عروبة الإخباري – اكرم كمال سريوي
يتحضر التيار الوطني الحر للطعن أمام المجلس الدستوري، بقانون تمديد سن التقاعد لرتبتي عماد و لواء، الذي أقره المجلس النيابي في ٢٠٢٣/١٢/١٤ .
وفق المعلومات سيستند طعن التيار إلى نقطتين:
الاولى أن هدف القانون هو شخصي، وجاء لتأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزيف عون، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
النقطة الثانية هي أن انعقاد المجلس للتشريع مخالف للمواد ٧٤ و ٧٥ من الدستور .
المادة 74
اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة، حال وجود مجلس النواب منحلا، تُدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء، ويجتمع المجلس بحكم القانون، حال الفراغ من الأعمال الانتخابية.
المادة 75 (عدلت بموجب قانون 0/1927)
إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية، يعتبر هيئة انتخابية لا هيأة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة، دون مناقشة أو أي عمل آخر.
ما هي الاحتمالات في المجلس الدستوري؟
اذا ورد الطعن ضمن المهلة المحددة قانوناً (١٥ يوماً تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية) سيتم قبول المراجعة شكلًا.
أما في الأساس:
فالبنسبة إلى الادعاء بأن القانون هو لشخص العماد جوزيف عون واللواء عثمان، فهذه النقطة قد يسقطها المجلس الدستوري، ولا يمكن إثبات الإدعاء، لأن القانون لم يحصر مفعوله بمنصب محدد أو بشخص معين، بل جاء عاماً وشاملاً لكل من يحمل رتبة عماد و لواء، الآن ومستقبلاً، وبالتالي فإن الطعن في هذه النقطة سيكون ساقطاً.
أما في موضوع جواز التشريع في المجلس النيابي، في ظل الفراغ في سدة الرئاسة، فهذه نقطة خلافية كبرى.
فلقد أصرّ منذ سنة تقريباً، قسم كبير من النواب (ومن بينهم كتلة الجمهورية القوية) أن التشريع في المجلس غير جائز ومخالف للدستور، وأن المجلس هو هيئة انتخابية، طالما استمر الفراغ في سدة الرئاسة.
عدّل بعض النواب موقفهم من هذه النقطة (خاصة نواب القوات اللبنانية والكتائب) وحضروا جلسة التشريع، بحجة الضرورة، وتقديم المصلحة الوطنية العليا للبلد، لمنع حدوث فراغ في قيادة الجيش والأمن الداخلي.
تبقى هذه النقطة جدلية، فالدستور لم ينص على تشريع الضرورة، وفي الأصل لم يتوقع واضعوا الدستور، أن يحدث فراغ في سدة الرئاسة يطول لأشهر أو لسنوات.
فلو تم الالتزام بتطبيق مواد الدستور، لما طال الشغور في سدة الرئاسة أكثر من أيام معدودة، وبالتالي لم يكن هناك من حاجة لبحث مسألة جواز التشريع في ظل فراغ رئاسي في لبنان.
قد يثير الطعن الذي سيقدمه التيار الوطني الحر مسألة خلافية جديدة، حول تفسير الدستور ، فالرئيس نبيه بري يجزم أن المجلس وحده له حق تفسير الدستور ، لكن اذا سلمنا جدلاً بهذا القول، فكيف يستطيع المجلس الدستوري البت بدستورية أو عدم دستورية القوانين، إذا كان لا يملك حق تفسير مواد الدستور؟
ففي كافة النظم القضائية يحق للقاضي تفسير مواد القانون، وهذا مبدأ عام لحسن سير العدالة، وتسير عمل القضاء، رغم أن هذا المبدأ يثير العديد من الإشكاليات والاجتهادات، التي قد تتناقض فيما بينها في أحيان كثيرة.
والأهم من ذلك أنه إذا كان لا يحق للمجلس الدستوري تفسير الدستور، فهو سيكون عاجزاً عن القيام بواجباته، وسيفقد في الأساس مبرر وجوده، كهيئة رقابية على دستورية القوانين، التي يقرها المجلس النيابي.
إن مجرد وجود المجلس الدستوري، هو اعتراف وإقرار بإن المجلس النيابي يمكن أن يخالف الدستور، ويشرع خلافاً لأحكامه، وإن الهيئة القضائية الوحيدة التي لها حق الرقابة وابطال القوانين الصادرة عن المجلس النيابي، هو المجلس الدستوري.
من وجهة نظر قانونية ودستورية لا يمكن تجاهل دور وحق المجلس النيابي، في تفسير أحكام الدستور، خاصة أن لهذا المجلس حق تعديل الدستور، وفقاً لنص المواد ٧٦-٧٧-٧٨-٧٩ من الدستور.
لكن هذا لا ينفي صلاحية المجلس الدستوري بتفسير أحكام الدستور، وإلا سيعجز عن القيام بمهمته.
أم في حال حصول خلاف بين المجلس النيابي والدستوري، حول تفسير بعض نصوص الدستور، فعندها من الأولى أن يطلب المجلس الدستوري من المجلس النيابي، تفسير المواد الإشكالية، لأن صلاحية المجلس النيابي هي أوسع من صلاحيات المجلس الدستوري، لأنها تشمل تعديل الدستور، وهذا الحق هو حصري للمجلس النيابي، ولا يمكن إعطاؤه للمجلس الدستوري.
بناءً على ما تقدم قد نكون أمام معضلة دستورية جديدة، وقد يلجأ المجلس الدستوري إلى الطلب من مجلس النواب تفسير المادتين ٧٣ و ٧٤ من الدستور، وبت مسألة حق المجلس بالتشريع أو عدمه، في حالة الشغور في سدة الرئاسة.
الأهم من كل ذلك أن الطعن أمام المجلس الدستوري، لا يوقف تنفيذ قانون التمديد، وإلى حين حل كل هذه المسائل القانونية والدستورية العالقة (التي ستستغرق وقتاً طويلاً دون شك) قد يكون البت من قبل المجلس الدستوري، بالطعن الذي سيقدمه التيار الوطني الحر، له مفاعيل قانونية للمستقبل، دون أن يحدث تأثيراً أو تغييراً في الفترة الراهنة والقريبة القادمة.