عروبة الإخباري –
اندبندنت عربية –
تتوالى الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع للجيش اللبناني وقوات حفظ السلام الدولية (يونيفيل) على الحدود الجنوبية للبنان منذ بدء المواجهات العسكرية بينها وبين ميليشيات “حزب الله”، والتي جاءت على خلفية حرب غزة التي انطلقت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فقد أسفرت ضربة إسرائيلية على مركز عسكري لبناني في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري إلى مقتل جندي لبناني وإصابة آخرين، لتعود إسرائيل وتعبر عن أسفها موضحة أن المستهدف لم يكن الجيش اللبناني.
غير أن الضربات الإسرائيلية استهدفت مجدداً وبعد أقل من ثلاثة أيام مركزاً استشفائياً تابعاً للجيش اللبناني، مما أدى إلى وقوع أضرار مادية من دون تسجيل إصابات.
ولم تكن تلك أولى الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع الجيش أو لقوات “يونيفيل” التي نالت نصيبها أيضاً بضربة استهدفت أحد أبراج مراقبتها في التاسع من ديسمبر الجاري.
وتأتي هذه الضربات على رغم نأي الدولة اللبنانية بنفسها عن الصراع الحاصل جنوباً، وفق ما جاء على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي قال في تصريح تلفزيوني إن “قرار السلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة، ولكنني أقوم بمسعى مع كل الفاعليات لعدم جر لبنان إلى الحرب”، متمنياً أن “يتوقف إطلاق النار بين ’حزب الله‘ وإسرائيل لتمر هذه الغيمة عن لبنان”.
وأضاف ميقاتي، “إننا نسعى إلى إبقاء لبنان بعيداً من الحرب أو عن أي حال من عدم الاستقرار”، مشيراً إلى “أنني لمست الواقعية والعقلانية عند ’حزب الله‘ وهمنا الأساس كحكومة أن يبقى الاستقرار في لبنان دائماً، لكنني لم أحصل على ضمانة من أحد لأن الظروف متغيرة باستمرار”.
ووفقاً لـ “الوكالة الوطنية للإعلام” الرسمية في لبنان فقد أدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل 17 مدنياً في جنوب لبنان كان آخرهم مختار قرية الطيبة في قضاء مرجعيون حسن منصور، كما قُتل سابقاً ثلاثة صحافيين.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في السابع من ديسمبر الجاري إن الضربتين الإسرائيليتين في لبنان في الـ 13 من أكتوبر واللتين قتلتا الصحافي في وكالة “رويترز” عصام عبدالله وجرحتا ستة صحافيين آخرين، هما متعمدان ومفترضين على المدنيين، وبالتالي فهما “جريمة حرب”.
ووفقاً للشهود وأدلة الفيديو والصور التي تحققت منها المنظمة الدولية فقد كان الصحافيون بعيدين تماماً عن الأعمال القتالية الجارية، وكان واضحاً أنهم إعلاميون، وظلوا ثابتين مدة 75 دقيقة في الأقل قبل أن تصيبهم هجمتان متتاليتان، كما لم تجد “هيومن رايتس ووتش” أي دليل على وجود هدف عسكري قرب موقع الصحافيين.
عمليات عسكرية لـ”حزب الله” وتهديد إسرائيلي
وتندلع مواجهات يومية بين إسرائيل من جهة و”حزب الله” وجماعات فلسطينية مسلحة من جهة أخرى، ووفقاً لبيانات الحزب فقد نفذ عمليات عسكرية عدة استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية، منها مراكز تجمع جنود ونقاط استخبارات وآليات عسكرية وغيرها، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي قصفه مناطق إطلاق صواريخ ومواقع تمركز عناصر تابعين لـ “حزب الله”.
ودائماً ما يشير المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى رصد قذائف وصواريخ تطلق من لبنان باتجاه مواقع مختلفة في الجانب الإسرائيلي، وعلى خلفية ذلك توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بإبعاد “الحزب” إلى ما وراء نهر الليطاني جنوب لبنان عبر تسوية دولية استناداً إلى القرار الأممي رقم (1701). ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن غالانت أنه إذا لم تنجح التسوية السياسية الدولية فإن إسرائيل ستتحرك عسكرياً لإبعاد “حزب الله” عن الحدود، علماً أنه سبق لوزير الدفاع الإسرائيلي أن هدد بأن “ينتهي الأمر بسكان بيروت إلى وضع غزة نفسها”.
