عروبة الإخباري –
بعد دخول هجوم الاحتلال على غزة الشهر الرابع، تتواصل مأساة الفلسطينيين بلا توقف، والتي يتابعها العالم بصمت وعجز أو بلا مبالاة، وبدون وجود أفق سياسي للتوصل لحل ينهي معاناة واستنزاف فلسطيني غير مسبوق. وتصر حكومة الاحتلال على مواصلة هجومها على القطاع الصغير الضيق المكتظ بالسكان، رغم ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في إسرائيل التي تطالب الحكومة بالإفراج عن المحتجزين في غزة، ومحاولة حزب العمل الأخيرة بحجب الثقة عن الحكومة بحجة تخليها عن هؤلاء المحتجزين، فالمشكلة تكمن في طبيعة ذلك المجتمع الاسرائيلي المشبع بنزعة استعمارية متعالية، يقوده رئيس حكومة من مصلحته أن تستمر الحرب. وتظهر المعضلة الثانية لعدم وجود أفق لانتهاء الهجوم الإسرائيلي على غزة، دعم الولايات المتحدة المفتوح لإسرائيل، فمنذ بداية الهجوم، لم تخف الولايات المتحدة دعمها المفتوح والمطلق لإسرائيل، رغم بعض التصريحات المخادعة، للإبقاء على دورها في هذه الأزمة، والذي يسعى للسيطرة والحد من ردود الأفعال في المنطقة. وتبقى الجبهات الأربعة المفتوحة للتصدي للهجوم الإسرائيلي الدموي على غزة، في غزة والضفة ولبنان واليمن، الأمل الوحيد المتبقى أمام الفلسطينيين، لاجبار المعتدي على التراجع.
ليس هناك مؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية تنوي إنهاء الهجوم على غزة قريباً. كما يبدو أن أحزاب المعارضة لن تجبر الحكومة على ذلك، خصوصا أنها تتفق معها حول هذا الهجوم وأهدافه. وتساند غالبية الشارع الإسرائيلي ذلك التوجه، ما يعقد إمكانية التعويل على إسرئيل اليوم لوقف الحرب، إلا ان تدخلت عوامل أخرى مستقبلية.
يمتلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو النية والحافز لإبقاء أمد هذه الحرب، لأطول فترة ممكنة، ويعتمد في ذلك على دعم شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذي يضمن الأغلبية البرلمانية في مواجهة أية محاولات لتغير الوضع السياسي القائم. وجاء تصريح بن جفير بانه “إذا تقرر وقف الحرب، فلن أكون جزءا من هذه الحكومة”، ليفسر أهمية بقاء الحرب لاستمرار بقاء الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو رئيساً للحكومة. يأتي ذلك في ظل أن إطالة أمد الحرب تقدم الحماية لنتنياهو من المساءلة والمحاسبة القضائية، في ظل تدني شعبيته بشكل غير مسبوق. ويبرز بيني غانتس كمرشح ينال الثقة أكثر من قبل الشارع الاسرائيلي. وحتى داخل حزب الليكود، فإن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن ثلث أعضاء الليكود فقط يفضلون نتنياهو في أي انتخابات تلي الحرب.
تتفق الأحزاب الإسرائيلية المعارضة حتى الآن على استمرار الهجوم على غزة، رغم عدم تغير موقفها الرافض لوجود نتنياهو في رئاسة الحكومة، ورغم تأرجح مواقفها من إجراء الانتخابات الان. فرغم موافقة حزب الوحدة الوطنية بزعامة بيني غانتس أن يكون جزء من حكومة الحرب القائمة، وليس من الصعب اكتشاف عدم توافقه مع نتنياهو في خضم هذه المعركة، ويمكن أن يؤدي خروجه منها لمشكلة حقيقية يمكن أن تواجه الحكومة، إلا انه لم يتخذ هذا القرار الحاسم بعد. وتتعالى الأصوات ضد نتنياهو من داخل حزب الليكود نفسه، كما تتفق أحزاب المعارضة الأخرى على ذلك أيضاً، دون أن تقوى على رفع صوتها عالياً خلال حالة الحرب القائمة.
ورغم تباين الرؤى حول ضرورة إجراء الانتخابات، إلا أن الوضع القائم يبقى سيد الموقف، حول إمكانية إجراء الانتخابات في زمن الحرب. فدعا يائير لابيد، زعيم المعارضة ورئيس حزب “يش عتيد”، إلى جانب ميراف ميخائيلي، رئيسة حزب العمل، منذ أسابيع، لتحديد موعداً لإجراء الانتخابات. كما اعتبر غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو المعارضة في مجلس الوزراء الحربي، والذي يقود حزب الوحدة الوطنية الى جانب غانتس، أن هدف تدمير حماس بعيد، ودعا إلى إجراء انتخابات جديدة. في حين اعتبر أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “يسرائيل بيتنو” أن الانتخابات في زمن الحرب ستولد الانقسام الآن، وهو الأمر الذي سيضر بمسيرة الحرب. على الجانب الثالث، يرفض بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية ورئيس الحزب الصهيوني الديني، فكرة اجراء أي انتخابات في غير موعدها المقرر من أساسها.
