رسالة صمود وحياة في احتفال العودة من المتحف الوطني
عروبة الإخباري –
تحت عنوان “الصمود والعودة” نظم المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، حفلاً موسيقياً في المتحف الوطني اللبناني بدعوة من رئيسة المعهد هبة القواس، وبرعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أحيته الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية بقيادة المايسترو هاروت فازليان.
عنوان الحفل الذي يتضمن في شقّيه (الصمود والعودة) دلالات وطنية وثقافية، يحمل رسائل متعددة الأبعاد تؤكّد على دور الموسيقى في إعادة بناء لبنان ثقافياً وحضارياً في مواجهة الأخطار المحدقة التي تتهدده وتهدد هويته الثقافية التي لطالما كانت العنوان الأكبر لريادته في المنطقة. الصمود الثقافي التي تشدّد عليه القواس في جميع مناسبات المعهد، تظهّر في شكل كبير في حفل المتحف عبر الشق الآخر للعنوان وهو “العودة”، أي عودة الأوركسترات الوطنية لمتابعة أنشطتها الموسيقية والإبداعية وإقامة الحفلات الدورية في الموسم الموسيقي المعتمد من قبل المعهد، بعدما انكفأت قسراً عن أداء هذا الدور نتيجة الأزمات المعروفة التي واجهها لبنان وكل مؤسساته منذ العام 2019. وها هي الآن تستعيد مبادرتها في عودتها الجديدة لتقدم خلالها الحفلات الموسيقية الدورية والمعتادة عبر موسمها الموسيقي والثقافي، ولتضطلع بعودتها الجديدة بأداء دورها الوطني الريادي في نشر الموسيقى، والذي عُرف به الكونسرفتوار الوطني منذ تأسيسه. وتشهد اليوم الأوركسترات عودة قوية إلى الساحة الموسيقية، عبر الحفلات والتمارين والحضور الموسيقي مع الفلهارمونية والشرق عربية، وذلك ضمن برنامج متكامل ينتظره اللبنانيون وعشاق الموسيقى الراقية.
وبهذه الروحية الإيجابية، قدمت الأوركسترا الفلهارمونية حفلها المبهر في المتحف الوطني مع 35 عازفاً مرموقاً ببرنامج موسيقي، تنوع بين مقطوعات لبيتهوفن وموزارت وسط جو راقٍ مع جمهور متعطش لفسحة أمل ينتظرها دوماً من الموسيقى، وهذا ما عبّر عنه جمهور المتحف بالتفاعل والتماهي مع البرنامج الموسيقي.
وفي هذا السياق كانت كلمة الوزير المرتضى، ممثلاً بمستشاره روني ألفا، ومما جاء فيها:
“هي ليلةٌ مُعنونةٌ بالصمود والعودةِ على ما اختارته عنوانًا المبدعةُ هبة القواس رئيسة المعهد الوطني اللبناني للموسيقى (الكونسرڤاتوار ) لهذه الأمسية التي يتعانقُ فيها موزار مع بيتهوڤن. ولا شك أنَّ إبداعَ المايسترو هاروت ڤازليان سيضفي على هذه الأمسية رونقًا وسلاسَةً في القيادة ستبلُغُ بِنَا الى أقربِ نقطةِ انفعالٍ وتَماسٍ مع النسخةِ الأصلية لأعمال المبدِعَين العالميين.
نحن في حالة صمودٍ ثقافي لأننا مُجمِعون على طبيعة الكيانِ الذي يناصبُنا العِداء. عدوٌ لا يمكنُ أن يعيشَ إلا على أنقاضِنا. هو عنصريٌ ونحن محبّون للآخَر وهو ارهابيٌّ ونحن مسالمون وهو الغائي ونحن تشارُكِيّون وهو أحادي ونحن تَعدُّدِيون.
بالطبع لم يمر علينا عيدُ الاستقلال ونحن في رخاءٍ وراحةِ بال لكن كما أرادت الفرقة الموسيقية وعازفوها لن يمر استقلال دون احتفال. نعم الاحتفالُ وسط الاستشهاد ووسط الاعتداءات، أفَلَم نَعتَد نحن اللبنانيون اللعبَ بين لحظةِ موتٍ ولحظةِ حياة، أو ليس كل واحد منا في هذه الصالة من الناجين بأعجوبة من رصاصة قناص وشظية قذيفةٍ ومن رمايات حروب الإخوة؟
هذا المتحفُ ينقصُه أيها الأخواتُ والإخوةُ ناووسٌ يجب أن نفتِّش عنه بكل جوارحنا وجراحِنا وربما يكون موجودًا داخل جوارِحِنا وجِراحِنا. إنه ناووس الحرب الأهلية.
