عروبة الإخباري –
النهار –
ما يحصل اليوم من صراع في غزة لن ينتهي الا بنتيجة من اثنين: إما التسوية لانهاء هذا الصراع وبالتالي العودة الى حل الدولتين. واما حرب استنزاف طويلة عنوانها الدولة الواحدة والتي لا قدرة لاي طرف من الاطراف على تحملها .
مما لا شك فيه ان جانبي الصراع في غزة اليوم اي حماس ومن ورائها ايران ، ونتنياهو ومن خلفه التيار الديني اليميني المتطرف، هما في صلب التيار الراديكالي الذي اراد ان يعيد المنطقة عقودا للوراء .
وبالتالي اي تسوية تعني خروج طرفي الصراع في غزة من الصورة ، اي ان اخراج حماس ونتنياهو من المشهد ضرورة قصوى لاي حل سياسي لاعادة التوازن الى لعبة شد الحبال الكبرى بين تياري المنطقة .
اي انتصار لهذين الطرفين او لافكار هذين الطرفين هو انتصار للخيار المتطرف. الذي وان اخمد بنادق الحرب واصوات القذائف اليوم الا انه سيعيدها الى الواجهة عند اي فرصة سانحة .
ما حدث في السابع من اوكتوبر خلاصته ان مشروع حماس ونتنياهو – اي حل الدولة الواحدة – هو مشروع غير قابل للتحقيق ولن يؤدي الا الى نتيجة واحدة وهي صراع دائم غير قادر لا على محو فلسطين وشعبها ولا على محو اسرائيل من الوجود .
هي خلاصة “طوفان الأقصى”، لان مشروع حماس اصطدم بموقف ايراني متقدم وبلهجة جديدة غير مسبوقة. إذ لم تذكر ازالة الكيان من الوجود ونسفت وحدة الساحات وجوهر قيام المحور، عبر اكتفاء طهران وأذرعتها الإقليمية كافة، بموقف الداعم لا المبادر . اما من جهة مشروع نتنياهو ففكرة ازالة الشعب الفلسطيني من الوجود، عدا عن اصطدامها بمقاومة شعبية شرسة، وكونها جريمة إنسانية بالمطلق، تصطدم في الواقع اليومي برأي عام عالمي رافض كليا لسياسة الابادة والتهجير التي اتبعت في النكبة السابقة. وأصبح السلوك الاسرائيلي اليوم امام خطر التسبب بحالة معاداة للصهيونية غير مسبوقة في تاريخ نشوئها .
في مرحلة ما قبل السابع من اكتوبر كانت المنطقة قد اتخذت قرار الذهاب نحو الخيار السياسي القائم على الاعتدال خياراً والتنمية منهجاً والدبلوماسية الصلبة أداة لرسم مستقبل هذه المنطقة بقيادة دول الخليج ومصر والاردن. مع محاولةً لضم دول المشرق والمغرب العربي لهذا المركب للمضي قدما باستقرار المنطقة على قاعدة ازدهارها.
ولم يكتفِ هذا المشروع الطموح جداً بذلك. بل ذهب أبعد لنسج تفاهمات مع نواة المشروع الراديكالي المقابل. اي الجانب الايراني، وسعى بذلك لتحصين نهج الاعتدال، عبر سلسلة تفاهمات استيراتيجية اقتصادية واستثمارية مع القطب العالمي المقابل لأميركا أيضاً. والمتمثل بالثنائي الصيني الروسي .
بعد هجوم السابع من اوكتوبر عدنا الى السؤال الصعب: هل مشروع المنطقة اصبح في خطر؟ وهل ممكن ان نعود الى ما قبل هذه المرحلة ؟
واشنطن اليوم، بالرغم من مآخذ العالم والشارع العربي الكبيرة على فشلها في إدارة صراع غزة، بعدما اطلقت العنان لالة الحرب الاسرائيلية واتبعت ازدواجية معايير، جعلت من القوانين الدولية قوانين بالية ومن مؤسسات المجتمع الدولي مؤسسات معطلة ، تسعى الآن لرص صف دول الاعتدال في المنطقة. منعاً للتيار الراديكالي عبر شقيه الايديولوجي والسياسي من الصعود من جديد من بوابة غزة .
الدور الامريكي اليوم في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو العودة الى الدور التاريخي لتفعيل مسار السلام. لان اي حل خارج هذا المسار سيجعل من ملف فلسطين وسيلة استثمارية في أيدي التيار الراديكالي المتطرف .
الدور العربي المتمثل باعتماد سياسة الواقعية لا الشعبوية ولا التمنيات ولا العواطف ، هو الدور الذي يمكن التعويل عليه لمستقبل المنطقة لان العودة الى زمن الإيديولوجيات البالية والانتصارات الوهمية على دماء الالاف لم يعد خيارا .
الحرب بمفهومها التقليدي انتهت. لان حرب هذا القرن هي حرب العقول وحرب الفكرة. واي انتصار لهاتين الحربين سيؤسس لقرن مقبل من الدمار والخراب الذي لا تتحمله منطقتنا .
حرب اليوم العسكرية قد لا تكون الاخيرة. لكن اخطر ما فيها انها دمجت حروب الاجيال الثلاثة السابقة بحرب الجيل الرابع .
فقامت بإعادة صياغة مفهموم جديد لجيل الحرب الرابع الذي يرتكز على الوكلاء او ما يعرف ب fighting proxy وادلجة العقول ، وهي صياغة خطيرة جدا ستبقي المنطقة مشتعلة الى الابد بقدر ما ستبقيها هذه الحرب او ربما تكون الشكل التالي لهذه الحرب ولكن بصيغة معدلة اذا ما انتصر اي معسكر من معسكر الراديكالية .
لذلك فان واجبنا الاخلاقي والانساني والسياسي ان نقف سدا منيعا بوجه التطرف والراديكالية تحت عناوين دوغماتية شعبوية. والدفاع عن الوجود باسم هويات وطنية إنسانية قادرة على الحياة.