عروبة الإخباري – صالح الراشد –
تعيش الكرة الأردنية إحدى أسوء فتراتها منذ نشأتها ومشاركتها في البطولات الخاصة بالمنتخبات والأندية، وتقدم الأندية أسوء مستوى فني لها في الموسم الحالي، فتراجع الآداء في بطولة الدوري كثيرة التوقف لأسباب تتعارض مع أيام الفيفا، وحسب برنامج المدير الفني للمنتخب الوطني والذي يبدو أن غالبية الأندية لا تعرفه، في ظل تَغيبها وتغييبها عن دورها في المشاركة بوضع سياسات البطولات، ليكثر الحوار في الجلسات العلنية والسرية عن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع السريع، والذي كان أبرز نتائجة مغادرة الفيصلي والوحدات بطولتي دوري أبطال آسيا وكأس الاتحاد الآسيوي من دور المجموعات، فيما تغيب منتخبات الفئات العمرية عن المشاركة في البطولات التي ينظمها إتحاد غرب آسيا، والذي يتواجد مقره في الأردن مما شكل صدمة للمنتخبات المشاركة في بطولاته، لنشعر أن كرة القدم الأردنية قد دخلت غرفة الإنعاش بفضل اتحاد وأندية لا يملكان الخبرات والقدرات والرغبات على النهوض بها.
الاتحاد بلا خبرات
وما يميز الكرة الأردنية عن غيرها خلوها نهائياً من أصحاب الخبرات في مجال كرة القدم والخبرات الإدارية الرياضية، فليس كل خبير في علم الإدارة يصلح لأن يكون مميزاً في المجال الرياضي كون الإدارة الرياضية تحتاج لقدرات خاصة تفتقدها الأندية والاتحاد، كما ان الخبراء الفنيين مستبعدين ومُبعدين عن مراكز اتخاذ القرار بل لا نجدهم حتى في مراكز التخطيط، لنجد ان من يخططون للكرة الأردنية لا يعلمون عنها شيئاً قبل تعينهم أو انتخابهم، ولم يكونوا لاعبين ولا حكام أو مدربين بل ان غالبيتهم مشجعين، مما يؤشر إلى أنهم يتعلمون بالمنتخبات والأندية، لنشعر أنهم أصبحوا يشخصون الحالة ويصفون العلاج لهم ولغيرهم بخبرة المريض الذي أتعبته العلل وزيارة الأطباء، مما جعله يظن أنه عالم بأمور الطب متناسين ان لكل تخصص أسرار معرفية وتطبيقية، لتكون المحصلة موت المريض عند تدخل “الطبيب العليل” وضياع الأمل في التطور الكروي المنشود عند من لا يملكون المعرفة الكروية.
أندية يقودها مشجعون
وحتى لا نتجنى على أحد فإن هذه العيوب لا تُمثل سياسة الاتحاد فقط بل ترافق مسيرة الأندية التي تستبعد إداراتها أصحاب الخبرات، لنجد ان من يشرفون على كرة القدم في الأندية بغالبيتهم العظمى بلا تاريخ يذكر، عدا أنهم كانوا من مشجعي هذا النادي أو ذاك، فهل يُعقل ان مشجع يتحول لخبير دون تدريب أو دراسة؟، طبعاً هذا أمر مستحيل إلا في بلاد العالم الثالث، والمصيبة ان عدد من هؤلاء ينتقلون بحكم نظام الانتخابات ليشاركوا في إدارة إتحاد اللعبة ليكون الخطأ أكثر شمولية، لنجد ان الأخطاء التي تحصل في الأندية هي ذاتها التي تتكرر في إدارة الاتحاد، وتبحث إدارات الأندية عن طريقة للتهرب من مسؤوليتها في حال الفشل أو الإقتراب منه، فتقوم بتحميل أخطائها وضعف قراراتها للمدربين الذين يتم تغيرهم مع كل خسارة، كل هذا لإرضاء طبقة المشجعين الذين يشكلون الرعب لمجالس الإدارات، لنشعر بأنه لا يوجد نادٍ يملك استراتيجية ثابته لمدة عام واحد رغم ان الاستراتيجية الرياضية في حدها الأدنى يجب أن تكون من اربع سنوات.
تقصير وزارة الشباب
وحين نذهب للبنية التحتية التي تمارس عليها اللعبة نشعر بالحزن الشديد، كون ما نشاهده يثبت أن كرة القدم ليست أولوية حكومية بل قد لا تكون ضمن أجندتها، فالملاعب في غالبيتها لا تصلح لممارسة كرة القدم التي نشاهدها في بقية دول العالم، فالملاعب تكون جاهزة للقاء معين كما حصل مع استاد عمان في لقاء الأردن واسبانيا، ومع نهاية اللقاء يبدأ الملعب يتراجع بسبب الاستخدام الجائر، كما أن علينا ان نتذكر بطولة الدرع التي تقام على ملعب أرضيته صناعية ويتسبب سنوياً في إصابة عدد من اللاعبين، ورغم ذلك يصر اتحاد الكرة على إقامة البطولة عليه متذرعاً بأنه يريد الحفاظ على ديمومة الملاعب العشبية، وتكتمل المصيبة حين لا تخدم هذه الملاعب البطولات أكثر من مرحلة واحدة، وعندها تعود للتوقف على أمل الصيانة وهو ما يثبت أن هناك خلل في العمل والقدرة على المحافظة على الملاعب من خلال المتختصين المتواجدين، أو باستخدام جائر برعاية المسؤولين.