وحتى لا يقالُ أنَّ الطائفَ أدخلَ السلمَ الأهليَّ الى النصوص ولكن لم يدخلها في النفوس تعالوا نفتِّشُ عن هذا الناووس سويًا فإذا وجدناه في جراحِنا أخرجناه ونقلناه الى ها هنا في المتحف ووضعناه في ركنٍ خاص تحت عنوان” رفات الحرب” ليصبح قِبلَة للزوّار لا قبلة للمُفتنين”.
وفي كلمتها شددت القواس على دور الموسيقى في المواجهة والصمود، وعلى دور المعهد في صناعة الحياة والثقافة في أصعب الظروف، وقالت: “نحن صناع الحياة والثقافة. جسور الحب، قلوبٌ لبنانية نحو العالم، وفكرٌ يبدأ لبنانياً متوسطياً عربياً ولا ينتهي في أوروبا أو أميركا او أستراليا أو آسيا أو أفريقيا. وفي أصعب الظروف وأكثرها ألماً نُطلق صرختنا ونتكلم لغات العالم. من بيتهوفن وموزارت اللذين سنستمع لهما اليوم، إلى مؤلفينا اللبنانيين والمؤلفين العرب والمؤلفين المعاصرين الذين ستكون اعمالهم جزءاً من ربيرتوار هذه الأوركسترا في الحفلات القادمة. هكذا نحن جسر دائم للثقافة والموسيقى والحب..
توقفت الأوركسترا قسرياً عام ٢٠١٩ وسافر أغلب عازفيها خارج لبنان من لبنانيين وغير لبنانيين. توقفت البروفات والتمارين اليومية منذ تشرين ٢٠١٩ وأتى الانهيار الاقتصادي وكوفيد وتفجير المرفأ الذي اجتاح مدينة بيروت.. بعدها أصبحت الأوركسترا تلتقي بكم من وقت إلى آخر في مناسبات خارج الموسم الموسيقي والثقافي الدائم الذي اعتادت الأوركسترا أن تقدمه، فانصب كامل جهدي منذ لحظة تسلمي موقع رئاسة الكونسرفتوار في العمل على عودة الاوركسترات… طبعاً كان علينا أن نواجه المواد القانونية والعمل المكتبي البيروقراطي والوزاري، والأهم أن نواجه موازنات الدولة المرهقة، وأن نعمل على إبراز دور الأوركسترات وأهمية تمويلها رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.. وكان همنا الأول أن يتساوى راتب العازف اللبناني براتب العازف غير اللبناني قبل عودة الأوركسترا، ليس فقط ليستطيع العازف اللبناني الموجود في لبنان أن يعود إلى ممارسة عمله، بل لنعيد العازف اللبناني العالمي والذي يعمل بأرفع المرافق الموسيقية العالمية الى حضن وطنه الأم وحضن الأوركسترا الوطنية قبل أن نعيد باقي الموسيقيين من الخارج.
وهنا لا بد لي من ذكر الدور الكبير للوزير الوصي خير وصاية معالي القاضي محمد وسام المرتضى الذي تبنى ملفات المعهد الوطني العالي للموسيقى بكل ما أوتي من عزم لتحقيق الحلم. ويبقى الحاضن الأكبر دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي، الذي احتضن قضية الكونسرفتوار والأوركسترات وآمن بأهمية الموسيقى في صناعة الحضارة والدبلوماسية والاقتصاد في لبنان.
وبعد عام ونصف من المثابرة والعمل وبعد عام ونصف من الصمود، نعلن عودة الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية إلى عملها اليومي وحفلاتها الدورية الدائمة.. وستكون الأوركسترا قريباً جداً متوجة باعداد الموسيقيين الكبيرة والمكتملة بعدتها وعديدها لتكتمل التصويتات الموسيقية..
أعدكم أن الأوركسترا لن تبقى فقط في بيروت بل ستلعب دورها الموسيقي والثقافي والتعليمي في كل لبنان..اليوم أكثر من أي يوم نحن بحاجة إلى هذا الصمود الموسيقي والثقافي. فلم تزدنا الصعوبات والحروب في لبنان إلا إصراراً على هويتنا الثقافية وعلى توقيعنا المساهم في صنع الحضارة.
لذلك سنعمل على أن تجوب الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية العالم كله باسم لبنان وباسم صموده في وجه جميع العواصف.”