عروبة الإخباري –
خسر الاحتلال الصهيوني رهانا طالما اعتبره ورقة ضغط رابحة على الدولة الأردنية في ملفّ المياه، وذلك في سياق تضخم عجزها المائي الكبير، وتعاظم احتياجاتها السكانية، مقابل الإعلان الرسمي عن عدم مضيها في اتفاقية التعاون مع دولة الاحتلال لتبادل الطاقة مقابل المياه.
وحظيت تصريحات نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي الأخيرة التي أكدت أن الأردن “لن يوقع اتفاقية لتبادل الطاقة مقابل المياه مع إسرائيل؛ في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)”، ارتياحا نقابيا وشعبيا وطنيا كبيرا إزاء تجميد توقيع الاتفاق، والذي “لا يندرج تحت بند تحقيق الأمن المائي الأردني”، وفق خبراء في القطاع المائي.
وقال الصفدي في تصريحاته حول الموضوع ذاته: “كان هناك حوار إقليمي حول مشاريع إقليمية، أعتقد أن الحرب أثبتت عدم المضي به، وكان هناك حديث عن توقيع اتفاقية تبادل الطاقة والمياه، وكان يجب أن توقع الشهر الماضي، لكن لن نوقعها”، منتقدا إسرائيل التي تشن هجوما على قطاع غزة منذ أكثر من 40 يوما، ردا على هجوم حماس عليها في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، “إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية، وتتصرف بانتقامية فجة ووحشية”.
وأكد مختصّون بهذا القطاع، في تصريحات لـ “الغد”، أن الحل المستدام الوحيد الذي يندرج تحت بند تحقيق الأمن المائي الوطني، هي المشاريع المرتبطة بتحلية المياه، وعلى رأسها مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه في البحر الأحمر في العقبة، داعين “الحكومة الأردنية للبحث عن مصادر تمويل أخرى توفر الدعم لمشاريع هدفها الوحيد دعم الدولة لتحقيق أهدافها دون تدخل منها”.
وفي هذا السياق، جددت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي، التأكيد على ضرورة اعتماد الأردن على موارده الوطنية في الحصول على المياه والطاقة “حتى وإن كانت أعلى تكلفة، وبعيدا عن الاعتماد على الاحتلال”، وذلك درءا لأي مخاوف من “استخدام الاحتلال للمياه كأداة ضغط على الأردن خلال السنوات المقبلة، كما يحدث حاليا في قطاع غزة المحاصر”.
وأكدت الزعبي أن الحل والاستدامة والأمان؛ تكمن جميعها في “اعتماد الأردن على موارده الوطنية، حتى لو كان بعضها أعلى تكلفة”، مشيرة إلى أن الكميات الناجمة ستكون كافية، “إذا تمت إدارة العرض والطلب، وترشيد الاستهلاك، وكفاءة الاستخدام، وتقليل فاقد المياه، وذلك توازيا والبحث الجاد والتوسع في استخدام الآبار العميقة بمشاركة القطاع الخاص، والمضي قدما بمشروع الناقل الوطني المزمع تنفيذه على الأراضي الأردنية”.
وشددت على أهمية التفكير بخطط بديلة، في حال عدم إمكانية التعاقد مع الشركات المؤهلة، والتي يتوقع أن تقدم عروضها مطلع كانون الأول (ديسمبر) المقبل، بسبب ارتفاع التكاليف، لافتة إلى إمكانية “الدعوة إلى تأسيس شركة قابضة يديرها مستثمرون أردنيون وعرب، ويتم تنفيذها من خلال شركات مقاولات أردنية أو عربية توفر فرص عمل للأردنيين، بالإضافة إلى طرحها للاكتتاب، وبذلك إتاحة الفرصة لجميع الأردنيين ليكونوا شركاء في الشركة والتنفيذ”.
وفي سياق دعوتها للحكومة نحو البحث عن مصادر تمويل أخرى توفر الدعم لمشاريع تستهدف دعم الدولة دون تدخل منها، استعرضت مثالا بإنشاء صندوق المناخ الأخضر، الذي تم إنشاؤه بهدف مساعدة الدول المتضررة من عواقب تغير المناخ.
