تفتح لجان الاقتراع بـ80 دولة أبوابها وسط مخاوف من البيانات المضللة
عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية – نيرمين علي
لم تسلم الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 من عاصفة “الأخبار المزيفة” التي جمدت مشهد فوز الجمهوري دونالد ترمب آنذاك ثم ضرب تسونامي “ادعاءات التزوير” الانتخابات التالية في عام 2020، حتى وجد باحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنه بعد ثلاثة أيام من إعلان فوز جو بايدن كان غالبية ناخبي ترمب يعتقدون خطأً أنه هو المنتصر الشرعي، فماذا سيفعل المقترعون إذا علموا أن المعلومات المضللة أصبحت اليوم أكثر جدية وخطورة.
تتوالى التحذيرات مما يمكن أن تشهده وسائل الإعلام التقليدية والتواصل الاجتماعي، وسط تزايد الاستبداد والاضطرابات السياسية والاجتماعية، الأمر الذي يزيد من أخطار الدعاية والأكاذيب، ويغذي نظرية المؤامرة أكثر من أي وقت مضى.
إذا كان ما سبق يرتبط بالقوة العظمى على سطح الكوكب فماذا عن شعوب عشرات الدول التي ستشهد انتخابات هذا العام أيضاً.
نقطة امتحان
تحظى انتخابات عام 2024 بخصوصية من حيث التوقيت والمجريات العامة وعدد الدول المشاركة في الأعراس الديمقراطية. إذاً نحن أمام واحدة من أكبر الممارسات الديمقراطية وأكثرها أهمية في الذاكرة الحية، ومن المؤكد أن نتائجها ستؤثر في كيفية إدارة العالم لعقود مقبلة، فسكان الكوكب أمام نقطة امتحان من المحتمل أن تحدد وجهاً جديداً للديمقراطيات فيه، فسكان أكثر من 80 دولة سيتجهون إلى صناديق الاقتراع.
وبحسب الإحصاءات الأولية، سيتوجه ما يزيد على أربع مليارات شخص للمشاركة في الانتخابات من جميع قارات العالم، أي أن نحو 49 في المئة من سكان العالم مدعوون للمشاركة في 64 دولة في الأقل إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة).
خلال السنوات الماضية أثبت عدد متزايد من الناخبين حول العالم أنهم عرضة للتضليل من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بخاصة بعد أن قلصت شركات وسائل التواصل الاجتماعي جهودها لكبح جماح المعلومات المضللة على منصاتها.
ويعزز الذكاء الاصطناعي اليوم مساعي التضليل وتشويه التصورات عن الواقع، تزامناً مع موجة الانتخابات المحاصرة أساساً بتطرف متصاعد وتكنولوجيا خارقة وتراجع ملموس في حماية وسائل التواصل الاجتماعي، ويرى العلماء أن تكرار تعرض الناس لمعلومات معينة يزيد احتمالية تصديقها، حتى لو كانت تتعارض مع معتقداتهم السابقة، كما تزيد إمكانية نشرها وشيوعها، وهنا تكمن أهمية القضاء على المعلومات الخاطئة في مهدها قبل أن تمرر أمام الناس وتكرر على مسامعهم.
تكنولوجيا وسائل التواصل والانتخابات
ومع تزايد دور التكنولوجيا في العديد من القطاعات، من المتوقع أن يكون لوسائل الاتصالات والذكاء الاصطناعي مستويات متفاوتة من التأثير في انتخابات 2024، ومع صعود وسائل التواصل الاجتماعي حدث تغيير جذري في كيفية مشاركة المعلومات سابقاً وبما كانت عليه قبل 10 سنوات لا أكثر.
وأصبح التواصل مع الجمهور أسهل من أي وقت مضى مع تعدد المنصات وسهولة استخدامها ووصول الناس لها من خلال نظام التطبيقات، وفي حين أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي جعل التواصل أسهل، فإنه أدى أيضاً إلى انتشار المعلومات المضللة حول كل شيء، وقد تختلف طبيعة هذه البيانات تبعاً لمنصة التواصل أو تطبيق المراسلة أو وسائل الاتصال القديمة الأخرى مثل التلفزيون أو الراديو.
ومن المعلوم أن وسائل التواصل الاجتماعي تفتقر عادة إلى الرقابة والإجراءات الوقائية التي كانت توفرها الوسائط القديمة لمنع الادعاءات الزائفة وتصحيحها، وتعد خوارزمياتها ونموذج المشاركة من نظير إلى نظير (تبادل الملفات والبيانات بين جهازين شخصيين على شبكة الإنترنت) بمثابة نظام مثالي لمشاركة المعلومات الخاطئة على نطاق واسع، بخاصة داخل ما يسمى “غرف الصدى” المعزولة التي تضخم بعض القناعات والمعتقدات وتعزز بعضها الآخر بالتواصل والتكرار داخل نظام مغلق لا يقبل أي طعن أو نقض.
والأكيد أنه سيكون من الصعب للغاية على شركات التكنولوجيا والاتصالات ضبط وسائل التواصل الاجتماعي والتعامل مع المعلومات الخاطئة والمضللة ومكافحة مولدات التزييف العميق، مع انتشارها غير المسبوق وتنوعها واختلاف خوارزمياتها وتبدلها، كما أن العديد من الناس هجروا الوسائل التقليدية وقللوا من التعرض للاجتماعية منها مثل “فيسبوك” واكتفوا بـ”تليغرام” مثلاً، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة.
