عروبة الإخباري –
يبدو أن الأكلات الشعبية باتت الأكثر حضورا في منافساتنا الكروية العربية، فبعد الكبسة السعودية والطعمية المصرية، دخل المنسف الأردني بقوة على الاحداث وتسيّد المشهد، ليصل مع النشامى إلى المباراة النهائية في كأس آسيا، والتي سيواجه فيها أصحاب الهريس القطري.
لا يقل اهتمام الشعوب بقضاياها المصيرية عن الاهتمام بطعامها، والفخر بطريقة تحضيره وتقديمه للضيوف، وانتظار الأثر الإيجابي لتناوله لشكر الله تعالى على نعمه، والاستمتاع بمذاقه.
وفي كرة القدم، يتشابه الأمر مع تحضير الطعام من حيث جودة المكونات التي تجمع بعناية، ويتم الالتزام بكميات محددة وتتعاون الأيدي في عملية الطهو، ويتم تنظيم السفرة بدقة متناهية حتى يأخذ الضيوف مكانهم بشكل مريح على السفرة، والاستمتاع بالوجبة اللذيذة.
والمنسف الأردني قد يكون الأكثر جذبا للانتباه، والأقل تعقيدا في التحضير، فالعملية لا تتعدى تجهيز اللحم ودفعه إلى القدر الكبير، وإضافة (الجميد) عليه وتجهيز الأرز، وسكبه في (السدر) أو الطبق الكبير، وتزيينه بالمكسرات وتغطيته بخبز الشراك الرقيق، ويتم تقديمه لوحده دون أي شريك على على المائدة باستثناء بعض المقبلات البسيطة مع (التشريب) ..
والحال ينطبق على المنتخب الأردني، الذي تم اختيار عناصره بعناية من قبل الطباخ عموتة، وتم تحضيره على نار هادئة وإزالة كل الشوائب التي أظهرتها المواجهات الودية، مع التركيز على جودة الطعم، فظهر الشكل النهائي لهذا المنسف الجميل في بطولة آسيا، وبقي على ذات السحر حتى المشهد الختامي.
وهناك في قطر، كان أصحاب الأرض يدخلون البطولة وهم بعيدون عن فرص الترشح للنهائي، لكنهم تعاملوا بنظرية الهريس، الذي يحرص على أن تكون مكوناته من اللحم الطازج مع القمح المطحون، ويطهى بعناية فائقة، ويبقى يتقلب على النار الهادئة لساعات طويلة حتى تختلط المكونات بعضها ببعض، ويتحول الطعم إلى منتج مختلف تماما عن المكون الأصلي.
أزال المنتخب القطري كل الشكوك حول جدارته بالدفاع عن لقبه، بعد الذكرى السيئة التي خرج منها في المونديال الذي استضافه على أرضه، فغير جهازه التدريبي، الذي يبدو أنه عرف مكونات (الطبخة) بشكل أفضل، وانتقاها بعناية، وصبر كثيرا على (الهريس) الذي نضج في النهاية وأنتج طعما رائع المذاق لعشاقه في قطر، ووصل إلى النهائي بشكل أذهل الجميع خاصة بعد أن تجاوز المنتخب الإيراني في مواجهة قبل النهائي البطولية.
الآن، لم يتبق على السفرة سوى المنسف الأردني، والهريس القطري، وكلاهما احتاجا إلى صبر كثير للوصول إلى درجة النضوج النهائية، وكلاهما لا يقبل بأي شريك معه على ذات السفرة، لكنهما يبقيان أصيلان في طريقة التحضير، وأصيلان في الطعم، لا يشبهما شيء، وستكون الوجبة دسمة على الجمهور الذي سيتابع تألقهما، ويتلذذ بمذاقهما الرائع، وفي النهاية، سيرفع كأس الجودة بطل أصيل.