عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية –
أثار إعلان حركة “حماس” في لبنان فتح باب التطوع للانضمام إلى ما عرفت عنه بـ “طلائع طوفان الأقصى” عاصفة من الاستنكارات والاستهجانات على الصعيدين السياسي والشعبي اللبنانيين.
وشكل البيان الصادر عن الحركة قلقاً وفتح باباً لهواجس ومخاوف من عودة عمل المنظمات الفلسطينية أو ما يعرف بـ “الكفاح المسلح” من على الأراضي اللبنانية، وقالت “حماس” في بيانها إن هذه الخطوة تأتي “تأكيداً على دور الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة، واستكمالاً لما حققته عملية طوفان الأقصى، وسعياً نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية”.
ودعت الحركة “الشباب والرجال الأبطال” إلى الانضمام لطلائع المقاومين والمشاركة في “صناعة مستقبل القضية الفلسطينية وتحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك”.
استنكارات بالجملة
وقوبلت خطوة “حماس” بموجة من الاستنكارات إذ أعلن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الحليف المسيحي لـ”حزب الله”، في بيان رفضه المطلق للإعلان، معتبراً “أن أي عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية هو اعتداء على السيادة الوطنية”، ومذكراً “بما اتفق عليه اللبنانيون منذ عام 1990 في الطائف بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين في المخيمات وخارجها، وبما أجمعوا عليه من إلغاء اتفاق القاهرة الذي شرع منذ عام 1969 العمل المسلح للفلسطينيين انطلاقاً من لبنان”.
وفيما عدت جهات سياسية متنوعة أن إعلان “حماس” عن تشكيل “الطلائع” بمثابة تطور خطر، عبّر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عن رفضه إعلان “حماس”، معتبراً أنه يمس السيادة اللبنانية، وأشار إلى أن الحركة لم تكن لتصدر هكذا قرار من دون موافقة “حزب الله”.
وتابع رئيس “القوات” في بيان أنه “كان مأمولاً أن يشكل (إعلان فلسطين) عام 2008 الذي جاء فيه الالتزام الكامل بلا تحفظ بسيادة لبنان واستقلاله”، وأكد جعجع “أن السلاح الفلسطيني في لبنان ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها”، لكن “حزب الله” لم يعلق حتى اللحظة على إعلان “حماس” أو بيانات الاستنكار على إعلانها، لكن “حماس” عادت وتراجعت بعد الرفض الواسع لإعلانها والتحذير من العودة للماضي، وأوضحت في بيان أن دعوتها بالتأكيد ليس المقصود منها عملاً عسكرياً.
استفزازات على الحدود قد تكون “ذريعة” لحرب شاملة
وجاء إعلان “حماس” في لحظة شديدة التوتر، إذ تسود المخاوف من اندلاع حرب شاملة في المنطقة وتشهد الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل مواجهات بينها وبين “حزب الله”، وتتخوف الأوساط اللبنانية من تصعيد وعمل عسكري وتحويل الجنوب إلى منطقة مفتوحة، علماً أن المجتمع الدولي وعلى لسان أكثر من مبعوث زاروا لبنان في الآونة الأخيرة حذروا من هكذا خطوة، وطالبوا الدولة اللبنانية بالحرص على التطبيق والالتزام بالقرار الأممي (1701).
وفي شهر يوليو (تموز) الماضي وبعد اندلاع الاشتباكات العنيفة في مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان إثر عملية اغتيال استهدفت قائد الأمن الوطني الفلسطيني في المخيم العميد في حركة “فتح” أبو أشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه، تحدث مصدر سياسي فلسطيني من داخل “عين الحلوة” لـ “اندبندنت عربية”، تمنى عدم ذكر اسمه لسلامته الشخصية، عن زيارة رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج والتحذيرات التي أعرب عنها للسلطات اللبنانية، وما شدد عليه فرج، وفق المصدر، على أن “هناك مخاوف لدى حركة ’فتح‘ من تسهيلات تعطى لحركة ’حماس‘ وبخاصة في مناطق الجنوب”، وذلك بعد انفجار مستودع أسلحة تابع لـ “حماس” في مخيم البرج الشمالي (شرق مدينة صور) في ديسمبر (كانون الأول) 2021، علماً أن الحادثة وقعت في منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) وفي المنطقة المشمولة بالقرار الدولي (1701)، أي جنوب نهر الليطاني، والقرار الذي صدر بعد حرب لبنان وإسرائيل عام 2006، ويتحدث البند الأساس منه عن جعل كامل منطقة عمل “يونيفيل” خالية من أي سلاح غير شرعي، وبعد ذلك حصلت حادثة إطلاق الصواريخ على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي أيضاً من محيط مخيم البرج، وأعلن حينها “حزب الله” أن فصائل فلسطينية تقف وراء عملية الإطلاق، وأيضاً في موضوع الخيمتين اللتين نصبهما “حزب الله” على الحدود تحدثت أنباء عن وجود عناصر من “الجهاد الإسلامي” وحضور فلسطيني فيهما، مما أثار مخاوف أن تكون “حماس” و”الجهاد الإسلامي” تعملان على إنشاء بنية عسكرية في الجنوب بالاتفاق مع “حزب الله” وتغطية منه.
