عروبة الإخباري –
ينذر توسع رقعة الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بتقسيم مستقبلي للسودان حسب الأقاليم بقوّة السلاح، خصوصاً بعد وصول المعارك إلى مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، التي بقيت منذ البداية بمنأى عن الحرب التي اندلعت في 15 نيسان الماضي، وبعد مواجهات عنيفة في مدن إقليم دارفور الخمس الرئيسية غربي السودان، إنتهت بسيطرة «الدعم السريع» على أهمّ مراكز القيادات العسكرية التابعة للجيش، فضلاً عن محاصرة مقرّ قيادة الجيش ومقرّي سلاح الإشارة في الخرطوم بحري والمهندسين في أم درمان، ومحاصرة الفرقة الخامسة للجيش في الأُبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان.
لا تعتبر مدينة ود مدني موقعاً استراتيجيّاً تُسقط الجيش السوداني بمجرّد السيطرة عليها. وعلى الرغم من وجود رئاسة أمانة حكومة ولاية الجزيرة ومقرّ الفرقة الأولى مشاة ورئاسة قيادة الجيش في الولاية، فهي ليست مركز ثقل الجيش السوداني المتمثّل بمنظومة القيادة والسيطرة المتمركزة في العاصمة الخرطوم بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان. لذلك، يبدو أنّ توسيع بقعة الإشتباكات ليس إلّا محاولة من «الدعم السريع» للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي قبل العودة بسقفٍ عالٍ إلى طاولة المفاوضات في جدة.
ميدانيّاً، لم يكن مستبعداً وصول «الدعم السريع» إلى ود مدني، فهذا التوغّل داخل ولاية الجزيرة قد بدأ قبل نحو 5 أسابيع عند نشر «الدعم السريع» صور دخول حوالى 400 عربة قتالية رباعية محمّلة بعدد كبير من قواتها إلى منطقة العيدج التي تبعد نحو 120 كيلومتراً شمال ود مدني، وذلك بعد يوم واحد من سيطرتها على منطقة العيلفون التي تعتبر طريقاً رئيسيّاً إلى الولاية الوسطى، وتضمّ أحد أهمّ معسكرات تدريب المجنّدين التابعة للجيش، إضافةً إلى محطة رئيسية لصادرات نفط دولة جنوب السودان التي تمرّ عبر الأراضي السودانية.
لكنّ القتال في ولاية الجزيرة يختلف عن ولايات إقليم دارفور الخمس، فقوات الدعم السريع تواجه صعوبة في تحقيق مكاسب عسكرية في ولاية الجزيرة لأنها تُقاتل في بيئة غير صديقة، مقابل تعاطف شبه كامل في دارفور، وتضاريس جغرافية مفتوحة تسمح للجيش بتوجيه ضربات جوية، خصوصاً بعد حصوله على مسيّرات إستطلاعية يُمكنها مراقبة التحرّكات لوقت طويل، بينما لا تملك «الدعم السريع» أي قوّة جوية، فضلاً عن قرب ود مدني من مناطق عسكرية للجيش في سنار والنيل الأزرق والقضارف يُمكّنها من الحصول على إمداد عسكري وبشري متواصل، إضافةً إلى إسناد ناري بالمدفعية الثقيلة.
لن تكون ود مدني التي تبعد عن العاصمة الخرطوم نحو 180 كيلومتراً، المدينة الأخيرة التي ستُحاول «الدعم السريع» السيطرة عليها، فهي بمجرّد عدم امتلاكها أهمية عسكرية استراتيجية، سيبيّن احتلالها مؤشرات يُمكن أن يستفيد منها القائد العسكري في الجيش السوداني، بتعزيز القوات المُدافعة من الجيش في المدن والمناطق التي ستكون أهدافاً مقبلة لقوات الدعم السريع، ومنها سنار جنوب ود مدني، وولاية القضارف شرقها، اللتان أعلنتا «حال الطوارئ» وحظر التجوّل بعد الهجوم على ود مدني، وصولاً إلى مختلف مدن شرق السودان.
ستعتبر مدينة ود مدني تحت سيطرة «الدعم السريع» الكاملة بمجرّد تأكيد صحّة مقاطع الفيديو التي نشرتها والتي تظهر سيطرة مقاتليها على مقرّ اللواء الأوّل مشاة ورئاسة الاحتياطي المركزي ومدخل كوبري حنتوب من الشرق. وهي بذلك تكون قد سيطرت على مراكز ثقل المدينة العسكرية والتجارية والإدارية، لكنّ الأهمّ في الجانب العسكري أن تحافظ «الدعم السريع» على جسر حنتوب، كونه يعتبر الممرّ البرّي الاستراتيجي الذي ستستخدمه «الدعم السريع» كجسر نقل لوجستي لمتابعة التوغّل شرقاً نحو ولاية القضارف وشرق السودان. بعد تغيير أهدافها الاستراتيجية الأساسية، تهدف قوات الدعم السريع من هذا التحوّل النوعي في مسار القتال إلى توجيه رسائل متعدّدة، وممارسة ضغوط على المؤسّسة العسكرية لضمان مستقبل عسكري وسياسي لها عبر طاولة المفاوضات، فلو كان هدف «الدعم السريع» تغيير النظام بالكامل، لكان التركيز العسكري على العاصمة الخرطوم التي تعتبر مركز الثقل الاستراتيجي للجيش، حيث انطلقت المعارك واستمرّت لفترة طويلة، لكن ما يبدو مؤكّداً أنّ قوات الدعم السريع قد غيّرت هدفها وانتقلت إلى سياسة تقسيم السودان مدعومة من الخارج، ووسّعت ميدان المعارك ليشمل غرب السودان وجنوبه ووسطه، حيث الموارد الطبيعية التي يحتاجها الخارج بإستغلال نزعة السلطة في الداخل.