عروبة الإخباري –
تمثل سنغافورة محطة مهمة في الواجهات الدولية التي يستهدفها الأردن، لذلك تتجاوز زيارة سمو ولي العهد الحسين بن عبدالله الثاني الأخيرة، حدود توطيد العلاقات وتعزيز التعاون مع سنغافورة، إلى استثمار الزيارة لاستقطاب المعارف والخبرات السنغافورية لما فيه مصلحة الأردن.
ملفات عديدة حملها سمو ولي العهد خلال الزيارة التي كانت حافلة باللقاءات والزيارات، وكانت في مجالات عديدة ذات صلة بالإصلاح الإداري والتعليم والتدريب المهني والتقني والرقمنة والتكنولوجيا، لتأتي استمرارا للنهج الملكي في بناء العلاقات الإستراتيجية مع تجارب عالمية فريدة في الحوكمة والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي، على غرار سنغافورة. اذ سبق زيارة ولي العهد، زيارة رسمية لجلالة الملك عبدالله الثاني في العام 2019.
وتكتسب زيارة سموه، أهمية خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي يمر بها الأردن والمنطقة، وبما تشهده من حرب على قطاع غزة التي كانت حاضرة بقوة في سلسلة اللقاءات التي عقدها ولي العهد، وبالمحصلة تبلور الهدف السياسي منها، بحشد الدعم للقضية الفلسطينية وتعزيز الموقف الأردني الرافض للنزوح القسري للفلسطينيين خارج أرضهم، وتسوية القضية الفلسطينية.
كما لم يغب هدف توسيع الشراكة بين البلدين في مجالات مكافحة الإرهاب، عبر برامج تدريب مشتركة، وبناء القدرات، والتنسيق إزاء المخاطر الأمنية، وتحديدا في مجالات التكنولوجيا والأمن السبراني.
وقد أخذت هذه الزيارة التاريخية طابعا عمليا، وبأهداف واضحة لجذب الاستثمار، وتعزيز القطاع التكنولوجي، وزيادة فرص العمل بالتعليم والتدريب المهني والتقني. لهذا تضمنت لقاءات وزيارات ميدانية، وتوقيع اتفاقيات مشتركة، تضع أهداف التنمية الاقتصادية والتبادل المعرفي كعنوان رئيس لها.
كما جسدت حسب مراقبين، طموح الاردن بأن يكون قوة صاعدة في المشهد التكنولوجي العالمي، وفرصة لتشبيك المواهب التكنولوجية الأردنية والسنغافورية، وتعزيز التعاون بينها، لذلك كان منتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردني السنغافوري، ذا أهمية نابعة من هذا الطموح، علما بأن هذا المنتدى تعقده وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة والسفارة الأردنية في سنغافورة، بالتعاون مع اتحاد الأعمال السنغافوري وجمعية SG Tech السنغافورية، بمشاركة 6 شركات أردنية ناشئة، تقدم دعما فنيا لشركات عالمية لقطاعات مثل الألعاب والتعليم الرقمي والصناعات الإبداعية.
ولأن قصة خفض نسب البطالة، تمثل قصة نجاح سنغافورية عبر الصروح التعليمية المتخصصة في التدريب والتعليم المهني والتقني، سعت زيارة سمو ولي العهد، بحسب المراقبين، إلى بناء شراكات مستدامة، بحيث يتطلع الأردن للوصول إلى حلول نهائية وواقعية في استثمار التدريب والتعليم المهني والتقني، لخفض نسب البطالة مستقبلا، والاستجابة لمتطلبات سوق العمل المتغيرة.
على صعيد التحديث الإداري، والذي ما يزال يمثل هاجسا أردنيا، يؤكد مراقبون، ان زيارة ولي العهد، لم تتجاوز هدف الاستفادة من تجربة سنغافورة التي وظفت الجامعات لرفد الحكومة السنغافورية بالكثير من قياداتها البارزة في الأعوام الماضية، وساهمت بنهضة سنغافورة الحديثة، فالأردن يعمل في الاتجاه ذاته، وبخطى تحتاج مزيدا من الصقل في هذا المجال، ومن أهداف الشراكات التي يحظى بها معهد الإدارة العامة الأردني، اتاحة الفرصة لتعزيز أساليب تدريب موظفي القطاع العام، والتمكن من نقل المعرفة السنغافورية إلى الأردن، عبر التعليم التنفيذي وبرامج الدراسات العليا.
أجندة ولي العهد كانت حافلة خلال الزيارة، إذ تخللها لقاءات عديدة مع كبار رجال الأعمال والقادة الاقتصاديين، لبحث فرص تعاون استثمارية محتملة بين البلدين، ومن ثم تحقيق التكامل والازدهار بينهما، مستثمرا سموه ما يتمتع به الأردن من مواطن قوة وفرص أردنية متوفرة، ومنها رأس المال البشري والقوى العاملة المتعلمة والمتفوقة في المجالات التكنولوجية والهندسية، والموقع الإستراتيجي للأردن، وطبيعة البيئة الاستثمارية التي يتمتع بها، إذ تعد بيئة استثمارية تقنية وصناعية جاذبة، بسبب تغطية الكهرباء في الأردن بما وصل الى 100 % من أرض المملكة، أكثر من ربعها طاقة خضراء، بالإضافة إلى توفر البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيا الذكية في الأردن.
عمليا، فإن زيارة سمو ولي العهد الى سنغافورة، بملفاتها المتنوعة والزاخرة، جسدت الطموح الأردني الذي لا حدود له، لكنها ملفات، وإن كانت ذات أرضية لها مفرداتها وأدواتها المتوفرة في الأردن، لكنها تحتاج إلى التعزيز والصقل، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في سياق، يحمل رؤية أردنية، تحقق للأردن والأردنيين هذا الطموح وترتقي بأهداف التنمية المستدامة.