أكبر خطر عالمي
إذاً سيشهد عام 2024 الموجة الأولى من الانتخابات في عصر زيادة الوعي بالذكاء الاصطناعي واستخدامه، وفي حين أن التلاعب بالصور ومقاطع الفيديو المتعلقة بالانتخابات ليس بالأمر الجديد، إلا أن العام الحالي سيسجل أول انتخابات يتم فيها استخدام أدوات متطورة يمكنها إنتاج صور مزيفة مقنعة في ثوان معدودة، إذ يمكن لأي شخص تصنيعها من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية، ونشرها في نطاق مجتمعات ضيقة ومعزولة لن يتسنى لها كشف الحقيقة من الزيف.
وكل ما سبق إذا أخذنا في الاعتبار مدى التحسن الذي طرأ على التكنولوجيا المستخدمة في تصنيع الدعاية والتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، من روبوتات الدردشة إلى مولدات الصوت والفيديو، إلى جعل أدوات معالجة الوسائط بهدف التلاعب سهلة الاستخدام ومتاحة لعامة الناس.
وكان بعض الصور والفيديوهات والمقاطع الصوتية الملفقة بدأ يشق طريقه إلى إعلانات الحملات الرئاسية التجريبية، والتي بإمكانها أن تنتشر بسهولة وتخدع الناس وتؤثر في مجريات الانتخابات، مع عدم وجود الوقت الكافي لتدقيقها وكشف زيفها، كما يمكن لمعلومات مضللة معينة يخطط لها ثم تبث بشكل مدروس على وسائل الإعلام، أن ترسخ اعتقاداً معيناً يقلب الكفة لمصلحة أحد المرشحين أو تزرع نظرية معينة مبنية على ادعاءات تفقد الناس الثقة في الانتخابات أو يمكن تقديم أدلة زائفة لادعاءات مع استنتاجات تهدد الديمقراطية أو الصحة الوطنية، كأن يتم إقناع الناس بحمل السلاح ضد فئة ما أو طرح آراء مخالفة في شأن اللقاح، فالمعلومات المضللة ستنتشر قبل وأثناء وبعد التصويت، بخاصة في حال كانت النتائج متقاربة بشكل خاص أو كان المرشح ومؤيدوه ينظرون إلى النتائج بعين الشك.
وفي استطلاع، أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي، صنف المعلومات المضللة وبخاصة الصادرة عن الذكاء الاصطناعي باعتبارها أكبر خطر عالمي على مدى العامين المقبلين، متفوقاً على الحرب وتغير المناخ.
نشر الحقائق ودحض الأكاذيب
ولمواجهة التزييف بأشكاله يدعو المتخصصون إلى بذل كل شخص دوراً على المستوى الفردي أولاً، وكذلك في تحسين النظام البيئي للمعلومات على المستوى الجماعي، إضافة إلى محاولات يقوم بها المجتمع المدني للتخفيف من التشويش وفوضى المعلومات في الانتخابات.
ويشير متخصصون في علم النفس إلى بعض أفضل الممارسات لوضع الأمور في نصابها الصحيح، التي تبدأ بالتحقق من الأحداث ودحض الادعاءات المزيفة بشكل فعال من طريق شرح سبب عدم صحة المعلومات وتقديم معلومات بديلة.
وهنا يمكن أن تؤدي مشاركة المعلومات الخاطئة، بغرض التنديد بها، إلى توجيه الناس بشكل غير مباشر إلى نشر الادعاء الكاذب، بينما الطريقة الأفضل هي التقاط لقطة شاشة للمعلومات المزيفة ومشاركتها مع إرفاقها بشرح واضح للحقائق ورابط لمصدر أصلي، إذ إن نشر الحقائق بطرق خاطئة يمكن أن يؤدي عن غير قصد إلى تضخيم المعلومات الخاطئة.
أما على المستوى المؤسساتي، فالأكيد أن “أوبن أي آي” لم تقف مكتوفة الأيدي وتحدثت سياساتها للبدء في محاولة معالجة التزييف، ونشرت على مدونتها تغييراً جديداً في سياستها، تمنع فيه مستخدمي وصانعي أدوات “شات جي بي تي” وغيرهم من استخدام أدواتها لانتحال شخصية المرشحين أو الحكومات المحلية، وكذلك منعت استخدامها في الحملات الانتخابية وعمليات الإقناع أو لإعاقة أو تحريف عملية التصويت.
وتعمل “مايكروسوفت” و”أمازون” و”أدوبي” و”غيتي” مع (C2PA) لمكافحة المعلومات الخاطئة من خلال إنشاء صور الذكاء الاصطناعي، إذ يتولى نظام الاعتماد الرقمي مهمة ترميز الصور بمصدرها، مما يسهل بشكل فعال التعرف إلى الصور المنشأة بشكل مصطنع.
لكن كل هذه المحاولات هي في طور التجريب والنشر حالياً، وعلى رغم ذلك هي تعتمد بالأساس على وعي المستخدمين وقدرتهم على كشف التزييف والإبلاغ عنه، والحقيقة أنه بالنظر إلى أن كون الذكاء الاصطناعي في حد ذاته أداة سريعة التغير ومحملة بالمفاجآت المتتالية، ليس من الواضح مدى نجاح محاولات مكافحة المعلومات المضللة في موسم الانتخابات.
وسواء اليوم أو بعد حين فإن أفضل رهان واستثمار يمكن أن يقوم به البشر على المستوى الفردي هو تبني محو الأمية الإعلامية بشكل مستمر غير منقطع، وذلك بالتشكيك في أي خبر أو صورة حتى وإن كانت تبدو مقنعة، والتحقق من مصدرها.