عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية –
لم يهدأ سيل التقارير والتحليلات عن احتمال نشوب حرب شاملة في المنطقة منذ بداية حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويعود ذلك للركون لمصطلح “وحدة الساحات”، الذي أطلق منذ ما بعد معركة “سيف القدس” التي قامت بها حركة “حماس” في شهر مايو (أيار) عام 2021.
ولما كانت الحدود اللبنانية الجنوبية تعتبر “أرضاً رخوة”، وتعرضت لانتهاكات عدة منذ انتهاء حرب يوليو (تموز) 2006، إن كان من الجيش الإسرائيلي أو فصائل فلسطينية أو “حزب الله”، في خرق واضح للقرار الأممي رقم 1701، تتركز الأنظار الدولية والإقليمية عليها.
من هنا تكثفت الزيارات الدولية والغربية إلى لبنان وإسرائيل أخيراً، في محاولة للجم التصعيدات من الفريقين، والتحذير من مغبة الانزلاق إلى حرب مدمرة لا تحمد عقباها، التي قد تكون ووفقاً لمراقبين “الحرب الأخيرة”، بين الجانبين أي إسرائيل و”حزب الله”. في هذا الإطار جاءت الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى بيروت، إذ أعلنت أن “الزيارة تأتي لتفادي خطر توسع الحرب الذي لا يزال مرتفعاً جداً”، مضيفة “أوضحت للمسؤولين اللبنانيين أنه إذا غرق لبنان في الحرب فهو لن يتعافى والوضع خطر جداً”.
ارتفاع احتمالية اجتياح إسرائيلي للبنان
ومنذ اندلاع المواجهات بين إسرائيل و”حزب الله” في الثامن من أكتوبر، على خلفية الحرب في القطاع، وبعد إعلان “الحزب” على لسان أكثر من مسؤول تابع له، أنه دخل معركة “طوفان الأقصى” على طول الشريط الحدودي في جنوب لبنان بالتنسيق مع فصائل “المقاومة الفلسطينية”، وما أعلنه أمينه العام حسن نصرالله في إطلالتيه الأخيرتين أن الجنوب يعتبر “جبهة مساندة”، تشهد الحدود الجنوبية، تبادلاً يومياً للقصف بين الجيش الإسرائيلي والحزب، الذي يؤكد استهداف مواقع ونقاطاً عسكرية إسرائيلية حدودية.
ويأتي الرد الإسرائيلي عبر قصف جوي ومدفعي يطاول أهدافاً عسكرية ومدنية في جنوب لبنان، لكن تزايدت حدة القصف الإسرائيلي تدريجاً وتوسعت، وإن بقيت محصورة في منطقة لم يتعد نطاقها الـخمسة كيلومترات، حفاظاً على ما سمي “احترام قواعد اشتباك” التي توفر شكلاً من أشكال الردع أو رد الفعل المتدرج للأحداث. لكن القتال بدأ يتوسع ويتمدد في الأيام الأخيرة، بحيث أصبح الجيش الإسرائيلي يصيب مراكز وعناصر لـ”حزب الله” إصابات مباشرة، مما أدى إلى سقوط أكثر من 136 قتيلاً، بينهم أكثر من 100 من مقاتلي “الحزب”، في مقابل 11 قتيلاً على الجانب الإسرائيلي، علماً أن المواجهات لا تزال محصورة في المناطق الحدودية.
وفيما يتواصل التصعيد على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وبعد قصف تجمعات لإعلاميين وبنى تحتية من شبكات المياه والكهرباء وصولاً إلى استهداف قرى مأهولة، ومراكز للقوات الدولية (يونيفيل) ومواقع للجيش اللبناني، تزداد الأخطار واحتمالية نشوب حرب واسعة أو اجتياح إسرائيلي للبنان على غرار اجتياح يونيو (حزيران) 1982.
