عروبة الإخباري – هالة نهرا –
أطلق أخيراً المؤلّف الموسيقي وجدي أبو ذياب والمغنية ريبيكا خوري “أرجوحة النعاس”. يرتكز العمل الموسيقي الغنائي على قصيدة رائعة للشاعرة سوزان عليوان، وقد عزف فيه على البيانو رمزي حكيم، فيما أدّت لارا جوخدار وكارلا خوري دوراً في الكوْرس (تجسيل: استديو أحمد الخير، ميكس وماستر: شربل برق).
تلتحفُ الرؤيةُ الموسيقية بأفكارٍ طليعية نخبوية جاذبة بتميُّزها وخروجها عن المألوف، من دون أن تتّخذ التعقيد وسيلةً، محافظةً على السلاسة وأناقة الأسلوب المنحوت. ثمّة ما يحضّ المتلقّي على الافتتان بالقصيدة المُمَوسقة والمغنّاة ويجرفه نحو التأمّل والاسترخاء العميق في مناخٍ يلامس ما يُعرف بـ”التهويدة”. ريبيكا خوري الآتية من خلفية الغناء الكلاسيكي الأوبرالي تخفّفت هنا قدر الإمكان من تقنية الـvibrato والمبالغات السائدة على هذا الصعيد في الأداء لتخدم رؤيةَ المؤلّف و”كاراكتير” الأغنية في حالة الحب والهذيان، علماً أنها قالت لنا إنّ العمل “ليس أوبرالياً محضاً” وتعدّه في خانة الـ”Art Song”. صوت ريبيكا من فئة “السوبرانو الخفيف (Léger) كولوراتور”، ويتميّز بنعومته ورشاقته وفَراهَتِه وجَرْسه المريح.
تُوَثِّر موسيقى أبو ذياب النصَّ الشعري ببراعة، وتسبغ عليه بعداً انسيابياً، وتُموّنه، وتُريّشه ليطير. يتكوثرُ الجماليُّ في المساحات الشفيفة من إيحاء التنويم في رشفات الموسيقى والغناء، وصولاً إلى الختام: “نَمْ/ كرغبةٍ قديمةٍ/ كمدينةٍ/ على هُدبِ إله/ أرجوحةُ النعاسِ/ لا تتّسع لاثنين”.
وفقاً للمؤلّف أبو ذياب فإنّ “أرجوحة النعاس” عملٌ يندرج في تيّار “الموسيقى العربية المعاصرة” الناتج عن مزاوجة حضارتين عريقتين من الموسيقى الكلاسيكية العربية والأوروبية. فاللهجة الموسيقية والهارمونية والقوالب عربية، فيما أدوات التطوير والبناء الدرامي والتدوين أوروبية. الموسيقى في هذا النمط هي نتاج الحاضر وينعكس فيها ما نعيشه من قضايا ونعايشه. يؤمن أبو ذياب بأنّ صلة الوصل بين الماضي والحاضر الثقافيين يجب أن لا تُقطع، بل لا بدّ من البناء على ما سبق وتطويره باتجاهات عصرية تضمن الحفاظ على الهوية العربية واضحةً، سواء على مستوى اللغة الأدبية أو النص الموسيقي. يعتمد المؤلّف في آن على تطويع اللغة العربية الفصحى في قوالب عالمية، وتطويع هذه القوالب لاحتواء النص الموسيقي العربي والنظام المقامي، مع ما يرافقه من دوراتٍ إيقاعية وخصائص أدائية لناحية طريقة العزف كالتلوين والتنويع والتزيين في النص اللحني، أو على مستوى وضعية الصوت في الغناء، ومخارج الحروف، وأحكام المد والتقصير والتفخيم والترقيق.
“أرجوحة النعاس” (2023) هو التعاون الثالث لريبيكا خوري مع وجدي أبو ذياب كما أعلمتْنا بعد أغنية “To remember” (“كي أتذكّر”- 2016) للكاتبة زينب مواسي، ثمّ عمل أوبرا الحجرة “أيّ شمسٍ تشرق وتمكث في موضع الشروق” (2022). قالت لنا ريبيكا إنّ تجربتها في “أرجوحة النعاس” رائعة وفريدة ومثمرة فهي جديدة على مستوى الأسلوب، وقد أكسبها التعاون الكثير من النضج في الغناء، وفي تجسيد “الكاراكتير” الغنائي كما ارتآهُ المؤلّف. يتمنى أبو ذياب وخوري تقديم “أرجوحة النعاس” على خشبة المسرح في لبنان لتعريف الجمهور بهذا الأسلوب المعاصر. من مشاريع ريبيكا القادمة حفلة بالتعاون مع المؤلف الموسيقي اللبناني موريس غانم، ستتمحور حول الموسيقى الفولكلورية الأرمنية.
تجدر الإشارة إلى أنّ رصيد وجدي أبو ذياب الموسيقي زاخرٌ بعددٍ كبير من الأعمال والتجارب، ونذكر على سبيل المثال “قصائد عمودية عربية للبيانو”، و”أغانٍ عربية على البيانو (مع نوتة)”، والرباعي الوتري “العواذل”. “أرجوحة النعاس” تُمثّلُ إضافةً إبداعيةً نوعية إلى رحلة أبو ذياب الفنية.