عروبة الإخباري –
انتهت مناقشات مجلس النواب تحت القبة حول مشروع قانون الموازنة لسنة 2024، لكن للأسف، النقاش ظل بعيدا عن جوهر الملفات الاقتصادية والمالية، إذ كانت الفرصة سانحة للسادة النواب إجراء حوار جاد حول الموازنة، لكنهم، وللأسف، حولوا النقاش إلى مطالب خدماتية لدوائرهم الانتخابية، معتبرين أن الموازنات كلها متشابهة ولن يحدثوا شيئا.
مع ذلك، لا يمكن إغفال أن بعض النواب قد حاولوا تسليط الضوء على الجوانب الاقتصادية للموازنة، محذرين من التبعات المالية السلبية ومطالبين بضرورة الرقابة وترشيد الإنفاق، لكن هذه الأصوات ظلت خافتة وسط زحام المطالب الانتخابية.
كان من الممكن أن يكون هذا النقاش بمثابة منصة للتحليل العميق للوضع الاقتصادي الراهن واستشراف التحديات المستقبلية، لكن بدلاً من ذلك، اتجهت الغالبية إلى استعراض إنجازاتهم الفردية وعلاقاتهم مع الناخبين، متناسين الأثر الطويل الأمد للموازنة على الاقتصاد الوطني.
بالفعل، كان يمكن لهذه المناقشات أن تشكل منعطفاً حاسماً في مسار السياسة الاقتصادية للبلاد، فالاهتمام المفرط بالمصالح الخاصة والخطابات الانتخابية قد يكون قصير النظر، لكن تأثيره طويل المدى على الاقتصاد والمجتمع ككل.
النقاش الاقتصادي الرصين كان يجب أن يركز على تحليل الدين العام، وسبل تعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين البنية التحتية، والتركيز على التعليم والصحة كاستثمارات أساسية في المستقبل، إذ من الضروري الإشارة إلى أن التحديات الاقتصادية المعاصرة تتطلب حلولاً مبتكرة وشاملة، فالعالم يشهد تحولات سريعة في مجالات مثل التكنولوجيا، التغير المناخي، والأمن الغذائي.
وكان يمكن للنواب استغلال هذه المناقشات كفرصة لاستكشاف كيف يمكن للبلاد التكيف مع هذه التحديات واستغلالها لصالح النمو والتنمية الاقتصادية، لكن ركزوا على مطالبهم الانتخابية باعتبار أن المجلس في دورته الأخيرة.
علاوة على ذلك، كان لابد من النواب النظر إلى السياسات الاقتصادية كأدوات لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق، إذ يمكن للموازنة أن تكون وسيلة لتحقيق توزيع أكثر عدلاً للموارد، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الخدمات العامة، خاصة أن هذه الأهداف تتطلب نقاشاً عميقاً ومتبصراً، لا مجرد تبادل للاتهامات والمصالح الفردية.
إن الحاجة ماسة إلى إعادة توجيه النقاش الاقتصادي نحو أفق أرحب يشمل الاهتمام بالابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري، وتعزيز البنية التحتية الذكية، ومن الضروري أن يدرك النواب أن دورهم يتجاوز مجرد التركيز على الاستحقاقات الانتخابية القصيرة المدى، إلى المساهمة في بناء أسس اقتصادية متينة تخدم الأجيال القادمة.
للأسف، مع هذه النهج، فوت النواب فرصة ذهبية لتأسيس حوار اقتصادي يتناول قضايا مثل الاستدامة المالية، التنمية الاقتصادية، وتحسين البنى التحتية، فمناقشة الموازنة ليست مجرد إجراء روتيني، بل هي فرصة لتقييم وتحسين السياسات الاقتصادية بما يخدم الصالح العام.
يتضح أن مناقشات الموازنة لعام 2024 قد ضلت طريقها، فبدلاً من التركيز على الأبعاد الاقتصادية المهمة والإستراتيجيات المستقبلية، انحصر النقاش في الجوانب السطحية والمصالح الضيقة. الأمل يبقى في أن يدرك النواب أهمية دورهم نحو ما يخدم الاقتصاد والمواطنين بشكل أكثر فعالية في المستقبل.