عروبة الإخباري –
كتبت مقالاً قبل عام تحت عنوان الأردن بين خطرين، حاولت أن أقرأ فيه الأخطار التي تهدد الأردن في ذلك الحين، واقترحت خطرين الأول والأهم إسرائيلي وهو خطر وجودي على الأردن بكونه أولاً قوة عسكرية هائلة تحتل أراضي فلسطين التاريخية وهي ذات طبيعة توسعية وإحلالية تسعى للتخلص من العبء الديمغرافي الفلسطيني بأي وسيلة كانت والأردن هو المكان المقترح، أما الخطر الآخر فقد حددته بتواجد الميليشيات الإيرانية على الحدود الشمالية للأردن والتي بدأت تمارس الضغوط على الأردن منذ العام 2018 بطريقتين الأولى تهريب المخدرات وعلى رأسها الكبتاجون وحالياً تهريب السلاح وبكميات هائلة، والثاني هو الخطر الأمني الذي تشكله هذه القوى اللادولتية على الحدود.
ما يحدث في غزة والضفة الغربية وما يحدث على الحدود مع سورية والعراق أعاد طرح الموضوع، إذ اثبتت الأحداث بعد السابع من أكتوبر وحشية وحقد الرد الإسرائيلي الأميركي والذي يحاول خلق جدار من الردع مبني على الرعب يحذر الخصوم بأن ثمن الاعتداء على إسرائيل قاسٍ جداً، يشير إلى ذلك البربرية في استخدام الآلة العسكرية الإسرائيلية الأميركية، واستسهالها قتل كل من يواجهها بغض النظر عن الجنس أو العمر، لكن الملفت كان حجم الإصرار الإسرائيلي على دفع الغزيين باتجاه الحدود مع مصر وإصرارها على ممارسة العقاب الجماعي بحق المدنيين للدرجة التي أوصلت الجميع إلى قناعة بأن الهدف الأساسي هو خلق واقع في غزة يدفع الناس قصرا للهجرة، صحيح ان ما يبديه أهل غزة هو صمود اسطوري لكن في النهاية إذا طالت الحرب فإن خيارات البقاء تفرض نفسها، ومثل ذلك الأمر يحدث في الضفة الغربية وكنت كتبت مقالاً عن الحرب الصامتة هناك ارجو العودة إليه، فدولة الاحتلال تحاول أيضاً خلق واقع مأساوي في الضفة الغربية يجعل من المستحيل العيش فيها، وإذا ما قارنا ذلك مع تصريحات نتنياهو التي أقر فيها انه هو من عطل حل الدولتين، نكتشف أن إسرائيل جادة فيما تقول.
أما في الجانب الإيراني فالتحركات على الجانب العراقي ومحاولة إيران التمركز في طريبيل والمناطق المحاذية للأردن وكذلك سيطرتها على الحدود الشمالية للأردن ونشر ميليشياتها بشكل كبير يؤكد أن الأمور لا تخلو من هدف ما، فالأيام الماضية كانت حبلى بتطورات عسكرية على الحدود السورية الأردنية، فقد كانت مسرحًا لمواجهات عسكرية اشبه بحرب حقيقية، استطاعت خلالها القوات المسلحة الأردنية صد الميليشيات بل وقتلت واحدا من القادة البارزين في رسالة لا تخفى على عارف تشير إلى أنه حتى لو أضطر الأردن مكرها للتدخل خارج حدودة للدفاع عن أمنه الوطني لما تردد، لكن السؤال لماذا كثافة هذا التحرك في هذه الفترة بالذات ولماذا كانت الأسلحة بهذه الكثافة ولماذا بعدها أتبعت بطائرة مسيرة قادمة من الميليشيات التابعة لإيران في العراق تم اسقاطها ؟ لماذا تزيد إسرائيل من طرح خيار التهجير ولماذا تقوم إيران بتسعير ميليشياتها على الأردن؟ وكلاهما يحاول استثمار الوضع الداخلي وتجييشه، وكلاهما يحاول اضعاف الدولة الأردنية ومحاولة بث الشك في موقفها تجاه ما يحدث في غزة، فرواية المناصرين لإيران في الأردن أن هذه المناوشات على الحدود كانت لمنع اسلحة من الوصول إلى غزة وهذا قول عبثي، انها محاولة إيرانية لاستثمار مكون أردني واستثارته ضد الدولة، وهي ربما لا تعلم أن هذا المكون أكثر حرصا وتمسكا من أي وقت مضى بالدولة الأردنية ونظامها السياسي، وستكتشف أن هؤلاء سيكونون في مقدمة من يتصدون لها.
لكن لماذا تصر إيران على قلب الطاولة الأردنية على الرغم من وجود مفاوضات أردنية إيرانية برعاية سعودية لحل الاشكالات، لا شك أنه لم يكن في وارد حماس للحظة أن الأردن أو مصر سيرحبان بعمليتها بل كانت تأمل موقفاً جاداً من حلفائها في محور المقاومة الذي تقوده إيران وهؤلاء سارعوا لاختلاق الذرائع للتنصل من أي موقف جاد سوى بعض المناوشات لإثبات الوجود وهذا يؤكد أن إيران موجودة لخدمة مشروعها التوسعي فقط، ولكنها قصدت أم لم تقصد شاءت أو لم تشاء تقدم خدمة لا تقدر بثمن للمشروع الإسرائيلي، فإضعاف الدولة الأردنية لا يصب إلا في صالح هذا المشروع، والسؤال الموجع حقاً هل يخدم كل منهما الآخر أم أنها صدفة محضة، فحلم إيران بعاصمة خامسة وحلم إسرائيل بوطن بديل يتقاطعان بطريقة تبعث على الريبة والشك، لكن الواضح أن الدولة الأردنية قادرة على افشال كلا المخططين وكيف لا والملك عبدالله الثاني كان أول من حذر من طموحات إيران التوسعية ومثل ذلك فعل دوماً مع إسرائيل عندما أعلن أن أي عملية تهجير ستكون بمثابة حرب على الأردن.