للمرة الأولى وبعد مرور أكثر من ١٠٠ يوم على بدء الحرب، تبلورت ثلاثة اقتراحات لحجب الثقة عن الحكومة، في الأسبوع الماضي، بمبادرة من قبل أحزاب المعارضة الثلاثة حزب ييش عتيد، وحزب العمل، والحزب العربي الإسرائيلي راعام. وتعلق مبرر حزبي ييش عتيد وراعام لحجب الثقة بالميزانية، التي أقرت بالقراءة الأولى منتصف الشهر الجاري، بينما تركز مبرر حزب العمل بحجة تخلي الحكومة عن المحتجزين في غزة. تراجع حزبا ييش عتيد وراعام عن مبادراتهما بحجب الثقة، وسقط اقتراح حزب العمل، الذي لم يحصد إلا على ١٨ صوت من ٦١ صوت لازمة لتمرير الاقتراح، وهو ما يعكس واقع أي معارضة اليوم داخل الكنيست.
لا يزال التأييد للحرب داخل الشارع الإسرائيلي واسع النطاق، رغم انقسامه بين من يريد إعادة المحتجزين أو تدمير حركة حماس كأولوية. وبناء على استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في نهاية العام الماضي، فان ٦٥ في المائة من الشارع الإسرائيلي أبدى موافقته على استمرار الحرب، وتكثيف عمليات الجيش الإسرائيلي للوصول إلى المحتجزين في غزة، مقابل ١٦ في المائة منه يعتقد بأن على الحكومة أن تنفذ صفقة تبادل شاملة لإعادة المحتجزين والأسرى الإسرائيليين أحياء، حتى لو أدى الأمر إلى إيقاف نهائي للعمليات الحربية. وتم إجراء استطلاعات رأي آخر مؤخرا أكد على أن ٤٤ في المائة من الجمهور الإسرائيلي يؤيد إحياء الإستيطان اليهودي في غزة، مقابل نحو ٣٩ في المائة يعارضون ذلك.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة لتدني نسبة قبول الشارع الاسرائيلي لحل الدولتين، فـ ٢٥ في المائة منهم فقط يؤيد هذا الحل مع الفلسطينيين. ويتباهى نتنياهو أنه الوحيد القادر على منع قيام دولة فلسطينية مستقلة. وتصاعدت الانتقادات الدولية على التصريحات الأخيرة التي صدرت عن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المعارضة لإقامة دولة فلسطينية. وقال بيان صدر عن مكتب نتنياهو: “بعد تدمير حماس، يجب على إسرائيل أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية على غزة، لضمان عدم تشكيلها أي تهديد مستقبلي لاسرائيل”، وأكد نتنياهو أيضاً في ذات السياق على ضرورة احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، أي الضفة الغربية أيضاً، وهو ذات الوضع الذي تصر عليه إسرائيل، منذ توقيعها على إتفاق أوسلو. وجاء ذلك الموقف الصارم لنتنياهو في أعقاب تصريحات بايدن وبلينكن عن التزام الولايات المتحدة باقامة دولة فلسطينية واستبعاد السيطرة الاسرائيلية على غزة بعد الحرب، والذي جاء في ظل توجه دولي بضرورة حل القضية الفلسطينية، بعد أن تسبّب الإغفال عن حلها طوال تلك العقود الماضية لتفاقم الأوضاع في الأراضي المحتلة، والتي وصلت حد الحرب الدموية المستمرة اليوم.
رغم تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية بأن جهود الوساطة من أجل التوصل إلى إتفاق لإطلاق سراح المحتجزين والأسرى مستمرة. خلال الأيام القليلة الماضية، قدمت حركة حماس مبادرة رفضها نتنياهو، كما قدمت إسرائيل مبادرة أخرى في المقابل، في خضم مساعي عديدة تبذل، إلا أن الفجوة تبدو واسعة بين الطرفين. وتتطلع حركة حماس لتبيض السجون الإسرائيلية، من جميع المعتقليين والأسرى الفلسطينيين، مقابل إفراجها عن جميع المحتجزين والأسرى الإسرائيليين لديها، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الغازية من غزة. على الجانب الآخر، لا يرفض نتنياهو فكرة عملية التبادل، إلا أنه يريدها مقرونة إما بهدنة مؤقته لاستئناف القتال بعدها، أو باستسلام حركة حماس. إن ذلك التباين الواضح بين موقف الطرفين حول وقف إطلاق النار، مقروناً برغبة نتنياهو ومصلحته الشخصية باستمرار الحرب، في ظل عدم تحقيق نصر حاسم، يحسن مكانته السياسية وفرصه المستقبلية، وتأييد الأحزاب والشارع الإسرائيلي لاستمرار الحرب، يشير لطول أمدها، والخطر من تحقيق الاحتلال لأهدافه منها، لكن يأتي ذلك من دون الوضع بالاعتبار لعوامل أخرى.