عروبة الإخباري –
في جميع أنحاء العالم تتراكم عاصفة على المحيطات بعد عقود من الهدوء، وفق ما يسرده تقرير لصحيفة “إيكونوميست”، والذي يسلط الضوء على ما يصفه بالفوضى البحرية العالمية، متتبعا الاضطرابات الراهنة قرب عدد من شواطئ العالم.
ففي البحر الأحمر، شنت ميليشيات الحوثي عشرات الهجمات على السفن بطائرات بدون طيار وصواريخ، مما أدى إلى خفض نشاط الحاويات في قناة السويس بنسبة 90٪. أما البحر الأسود، فيمتلئ بالألغام والسفن الحربية المعطلة، بحسب مجلة “الإيكونوميست”
وتأمل أوكرانيا هذا العام في إخراج البحرية الروسية من شبه جزيرة القرم، التي كانت قاعدتها منذ عهد كاترين العظيمة. ويواجه بحر البلطيق وبحر الشمال حرب ظل من تخريب خطوط الأنابيب والكابلات.
وتشهد آسيا أكبر حشد للقوة البحرية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تحاول الصين إرغام تايوان على التوحيد، وتسعى أميركا إلى ردع الغزو الصيني. وبعد الانتخابات في تايوان هذا الأسبوع، قد تتصاعد التوترات هناك.
يشير التقرير إلى أن هذه الأحداث ليست محض صدفة، بل علامة على تحول عميق يحدث في محيطات الكوكب، في وقت لا يزال فيه الاقتصاد العالمي يعاني من تداعيا فيروس كورونا.
وينتقل نحو 80% من التجارة من حيث الحجم و50% من حيث القيمة على متن أسطول يتكون من 105 آلاف سفينة حاويات وناقلة وسفينة شحن تجوب المحيطات ليلا ونهارا، وهو ما يعتبر أمرا مفروغا منه من قبل الناس الذين تعتمد سبل عيشهم عليها.
ومع ذلك، فإن التنافس بين القوى العظمى واضمحلال القواعد والأعراف العالمية يعني أن التوترات الجيوسياسية آخذة في التعمق.
والنتيجة الحتمية والتي لا تحظى بالتقدير هي أن المحيطات أصبحت منطقة متنازع عليها لأول مرة منذ الحرب الباردة.
وتلفت الصحيفة البريطانية إلى أن البحث عن الفرص والنظام في البحر له تاريخ طويل.
ففي القرن السابع عشر، وضع الفقيه الهولندي غروتيوس مبدأ حرية الملاحة، وفي القرن التاسع عشر فرضته بريطانيا عن طريق البحرية الملكية وشبكة من الموانئ والحصون.
لقد تم تكريس المحيطات المفتوحة في نظام ما بعد عام 1945، ومنذ التسعينيات، عكس العالم البحري صعود العولمة والقوة الأمريكية.
وأكد ذلك على الكفاءة المفرطة والتركيز الشديد، واليوم يتم نقل 62% من الحاويات بواسطة خمس شركات آسيوية وأوروبية، ويتم بناء 93% من السفن بواسطة الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ويتم التخلص من 86% منها في بنغلاديش والهند وباكستان.
كان الدور المتخصص للبحرية الأمريكية هو توفير الأمن بشكل شبه احتكاري، وذلك باستخدام أكثر من 280 سفينة حربية و340 ألف بحار.
ويواجه هذا النظام الواسع والمعقد تحديين؛ الأول هو الجغرافيا السياسية المشحونة، إذ إن التعزيز البحري الصيني يعني أن سيادة البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ أصبحت محل نزاع للمرة الأولى منذ عام 1945، وهناك المزيد من الجهات المارقة.
وبالإضافة إلى الحوثيين، تستأجر إثيوبيا غير الساحلية قاعدة بحرية على البحر الأحمر في أرض الصومال المجاورة، بحسب تقرير “إيكونوميست”. كما أن قانون البحار في تراجع، وتتجاهل الصين أحكام المحكمة التي تعترض عليها.
وأدى استخدام الغرب للعقوبات إلى طفرة في التهريب: حيث تشكل 10% من كل الناقلات جزءا من “أسطول أسود” فوضوي يعمل خارج القوانين والتمويل السائد – ضعف النسبة التي كانت قائمة قبل 18 شهراً.