وأكد المصدر السياسي الفلسطيني ذاته أن للسلطة الفلسطينية عتباً على السلطات الأمنية اللبنانية لأن تسهيلات تعطى لحركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ومتشددين لإدخال السلاح والتمويل وإبقاء الوضع الأمني متأزماً في المخيمات. وبعد اندلاع حرب غزة أعلنت “سرايا القدس”، الذراع العسكرية لحركة “الجهاد الإسلامي الفلسطينية”، أكثر من مرة على صفحتها على موقع “تيليغرام” مسؤوليتها عن عدد من العمليات على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، كما حدث تسلل واشتباك ميداني مع القوات الإسرائيلية وصفته الحركة بأنه جزء من تكتيكات عملية “طوفان الأقصى”. ومنذ انطلاق الحرب قامت تنظيمات مسلحة عدة ومنها الفرع اللبناني لكتائب “القسام” و”سرايا القدس” و”قوات فجر”، وهي ذراع “الجماعة الإسلامية” اللبنانية المسلحة، إلى جانب مجموعات تابعة لـ “حزب الله” أهمها “فرقة الرضوان”، بإطلاق صواريخ وقذائف وعمليات تسلل إلى بلدات ومستوطنات إسرائيلية، وفي اعتبار كثير من المراقبين أن هذا ما يعطي إسرائيل الذريعة لتكثيف التهديدات العسكرية الإسرائيلية وتنفيذ عمليات في الداخل اللبناني، سواء كانت عمليات عسكرية أو أمنية، أو القيام باجتياح شبيه باجتياح عام 1982، وهي التي تسعى نحو تحقيق “منطقة آمنة في جنوب لبنان”.
هل تنتقل “حماس” إلى بيروت؟
وكان رئيس المكتب السياسي لـ “الحركة” إسماعيل هنية خلال زيارته إلى بيروت في سبتمبر (أيلول) 2020 صرح من مخيم “عين الحلوة” بعد لقائه الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله أن “مخيمات الشتات هي قلاع المقاومة، ومنها صنعت الأحداث الكبرى وخرج منها الأبطال، وفيها ظلت القضية حية”.
أضاف أن “المقاومة تمتلك صواريخ لتدك بها تل أبيب وما بعدها”، مما أثار كثيراً من التساؤلات والاستنكارات حينها لأن تهديداته خرجت من أراض لبنانية، وترافق خطابه مع ظهور أكثر من 200 مسلح في برج البراجنة والبرج الشمالي مجهزين بأسلحة حديثة، كما أن لباسهم كان عسكرياً وبدا واضحاً أنهم مدربون تدريباً عالياً، وفقاً لمتابعات إعلامية حينها.
وكانت وكالة “نوفوستي” الروسية نقلت عن مصدر في حركة “حماس” قوله إن قيادة الحركة اتخذت قرار مغادرة تركيا بصورة مستقلة بعد مشاورات مع الاستخبارات التركية.
وأضاف المصدر أن الاستخبارات التركية التقت قيادة “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وأبلغتها بأن السلطات التركية لن تتمكن من ضمان أمنها في البلاد في ظل التهديدات من قبل إسرائيل، وجاء ذلك بعد أن كان موقع “المونيتور” أفاد بأن السلطات التركية طلبت من إسماعيل هنية مغادرة تركيا مع بدء عملية “طوفان الأقصى”. ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول أميركي كبير في الـ 27 من أكتوبر الماضي أن قطر أبلغت الولايات المتحدة بأنها منفتحة على إعادة النظر في وجود حركة “حماس” على أراضيها بمجرد حل أزمة عشرات المحتجزين لدى الحركة. ونقلت صحف لبنانية عن دبلوماسيين غربيين قدموا عرضاً لـ “حماس” عبر قطر يقضي بانتقال قادة كبار من الحركة إلى مخيمات اللجوء في لبنان، في مقابل ليونة إسرائيلية في الحرب على غزة. وذهب بعضهم إلى نقل هؤلاء القادة مع مناصرين لـ”حماس” إلى لبنان في تجربة تستحضر ترحيل “منظمة التحرير الفلسطينية” من لبنان عام 1982 إلى تونس ودول عربية.
نموذج بيروت عام 1982
وفي مقالة للصحافي الإسرائيلي ناداف إيال نشرت في موقع “يديعوت أحرونوت” في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وجاء فيها أن تحقيق إطاحة إسرائيل بحركة “حماس” قد يتطلب الانتقال من منزل إلى منزل في قطاع غزة ومن قبو إلى آخر، وهذه مهمة صعبة ستستغرق أعواماً وتكلف كثيراً من الدماء.