خطط إسرائيلية
في هذا الشان قالت صحيفة “تايمز” البريطانية إن الجيش الإسرائيلي وضع خططاً لغزو جنوب لبنان على رغم دعوات ضبط النفس من حلفائه الغربيين. ونقلت الصحيفة عن ضابط في الجيش الإسرائيلي قوله إن “ما حدث في الجنوب (غزة) لا يقارن بما يمكن أن يفعله ’حزب الله‘ في الشمال”، مؤكداً أن العقيدة الإسرائيلية هي نقل الحرب إلى الجانب الآخر. وأضاف الضابط أن “القرار في شأن ما إذا كان ستطلق قوة برية عبر الحدود يعود لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته الحربية”. يأتي هذا في وقت أكد فيه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس أنه “لا يمكن العودة للوضع الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر الماضي”، لافتاً إلى أن “الجيش (الإسرائيلي) مستعد، ويستعد، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي وافق على الخطط وحدد جداول زمنية للاستعداد”.
وفي مقالة للمراسل السياسي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، باراك رافيد، نشر على موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي، في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ذكر أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها تريد إبعاد “حزب الله” لمسافة ستة أميال عن الحدود مع لبنان، كجزء من اتفاق دبلوماسي مع لبنان من أجل وضع حد للتوتر على الحدود. وجاء في المقالة نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت أبلغا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن إسرائيل لا تقبل نزوح عشرات الآلاف من مواطنيها بسبب الوضع الأمني على الحدود مع لبنان. وأكد أوستن أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتفهم مخاوف إسرائيل وستضغط من أجل التوصل إلى “حل سلمي”، لكنه طلب من نتنياهو وغالانت منح الدبلوماسية فرصة والامتناع عن اتخاذ أية خطوات تؤدي إلى تفاقم التوتر، على حد قول مسؤولين أميركيين وإسرائيليين.
“حزب الله”: نحن جاهزون لكل الاحتمالات
ورداً على ما تداوله الإعلام من تقارير تفيد أنه يعمل على تسوية أو اتفاق غير مباشر برعاية دولية وتحديداً فرنسية، بين الحزب وإسرائيل، يؤدي إلى انسحاب قوات النخبة التابعة للحزب (فرقة الرضوان) من جنوب نهر الليطاني والمناطق الحدودية إلى منطقة شمالي الليطاني، وتطبيق القرار الأممي 1701 والالتزام به، ونشر قوات فرنسية مسلحة، إضافة إلى الجيش اللبناني في منطقة فاصلة على الحدود مع إسرائيل، في مقابل تحقيق بعض المطالب اللبنانية كالانسحاب من الجزء اللبناني لقرية الغجر ومزارع شبعا ومعالجة النقاط الحدودية الـ13 التي يدور الخلاف حولها مع تل أبيب، نقل الكاتب قاسم قصير في مقالة له عن مسؤولين في “حزب الله”، قولهم إن “أي حل سياسي في فلسطين لا يأخذ بالاعتبار دور قوى المقاومة وفي مقدمها حركة ’حماس‘ هو حل غير واقعي، ولا توجد أية مفاوضات أو اتصالات حالياً مع الحزب في شأن الانسحاب من جنوب الليطاني، وكل ما يطرح من سيناريوهات أو تحليلات حول نشر قوات فرنسية أو أميركية أو إقامة نقاط مراقبة مشتركة بين الحزب والجيش اللبناني غير صحيح ولم يبحث”.
و”أما في شأن الحلول المستقبلية والعودة للقرار 1701 فهذا لن يبحث قبل وقف الحرب في غزة، وإن عمليات المقاومة الإسلامية مستمرة في جنوب لبنان حتى وقف الحرب، وبعد ذلك لكل حادثة حديث”. وأضاف المسؤولون في “الحزب” أن “قيادة المقاومة في لبنان وفلسطين على تنسيق دائم ومستمر، وهناك ثقة كبيرة بالصمود في ظل المعطيات والمعلومات حول ما يجري في قطاع غزة، والأسبوعان المقبلان قد يحملان مؤشرات جديدة حول مستقبل الحرب، والمقاومة جاهزة لكل الاحتمالات والخيارات”.