لماذا مواقع “يونيفيل” والجيش اللبناني؟
يقول مصدر سياسي لبناني بارز لصحيفة “الشرق الأوسط” إن إصرار إسرائيل على استهداف القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) ووحدات الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني لم يكن من طريق الخطأ وإنما عن سابق تصور وتصميم، وفي حديث خاص مع “اندبندنت عربية” يشير المستشار القانوني في المفوضية الأوروبية الأكاديمي محيي الدين الشحيمي المقيم في باريس إلى أن “سلسلة الاستهدافات الإسرائيلية تعزز نظرية الإمعان والفرادة التاريخية الإسرائيلية في مسلسل الخروق للقرارات الدولية وعدم الالتزام بها والتحايل عليها وخرقها، ويأتي القرار (1701) ضمن مجموعة الضحايا لهذه الانتهاكات، وهو القرار الذي استصدره مجلس الأمن في أغسطس (أب) 2006 عقب عدوان يوليو (تموز)، فقد شهدت الحدود الجنوبية خروقاً كبيرة لهذا القرار من الجانب الإسرائيلي وعددها بالآلاف، غير أن أخطرها هو استهداف قوات ’يونيفيل‘ والجيش اللبناني”.
وعن خلفيات تلك الاستهدافات يوضح الشحيمي أن “إسرائيل تستهدف الجيش اللبناني لإيصال رسالة أن لبنان الدولة والسلطة والمؤسسات الأمنية، وخصوصاً الجيش اللبناني، تحت نيران التهديد والاستهداف”.
وفي ما خص القوات الدولية العاملة في الجنوب يؤكد الشحيمي أن “استهداف قوات ’يونيفيل‘ يأتي في خانة اعتراض إسرائيل، من وجهة نظرها، على فشل وعدم قيام هذه القوات بمهماتها، وهذا طبعاً تدليس وادعاء ليس إلا، إذ قامت هذه القوات وعلى مدى 45 عاماً من وجودها بإسهامات كبرى لحفظ السلام والاستقرار”، كما اعتبر الأكاديمي أن استهداف “يونيفيل” هو أيضاً “تصويب مباشر على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعد أن استخدم المادة (99) التي تقع ضمن صلاحياته، والتي تنص على أن للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين”.
وكان غوتيريش استخدم هذه المادة قائلاً عبر منصة “إكس” إنه “في مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية وأناشد إعلان وقف إنساني لإطلاق النار”.
وأشار المتحدث باسم غوتيريش، ستيفان دوجاريك، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها الأمين العام بتفعيل المادة (99) من الميثاق منذ أن أصبح أميناً عاماً للأمم المتحدة عام 2017.
ويتابع المستشار في المفوضية الأوروبية أن “الموضوع المهم هو ما يسمى الخط الأزرق، والذي يعتبر خط انسحاب بحسب القرار (1701) وليس الحدود، فيما تحاول إسرائيل تكريسه حدوداً مع الجنوب اللبناني، وهو خرق لاتفاق الهدنة عام 1949، ولذلك تأتي هذه الانتهاكات كمحاولة ضغط وخرق لتغيير واقع جغرافي ضمن حيثيات الظروف المتحركة، لا سيما وأن الكيان الإسرائيلي يتبنى سياسة الحدود المفتوحة المتحركة وعمليات القضم”.
هل هناك اتفاق وشيك بين “حزب الله” وإسرائيل؟
وكانت قناتا “العربية” و”الحدث” التلفزيونيتين نقلتا عن مصادر أن إسرائيل أبلغت الوسطاء الدوليين شروطها في شأن الوضع في لبنان، وأضافتا أنه قد يتم التوصل إلى اتفاق وشيك في هذا السياق. ووفقاً للمصدر نفسه فإن إسرائيل وافقت على أن يبقى لـ “حزب الله” بعض مواقع الرصد المشتركة مع الجيش اللبناني ومع قوات فرنسية في جنوب لبنان، وتحديداً جنوب نهر الليطاني، وشددت على ضرورة أن ينتشر الجيش اللبناني على الحدود “في كل النقاط”، وأن تحضر معه قوات فرنسية ضمن إطار “قوات دولية”، وعلى ضرورة أن يكون السلاح محصوراً بيد الجيش اللبناني في منطقة جنوب نهر الليطاني.