وتتعزز الرياح الجيوسياسية بفِعل الاضطرابات التكنولوجية والمناخية، فلقد استثمرت الصين في الصواريخ المضادة للسفن، مما دفع سفن البحرية الأمريكية إلى مسافة أبعد عن الشاطئ.
وبحسب التقرير، فإن انتشار الأسلحة يعني أن الميليشيات مثل الحوثيين تمتلك الآن صواريخ كروز، وهي القدرة التي لم تكن تمتلكها حتى وقت قريب سوى الدول.
ويعتمد اقتصاد المعرفة ــ وهيمنة وول ستريت ووادي السيليكون ــ على نحو 600 كابل بيانات تحت سطح البحر معرضة للتخريب.
كما أن تغيرات المناخ تغير الجغرافيا والحوافز، فقناة بنما تعاني من نقص المياه.
وتتوسع طرق التجارة في القطب الشمالي مع ذوبانه؛ ويعمل طفرة الطاقة الخضراء على تحفيز التدافع لاستخراج المعادن من قاع البحار، ولذلك فإن الفوضى تلوح في الأفق في أعالي البحار.
وستكون إحدى التكاليف هي الاضطرابات العابرة للتجارة، إذ تبلغ قيمة التجارة البحرية حوالي 16% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وبينما يقول البعض إن نظام الشحن قابل للتكيف، إلا أن ذلك التكيف يبقى محدودا، حتى وإن أمكن في كثير من الأحيان استيعاب الصدمات الفردية.
احنات حول الجزر الاستراتيجية إلى اندلاع مواجهة في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي. ومن الممكن أن يؤدي الحظر المفروض على اقتصادات أكثر تطوراً من اقتصاد روسيا أو إيران إلى إحداث أضرار هائلة.
تُظهر محاكاة أجرتها بلومبرغ أن الحصار المفروض على تايوان والإجراءات الغربية المضادة أدى إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5٪.كل هذا يظهر الحاجة إلى ردع الجهات المارقة والدول المعادية.
ومع ذلك، ليس هناك طريق سهل للعودة إلى مياه التسعينيات الهادئة، فمن غير المرجح أن تنجح المناشدات لدعم القوانين العالمية.
وأوضح أن الصين التي تعتمد على التجارة لديها الكثير لتخسره، ولكنها تريد تقويض العقوبات الغربية وملاحقة مطالبات غير قانونية في بحر الصين الجنوبي.
ومما لا يساعد أن أمريكا لم تصدق على المعاهدة العالمية الرئيسية للقانون البحري، ولا يستطيع الغرب أن يعيد ترسيخ هيمنته البحرية بسرعة بعد النقص المزمن في الاستثمار.
ومع أن قدرتها على بناء السفن لا تتجاوز 5% من الطاقة الاستيعابية العالمية لأحواض بناء السفن، فسوف تحتاج إلى عقود من الزمن لإعادة بناء أساطيلها.
الهدوء الميت
يؤكد تقرير “إيكونوميست” أن هناك حاجة إلى استجابة مختلفة، ويتعين على الدول الغربية أن تضاعف جهودها للحفاظ على تفوقها التكنولوجي، في الغواصات والسفن ذاتية التحكم، على سبيل المثال.
ويعد التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في مراقبة البنية التحتية البحرية الضعيفة مثل خطوط الأنابيب أمرًا بالغ الأهمية، وكذلك النسخ الاحتياطية البحرية والأقمار الصناعية لكابلات البيانات.
ولابد من توسيع التحالفات من أجل إتاحة المزيد من الموارد لمراقبة البحار، كما ينبغي أن تعيد أمريكا بناء اتفاقياتها البحرية الآسيوية.
ويعد الرد الناشئ على الحوثيين في البحر الأحمر نموذجا واعدا، وفق “إيكونومست” حيث يلعب عدد متزايد من القوات البحرية الغربية والآسيوية دوراً.
وبسبب المخاطر، فإن الحفاظ على النظام البحري هو القاسم المشترك الأدنى للتعاون الدولي، وهو أمر ينبغي حتى للانعزاليين أن يؤيدوه، إذ إنه بدون ذلك، سوف يغرق الاقتصاد العالمي.