عروبة الإخباري –
المقصود بالسيناريوهات الاقتصادية لحرب غزة هو تداعياتها على الاقتصاد الأردني وقدرة الحكومة على مواجهة هذه الآثار في حال حدوثها وتطور المشهد بشكل سلبي.
بدايةً، فإن خلق تصور حول سيناريوهات الحرب الاقتصادية في غزة وتأثيرها على المملكة أمر منوط بمدة هذه الحرب. فإذا كان السيناريو الأول يتحدث عن حرب قد تنتهي بنهاية هذا العام، فإن قدرة الحكومة على امتصاص تداعيات تلك الحرب من الناحية الاقتصادية ستكون قوية في المدى القصير.
وتمتلك الحكومة خبرات تراكمية عالية في إدارة المشهد، حيث سبق أن تعرض الاقتصاد الوطني لهزات عنيفة نتيجة أزمات إقليمية ودولية استطاع الخروج منها بأقل الخسائر على عكس ما حدث للعديد من الدول في المنطقة، والتي ما زال بعضها لغاية اليوم يعاني تداعيات تلك الأزمات.
والكل يتذكر كيف واجهت المملكة تداعيات أزمة الربيع العربي، وتداعيات انقطاع الغاز، والأزمة العالمية التي سبقتها، وجائحة كورونا، وغيرها من الأزمات التي نجا خلالها الاقتصاد من الانكماش والركود في بعض الحالات، واستمر في حالة نمو إيجابي ضمن مستويات متدنية في المراحل الأولى.
لكن إذا ما استمرت حرب الإبادة والتهجير القسري في غزة لأشهر طويلة، فإن ذلك سيخلق ضغوطًا جديدة على عدة متغيرات اقتصادية مثل السياحة، والتصدير، والاستثمار، والاستهلاك الداخلي. لكن ستبقى تداعياتها المالية على الاقتصاد بشكل عام، باستثناء السياحة، ضمن الإطار المرن القابل للتعاطي السريع معه وتعويضه.
بالمقابل، السيناريو الأخطر هو أن تتوسع دائرة حرب غزة، وتمتد إقليميًا ودوليًا، حينها، سيكون الوضع متأزمًا جدًا ليس فقط على الأردن، وإنما على المنطقة بأكملها، وما سيحدث على المملكة سيحدث لجميع دول الجوار بلا استثناء، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بشكل المشهد الاقتصادي في حال توسع الحرب لا قدر الله.
حينها، ستتصدر الطاقة أزمة المنطقة، وستشهد أسعار النفط جنونًا جديدًا قد يكون الأكثر والأكبر منذ 20 عامًا، ولا أحد يستطيع تحديد أو قراءة أسعاره في المستقبل، ناهيك عن جمود كبير في التدفقات السياحية والاستثمارية، وتراجع في غالبية أنشطة القطاعات الاقتصادية حتى التصديرية منها نتيجة لارتفاع كلف التأمين والشحن وغيرها، مع تراجع كبير في مستويات الاستهلاك المحلي وارتفاع معدلات البطالة نتيجة فقدان القدرة لدى الشركات على خلق وظائف جديدة؛ بسبب الضغوطات التي تتعرض لها، والتي ستحد من حتى جهودها في الاستمرار بالعمل أو التوسع.
تداعيات ذلك السيناريو على الاقتصاد الوطني حينها ستكون مرعبة ومخيفة، وهي لن تختلف عما ستواجهه دول الجوار من نفس تلك التداعيات؛ فلن يسلم منها أي دولة.
وكل ما هو مطلوب من الحكومة هو تعزيز جبهتها الداخلية ومواصلة العلاقات مع المانحين والمؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين، اللذين يمتلك الأردن معهما اتفاقات لسنوات أربع مقبلة، ستكون صمام أمان للاقتصاد في مواجهة تداعيات الأزمات الإقليمية بشكل يخفف الخسائر أكثر مما لو لم يكن هناك اتفاق معهم، ناهيك عن مذكرة التفاهم الأميركية التي تقدم مساعدات للمملكة بقيمة 1.65 مليار دولار سنويًا لمدة سبع سنوات مقبلة، وهي كلها أدوات مساندة للاقتصاد لامتصاص أكبر قدر من تداعيات الأزمات الطويلة في حال حدوثها، لا قدر الله، وتحديدًا في مشهد حرب غزة.