موازين الربح والخسارة
من جهة أخرى نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تقريراً، في الـ20 من ديسمبر الجاري، بعنوان “حرب غزة: نتائج أولية حول الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في لبنان”، وتحدث عن القطاعات الاقتصادية الرئيسة، التي تضررت جراء الحرب وهي السياحة والخدمات والزراعة، أكثر من غيرها، وهي التي توفر فرص العمل والدخل إلى نسبة كبيرة من سكان لبنان، كما أن احتمال انكماش الاقتصاد بات مرتفعاً.
فكيف إذا نشبت حرباً أو نفذت إسرائيل وعيدها واجتاحت البلد؟
يقول الكاتب السياسي يوسف دياب “إن احتمال نشوب حرب على لبنان أمر وارد في أي وقت، ذلك أن حكومة نتنياهو وفريقه المتشدد، لهم مصلحة بفتح جبهة مع لبنان، لأنها تشكل متنفساً للمستنقع الغارقين فيه في غزة، فالحرب مع لبنان تطيل عمر الحكومة الإسرائيلية. لذلك يسابق نتنياهو الضغوط الدولية المتمثلة بالدفع باتجاه وقف إطلاق النار في غزة، ويحاول فتح الجبهة اللبنانية، لكنه لم يحصل على الضوء الأخضر الأميركي حتى الآن، ذلك أن إدارة الرئيس بايدن تتحاشى أن تفتح إسرائيل جبهات جديدة، لأن الإدارة دخلت مرحلة مخاض الانتخابات الرئاسية، ومع استمرار المجازر داخل القطاع فهم لا يستطيعون مواصلة تغطية الحرب، لذلك يحاولون لجم نتنياهو”.
كذلك يعتبر الباحث السياسي حسن الدر أن “إسرائيل لم تخف يوماً نيتها ورغبتها بشن حرب على لبنان خصوصا بعد حرب يوليو / تموز 2006، وفشلها في تحقيق أهدافها على مدى 33 يوماً، التهديد بالحرب والتهديد المعاكس من ’حزب الله‘ لم ينقطع، ولكن كان واضحاً بأن حسابات إسرائيل معقدة في لبنان ونتائج حربها غير مضمونة، فارتضت بقواعد الاشتباك على مدى 17 عاماً، حتى وقعت معركة (طوفان الأقصى) واختلطت كل الأوراق، فصارت الحرب ضرورة لنتنياهو وحكومته المتطرفة لإبعاد خطر الحزب عن الحدود الشمالية، وخيروا الحزب بين الحل السياسي أو الحرب ليبتعد شمال نهر الليطاني”.
قوة إسرائيل التدميرية
وأشار دياب إلى أن “لدى الطرفين نقاط قوة وضعف، بالنسبة إلى الإسرائيلي فإنه يملك وسائل تدميرية كبيرة جداً، بحيث إنه إذا ما اجتاح لبنان من الممكن أن يخلف دماراً واسعاً جداً، وهذا ما سينقل البلد إلى مكان آخر ليس باستطاعة أحد تخيله. أما عن نقاط الضعف في حربه مع ’حزب الله‘ فستكون مكلفة جداً لأن قوة الحزب تكاد تكون أكبر بـ10 مرات من قوة ’حماس‘، وبات يملك قوة صاروخية كبيرة ومتطورة جداً، وباستطاعاتها أن تلحق دماراً في الداخل الإسرائيلي عبر استهداف مواقع ونقاط أساسية استراتيجية ومهمة تطاول البنى التحتية. بالتالي قصف الحزب سيكون أكثر دقة من ’حماس‘.