وبحسب ما تبلغه الوسطاء الدوليون فإن هناك “ضمانة أميركية” بألا تقوم إسرائيل بأية عملية أو اعتداء على جنوب لبنان، كما اقتُرح نشر قوات أميركية على الجانب الإسرائيلي من الحدود، وفقاً لمصادر القناتين.
وفي السياق أعلن عضو الكنيست يولي إدلشتاين أن البديل عن الاتفاق لإبعاد “حزب الله” من حدود إسرائيل سيكون الحرب، مضيفاً أن تل أبيب تعمل الآن دبلوماسياً لإبعاد الحزب عن حدودها الشمالية.
وبالتوازي تأتي تحركات المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين والذي يحاول الوصول إلى اتفاق لتجنب التصعيد أو الوصول إلى حرب شاملة، ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين أن واشنطن تدرس إمكان التوصل إلى تسوية بين تل أبيب وبيروت في شأن الحدود بهدف إبعاد “حزب الله” بصورة دائمة من الحدود.
وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أعلن في حديث إعلامي أن “أحد أهدافنا الأساس هو منع هذا الصراع من الاتساع، وهذا يعني منع صراع إضافي في شمال إسرائيل مع ’حزب الله‘ ومنع اتساع نطاق الصراع إلى بلدان أخرى في المنطقة”.
وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن ميقاتي أكد لرئيس الاستخبارات الفرنسية برنار إيمييه ووزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أن بيروت ستجري مفاوضات عبر الأمم المتحدة خلال الأشهر المقبلة لاستكمال تنفيذ القرار (1701)، وشدد على أن “لبنان سيسعى عبر الأمم المتحدة إلى الاتفاق على النقاط الخلافية الحدودية مع إسرائيل”.
“الحرص على لبنان أولاً”
وعن هذا الموضوع ينقل الأكاديمي محي الدين الشحيمي نقلاً عن مرجع رئاسي قانوني فرنسي تأكيده أنه “لا يوجد انصياع للرغبات الإسرائيلية ولا خوف من التهديدات في تطبيق القرارات الدولية، بل الحرص على لبنان أولاً، وهي قرارات دولية ملزمة عاجلاً أم آجلاً (بخصوص القرار 1701)، إذ تُعتبر عاملاً مساعداً في تكريس حيثية ’اتفاق الطائف‘ الدولي من تناغم نظامه في الالتزام والتعاون مع المجموعة الدولية التي يُعتبر لبنان فرداً مؤسساً فيها، إلى جانب الحيثية الدستورية اللبنانية الوطنية والإقليمية والعربية”.
وعن الهدف الذي تسعى إليه فرنسا يضيف الشحيمي نقلاً عن المصدر الرئاسي قوله “نسعى إلى ثبات مرحلي مقبول نسبياً ولو أنه تقلبي، كنتيجة ارتدادية بالحد الأدنى لما هو دائر من أحداث، وهو ثبات مساعد في ضمان استقرار جزئي للساحة المحلية الداخلية في لبنان، ومكمل لعدم انفلات المواجهات في الجنوب اللبناني أو حتى توسعها ضمن الجغرافيا اللبنانية، مما سيمكن لبنان من التقاط أنفاسه ويريح المجتمع الدولي بانتظار ما بعد نهاية حرب غزة”.
ويضيف الشحيمي نقلاً عن مصادر في الخارجية الفرنسية تأكيدها “عدم تغير البنية التحتية المؤسسة والمكونة التي ساعدت في ولادة اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، والتي لا تزال مستمرة على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، إذ من الممكن أن تكون منصة للانطلاق عبرها في المستقبل، والتعويل عليها للوصول إلى تثبيت الحدود البرية وتطبيق القرار الدولي (1701) الذي يعتبر المعبر الأساس لتطبيق ’اتفاق الطائف‘ وبسط السيادة على كامل الأراضي اللبنانية لحمايتها من أي انفجار، سواء كان حرباً أو صراعاً”.