وقال إيال “تُتداول في إسرائيل والمجتمع الدولي أفكار من شأنها تقصير العملية والسماح بسقوط حماس في غزة بسرعة، وأبرزها النظر في إمكان خروج عناصر الجناح العسكري للحركة من القطاع بموافقة إسرائيل، بمن فيهم قادتها في مقابل حياتهم والإفراج عن جميع المختطفين”.
أضاف إيال أن “هذا هو نموذج بيروت عام 1982 حين غادر ياسر عرفات إلى تونس في أعقاب احتلال الجيش الإسرائيلي العاصمة اللبنانية”، مشيراً إلى أن هذا الخيار طُرح في وسائل إعلام خلال الأسابيع الأخيرة و”نوقش في كثير من الأطر الرفيعة والجوهرية في إسرائيل بحضور رئيس الوزراء، وأبدى نتنياهو اهتماماً كبيراً به وطلب الحصول على تفاصيل إضافية حول الموضوع”.
“فتح لاند” أو “حماس لاند” مشروع حرب أهلية
وأقر “اتفاق القاهرة” عام 1969 وجود “منظمة التحرير الفلسطينية”، ونظم العلاقة اللبنانية – الفلسطينية وأعطى الشرعية لعمليات المقاتلين الفلسطينيين من جنوب لبنان ضمن منطقة اصطلح على تسميتها بـ “فتح لاند” نسبة لحركة “فتح”، وبإقامة قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني وبخاصة في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط والشرقي، وممارسة العمل السياسي داخل المخيمات.
وبعد أحداث ما عرف بـ “أيلول الأسود” عام 1970 بين الجيش الأردني بقيادة الملك الحسين بن طلال وفصائل “منظمة التحرير الفلسطينية” بقيادة الزعيم الفلسطيني حينها ياسر عرفات، نقلت المنظمة بكل ثقلها العسكري والسياسي إلى لبنان، إذ لعبت دوراً بارزاً ومؤثراً في مسار الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، وانتهى هذا الواقع بالاجتياح الإسرائيلي للبنان في السادس من يونيو (حزيران) عام 1982، وإجبار عرفات ومقاتليه على مغادرة بيروت إلى تونس بعدما اتهمت إسرائيل “منظمة التحرير” التي كانت تتخذ من بيروت مقراً لها بالتخطيط لاعتداءات داخل إسرائيل، مما دفع بالمنظمة، أي عرفات ومقاتليه، إلى مغادرة بيروت نحو تونس.
وفي مايو (أيار) عام 2000 أنهت إسرائيل احتلالها جنوب لبنان منفذة انسحاباً أحادي الجانب من المنطقة، ومن هنا تحفل ذاكرة اللبنانيين بمشاهد الحرب الأهلية (1975 – 1989)، ويقارن كثير من المراقبين ما بين أحداث الأمس باليوم، وما استتبع ذلك من انتهاك للسيادة اللبنانية، ومقارنة “فتح لاند” بـ “حماس لاند”، ومع مصادرة “حزب الله” قراري الحرب والسلم وتجاوز قرارات الشرعية اللبنانية ونكثه بميثاق الشرف الذي توافقت عليه القوى السياسية في الحوار الذي دعا إليه في ذلك الحين وبعد حرب يوليو رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إذ توافقوا على نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال ستة أشهر من تاريخ الجلسة، وفتحه جبهة الجنوب واعتبارها، على لسان أمينه العام حسن نصرالله في إطلالتيه بعد حرب غزة، أن الجنوب يعتبر جبهة مساندة للتخفيف من حدة الهجوم على القطاع، تصبح مخاوف وهواجس اللبنانيين مشروعة أكثر من أي وقت مضى.
واعتبر النائب في البرلمان اللبناني مارك ضو أن ما يحصل “كله بتنسيق كامل وتحت مظلة ’حزب الله‘ لتحريك الجبهة الجنوبية وتوجيه رسائل من خلال إشراك فصائل فلسطينية في المواجهة”، متهماً “حزب الله” بأنه يكرس “فتح لاند” مرة أخرى “لأن ’فتح لاند‘ ليست جغرافية بل هي فكرة تتمثل في القيام بعمل عسكري من دون التنسيق مع القيادة اللبنانية السياسية والجيش اللبناني، بما يختلف والأجندة الوطنية اللبنانية، وهذا بالضبط ما يفعله الحزب منذ إمساكه بملف الحرب والسلم من خارج إرادة الدولة اللبنانية، وهو الخطأ التاريخي نفسه الذي أوجد ’فتح لاند‘ في ظل غياب سياسة وطنية تحمي لبنان”.