الإعلام وصناعة الخبراء
وتعظم الكارثة حين نذهب للإعلام الذي عليه البحث عن الأخطاء وإيجاد الحلول بخبرة الإعلاميين أو من خلال استضافة الخبراء، لنجد ان ما يجري لا يختلف عن بقية الأخطاء التي تقوم بها حاضنات اللعبة، حيث يركز الإعلاميون على مجموعة مختارة تتناسب مع فكرهم ونهجهم وسياسات قنواتهم للحديث عن اللعبة، فيرفعون المكسور وينصبون الساكن، فتتغير قيمة الحوار وبالذات إذا كان الضيوف ممن هبطوا على الرياضة بمظلات المعرفة، حيث تحولوا بسرعة البرق لمنظرين عبر القنوات الفضائية، والأغرب أنهم وأخرين يناقشون أصحاب المعرفة في اختصاصاتهم وهنا تضيع الحقائق ويختلط الحابل بالنابل، ليحجم الخبراء الحقيقيين عن الحديث للإعلام متمسكين بمقولة العالم اليوناني فيثاغورس : “لا تجادل الأحمق كون المستمع لن يعرف من هو الأحمق”، وهذا يعني لا تجادل من لا يعرف شيئاً عن كرة القدم لأن المشاهد لن يميز بين الخبير والذي لا يعرف شيئاً، وعندها ستضيع هيبة خبراء كرة القدم أمام أشخاص غرباء عنها.
حلول
وهنا يظهر جلياً أن الجميع شركاء في تدمير الكرة الأردنية من الأندية إلى وزارة الشباب لاتحاد كرة القدم للإعلام وحتى الجمهور، ولكل من هؤلاء دور يجب أن يقوم به عدا ذلك سيستمر التراجع وصولاً لمرحلة الموت السريري، فالوزارة دورها صيانة الملاعب وحمايتها وهذان أمران لا يتوفران بالمجان، إذ على الوزارة أن تحصل على جزء من ريع المباريات وبدل الغرامات المفروضة على جماهير الأندية العابثة بالمنشأت للحفاظ على ديمومتها، فيما على الأندية أن تغير نهجها وسياستها من البحث عن التمويل المجاني إلى البحث عن شراكات حقيقية قائمة على الفوائد المشتركة رغم صعوبة الأمر عليها لقلة الخبراء في الأندية بهذا المجال، والغاية توفر المال الكافي لتجهيز فرقها لتكون قادرة على المنافسة، أما اتحاد اللعبة فيحتاج لتغير ثوبه الحالي من مجلس إدارة وأمانة عامة ولجان، فالمجلس يحتاج إلى خبراء في مجال الإدارة الرياضية في المقام الأول يعتمدون على العدل، فيما يجب إبعاد أعضاء مجلس الإدارة عن لجان الاتحاد، لتصبح لجان مستقلة بشكل كامل ويتولى إداراتها أصحاب الإختصاص، لتكون قادرة على تسويق اللعبة ووضع البرامج القادرة على نهضتها فنياً وإداريا ً وتحكيمياً.
أما منصب الأمين العام فللحق هو منصب شاغر منذ سنوات طوال، ويجب إعادة الهيبة لهذا المنصب الهام في تنفيذ قرارات مجلس الإدارة باختيار الأفضل، ليكون صورة جاذبة للاتحاد وتحويله إلى أنموذج متميز في العلاقات المحلية والخارجية، وإخراجه من العزلة الإجبارية التي وضع نفسه بها، فيما على الإعلام أن يكون منصفاً في تعامله وعدم إعطاء البعض مكانة أكبر من حجمهم والترويج لهم على أنهم أصحاب الخبرة المميزة والوحيدة في الإدارة، معتمدين على موقف واحد أو النظر للموقف من زاوية معينة، أما الجمهور فعلية الإدراك ان الغاية من كرة القدم المتعة، وفي حال تراجع اللعبة كما يحصل حالياً فعليهم الابتعاد عن المدرجات كون وجودهم يعطي الجميع توجه بأنهم يفعلون الصواب، لذا فإن ابتعادهم عن المدرجات يشكل رسالة للوزارة والاتحاد والأندية واللاعبين والإعلاميين بأن عليكم أن تعملوا بجد أكثر أو لن تجدوا من يقف معكم، وهذه الرسالة الجماهيرية قادرة على تصويب الأوضاع وجعل الجميع يعملون بشكل أفضل، عدا ذلك فإننا سنخرج جميعاً في جنازة كرة القدم الأردنية.
وعلى الأندية والاتحاد والمؤسسات الإعلامية إستعادة الخبراء في جميع التخصصات لرفدها بافكار جديدة وآليات عمل متنوعة تكون قادرة على وقف التراجع، ويتمثل الخبراء في المجالات الفنية والإدارية والإعلامية ولكل من هذه الثلاثية مجموعة أدوار في البناء والتطوير والنهضة، كما يمثل استعادة الخبراء وقف للديكتاتورية التي يمارسها بعض الهابطين بالمظلات أو من يختبئون خلف أصحاب القرار، وبالتالي لا يمر قرار دون مشروحات ومصوغات فيدرك الجميع الاتجاهات وتتحقق النجاحات.