجارة وتشجيع الاستثمار الدولي وتخفيض الرسوم الجمركية.
لقد دخل الاقتصاد العالمي العام الجديد وسط ضبابية بالإضافة إلى التوتر المتزايد بين أكبر اقتصادين في العالم – الصين والولايات المتحدة – والمشاكل الداخلية التي يعاني منها كلا الاقتصادين كأزمة الديون الداخلية وارتفاع أسعار الفوائد والتضخم مما أثر على دورهم المحوري في تحقيق الانتعاش الاقتصادي العالمي. وبشكل عام يعاني الاقتصاد العالمي حاليا، وسط اضطراب القطاع المالي وتعثر التجارة الدولية وتراجع الاستثمار، من تأثيرات الأزمات التي تسببت في تراجع النمو الاقتصادي وتعثر الأنظمة المالية والبنكية وتعثر الأعمال وارتفاع معدلات البطالة عالميا والتي بلغت 5.3 % وفق منظمة العمل الدولية. وكذلك تواجه الدول حالة عدم توازن في التجارة الدولية وانكماشا تجاريا وصل إلى 18.7 % (حوالي 774 مليار دولار) مما قد يؤدي إلى تدهور العملات المحلية وعدم استقرار الأسواق المالية. كذلك يعاني الاقتصاد العالمي من حالة تباطؤ واسع مع عدم اليقين والضبابية حول الاتجاهات المستقبلية مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر وتنامي المشاكل الاجتماعية. وتشير تقارير البنك الدولي إلى تباطؤ النمو العالمي من 6 % إلى 2.9 % عام 23. وقد تأثرت العديد من البلدان بالركود الاقتصادي الدولي وتراجعت معدلات النمو الاقتصادي العالمي من 3.4 % إلى 2.8 % نتيجة استمرار معدلات الفائدة بالارتفاع حيث وصلت لمستويات قياسية من 0 % إلى 5.5 % أواخر عام 23. وكذلك شهدت أنشطة التجارة العالمية تحديات كبيرة مع استمرار معدلات التضخم بالصعود لتصل إلى 9.1 % في السوق الأميركي عام 22 والتي شهدت انخفاضا في نهاية 23 إلى 4.5 %. وكذلك تأثرت معدلات العرض والطلب وسلاسل التوريد العالمية وارتفعت كلف الشحن والخدمات اللوجستية في مشهد مضطرب لا ينبئ بالتفاؤل للتجارة الدولية. على صعيد متصل تزايدت مستويات الديون العامة للعديد من الدول وارتفعت نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 337 % بسبب تباطؤ النمو وزيادة الأسعار حيث بلغ حجم الدين العالمي أكثر من 307 تريليونات دولار، في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي 103 تريليونات دولار، مما قد يشكل تحديات كبيرة للدول في إدارة ديونها وتأمين استدانة مستدامة في المستقبل الأمر الذي دفع وكالات التصنيف الائتماني لمراجعة قدرات الدول على سداد ديونها وتحقيق معدلات نمو صحية.
إن استمرار حالة عدم اليقين في التأثير على الاقتصاد العالمي منذ عام 20 ساهمت سلبا على معدلات النمو وقد تأثرت الاستثمارات وخاصة الأجنبية واتخذت الشركات قرارات مترددة بسبب عدم اليقين بشأن البيئة الاقتصادية والسياسية وأصبح الاستثمار الأجنبي ينقسم وفقا لخطوط جيوسياسية تؤثر فيه وتديره وفقا لمديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا. وقد أدى هذا الانقسام إلى تباطؤ النمو بين الكتل غير المتحالفة، وتراجعت أنشطة التجارة العالمية داخل التكتلات الاقتصادية من 2.2 % إلى 1.7 % وانكمش حجم التجارة من 3 % إلى 1.9 % مما أضر بالعديد من الاقتصاديات. ويرجح صندوق النقد الدولي نمو التجارة العالمية 3.5 % عام 24 بارتفاع واردات الاقتصادات المتقدمة بنسبة 3 % وواردات الاقتصادات النامية إلى 4.4 %. من جهة أخرى من الملاحظ ارتهان اقتصاد العالم لسياسة تسعير الفائدة الأميركية حيث أن مؤشر سعر الفائدة في السوق الأميركي هو ما يقود أسواق المال في العالم وصناعة السياسات النقدية الخاصة بسعر الفائدة وما ينجم عنها من مشاكل تتعلق بالديون العامة وارتفاع كلف التمويل وزيادة العجز بالموازنات العامة خاصة في الدول المرتبطة اقتصادياتها بالدولار، حيث أن ارتفاع الدين يزيد من حدة الأزمات التي تعانيها الدول مترافقا مع تضخم عالمي عالٍ واستمرار في رفع أسعار الفائدة مما سيسهم في زيادة التباطؤ في النمو الاقتصادي 2.4 % عام 24.
إن الحلول المتوفرة لإنقاذ الاقتصاد العالمي تعتمد على نوعية التحديات التي يواجهها وتشمل تعزيز التجارة الحرة والعولمة والتحفيز المالي لتحقيق الاستقرار النقدي وتعزيز الشفافية المالية وتحسين الحوكمة الاقتصادية وتعزيز المساءلة ومكافحة الفساد وتفعيل نظم المراقبة ومراعاة حقوق العمال. إن الاستثمار في البنية التحتية وتحسين التعليم والتدريب ليتوافق مع احتياجات سوق العمل وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لخلق وظائف جديدة واعتماد التحول الرقمي والتكنولوجي تعد حلولا جوهرية لإنقاذ الاقتصاد. كذلك فإن تبني سياسات نقدية مرنة لتعزيز النمو الاقتصادي كخفض أسعار الفائدة وتيسير السياسة النقدية وشراء الأصول وتوفير التمويل للبنوك والشركات يعد محركا مهما للاقتصاد. وأخيرا فإن التعاون الدولي والتنسيق في مواجهة التحديات مثل التجارة الدولية والتنمية المستدامه وتنسيق السياسات ضروري لتحسين الاقتصاد العالمي، فمثلا حل أزمة أوكرانيا التي كلفت العالم مئات المليارات، وتخصيص مساعدات من الدول الكبرى إلى مجموعة الدول محدودة الدخل على شكل منح ومساعدات للتصدي للتأثيرات الاقتصادية، وتنازل صندوق النقد الدولي والدول الكبرى عن بعض القروض للدول التي لديها برامج وتحديات في عمليات الإصلاح الاقتصادي لدعمها تعد جميعها حلولا واقعية لإنقاذ الاقتصاد العالمي.