وأضاف “أما عن نقاط ضعف الحزب في حال نشوب حرب وتعرض البلد لدمار، سيتحمل وحده مسؤولية وتبعات هذه الحرب، وسيكون المسؤول عن دماره وعن عدم إعماره، إذ لن يقف إلى جانب لبنان أحد مثلما حصل في حرب 2006، لذلك سيكون “حزب الله” أمام عبء كبر جداً، وهو يقوم بدراسة الواقع بشكل أساسي، كما يعي جيداً أن وضع البلد مختلف كلياً عن عام 2006، من حيث الحاضنة الشعبية التي لم تعد موجودة بقوة، والبيئة الشيعية ليست متقبلة أيضاً للحرب، لأنهم يعلمون أن مسألة التهجير من جديد والدمار، لن تكون محتملة كالسابق، لذلك هو يحاذر هذا الموضوع”. وأضاف أن “تحذير كولونا كما التحذيرات الغربية والأميركية طبيعية، وبحال تجاهل ’حزب الله‘ كل تلك التحذيرات وذهب إلى التصعيد، بالتالي سيتحمل مسؤولية الدمار، وعلى لبنان أن يتجنب إلى حد كبير الانزلاق في الحرب. وعندما يقول الإسرائيلي إن حرب 2006 كانت مجرد لعبة مقارنة بما سيحصل، فهو جاد بكلامه لأنه يعتبر هذه الحرب ستكون الحرب الأخيرة التي سيخوضها، إما تكون حرب إلغاء له أو حرب تثبيت لقوته ونفوذه بشكل كبير، وعلى قواعد مختلفة، لذلك ستكون نتائج تلك الحرب مدمرة ومخيبة للطرفين”.
“أمنيات إسرائيلية“
لكن بالنسبة إلى الكاتب حسن الدر فإن “فرنسا تولت تسويق الأمنيات الإسرائيلية في لبنان، فجاءت وزيرة خارجيتها ونصحت بتطبيق القرار الدولي رقم 1701، وإلا فإن لبنان لن يتعافى من آثار الحرب إذا وقعت”. ويضيف الدر أن “وصف الرئيس الفرنسي ماكرون لـ’حزب الله‘ بالإرهابي عقب زيارة كولونا كان لافتاً، فهل هي زلة لسان أم أن وزيرة خارجيته لم تلق ما تحب في لبنان؟”.
وكان ماكرون قال في لقاء تلفزيوني على شاشة “فرانس 5” France 5)) إن “ذهاب وزيرة الخارجية الفرنسية إلى لبنان أخيراً كان في إطار تجنيب الحزب الإرهابي الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل”.
ويشير الدر إلى أنه “بالمعلومات الأكيدة، ’حزب الله‘ ليس في وارد مناقشة أي تسوية قبل انتهاء العدوان على غزة ووقف جرائم الحرب هناك، وليس في وارد تقديم أي تنازل أو تراجع فهو يرى أن إسرائيل أضعف من أن تملي شروطها والغرب أبعد من التورط في حرب مباشرة تهدد كل مصالحه في المنطقة”. ويتابع أن “نتنياهو بحاجة إلى حرب تطيل أمد حياته السياسية، وقد تحقق له شيئاً يجنبه المصير الأسود. وبالنظر إلى سير المعارك في قطاع غزة، وما سبقها، يبدو الجيش الإسرائيلي أضعف من أن يحقق انتصاراً على جبهة هي الأصغر من حيث المساحة والأضعف من حيث الإمكانات البشرية والعسكرية، فكيف الحال مع لبنان حيث حزب الله الأقوى والأكثر تسليحاً وتدريباً في (محور المقاومة) باعتراف أصدقائه وأعدائه. كما أن حلفاء إسرائيل الدوليين الذي أمنوا لها غطاء مطلقاً، ودعماً لا محدوداً في غزة، حريصون على عدم توسع الحرب في المنطقة. صحيح بأن لهم حسابات ومصالح خاصة، ولكن الصحيح أيضاً أنهم يعلمون أن إسرائيل عاجزة عن مواجهة حزب الله وإذا تورطت بالحرب ستجبر أميركا على دخولها بشكل مباشر لمساعدة حليفتها”.
لهذه الأسباب وغيرها يرى الدر “أن الحرب الشاملة تبقى مستبعدة، ولكن نتنياهو فاقد للوعي الاستراتيجي ويائس من المستقبل السياسي وليس لديه ما يخسره، واحتمال جر الجميع إلى المحرقة يبقى وارداً في أية لحظة”.