من جانبه، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات أن اتفاق تبادل الطاقة مقابل المياه يندرج تحت بند “بناء التعاون الإقليمي، وليس تحت بند تحقيق الأمن المائي الأردني”، مشيرا إلى ورود هذا المشروع في الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه المحدثة للأعوام 2023 – 2040، تحت مسمّى “الازدهار الأزرق”.
ودعا الدحيات إلى ضرورة اعتماد الموازنة المائية للمملكة بشكل رئيسي على كميات المياه التي سيتم توفيرها من المشاريع الوطنية، وتشكل الركيزة الأساسية لتحقيق الأمن المائي، مشددا على ضرورة تسريع وتيرة تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه (العقبة – عمان)، الذي يعد خيار المملكة الإستراتيجي طويل الأمد، وإنجازه لتزويد محافظات المملكة باحتياجاتها من المياه.
وقال: “لا شك أن تحقيق الاستقرار في ملف الأمن المائي يتطلب عملا من الجهات المسؤولة للانتقال من مرحلة تخطيط الإستراتيجيات والسياسات إلى مرحلة تنفيذ الإجراءات الفعلية على أرض الواقع والمشاريع والحلول قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى”، مستبعدا أن يكون “مشروع المياه – الكهرباء الإقليمي هو المشروع الذي سيحقق الأمن المائي المطلوب، إنما هو مشروع رديف ومكمّل للمشاريع الوطنية سيزوّد المملكة بكميات من المياه من خلال نظام المقايضة للمساهمة في تغطية جزء من العجز المائي المقدّر بـ400 مليون متر مكعب سنويا”.
وأوصى بضرورة تبني حلول آنية وإستراتيجية تعمل على تحقيق الاستدامة المائية في الأردن كركيزة أساسية نحو تحقيق الأمن المائي، كونه من أكثر الدول جفافا وافتقارا للمياه على مستوى العالم.
واستعرض مجموعة مبادرات وحلول يمكن تنفيذها خلال الأشهر المقبلة من شأنها المساهمة في توفير المزيد من مياه الشرب؛ منها زيادة كميات المياه التي يتم ضخها بشكل دائم من مشروع جر مياه حوض الديسي بمقدار 20 مليون متر مكعب سنويا إضافية، وحفر الآبار الخاصة بالمياه الجوفية العميقة في مناطق الحسا وجنوب عمان التي تعتبر امتدادا لحوض مياه الديسي، وتنفيذ مشاريع معالجة مياه السدود الرئيسة للاستفادة منها في أغراض الشرب والزراعة.
وذلك إلى جانب تحسين أنظمة المعالجة في محطات التنقية الرئيسة، بهدف توسيع الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة لغايات الزراعات المقيدة وإحلالها مكان المياه العذبة وخاصة في محافظات الشمال، ومعالجة الآبار المالحة في مناطق غور الأردن في مناطق حسبان وديرعلا وأبو الزيغان واستخدامها لغايات الشرب، وتخفيض فاقد المياه الذي تصل نسبته في المملكة إلى 50 % أو ما يعادل 235 مليون متر مكعب سنويا.
من ناحيته، أكد المدير السابق لوحدة مشروع الناقل الوطني في وزارة المياه والري جريس دبابنة أولوية الأردن في المضي بمشاريعه الوطنية لتوفير كميات المياه الإضافية اللازمة، وبما ينسجم مع التوجيهات الملكية بضرورة المضي بمشروع الناقل الوطني لتحلية المياه في العقبة، بانتظار استقبال وفتح العروض في الموعد المقرر وهو الرابع من كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
وكما أشارت تصريحات وزير الخارجية الأردني، فإنه لا يمكن المضيّ بتوقيع الاتفاق المشترك بين المياه والطاقة مع الكيان الصهيوني المتعنّت وفي ظل همجيته ووحشيته في قتل الأبرياء والعزّل، وفق دبابنة.
وقال دبابنة إن مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، يعد مشروعا وطنيا بامتياز، لأنه يندرج ضمن مساعي البحث عن مصادر مياه وطنية ومستقلة عن الجوار، ولا تكون مرتبطة بأي عوامل أو تطورات تتعلق بالأزمات السياسية.
وبين أن مشروع “الناقل الوطني ليست له أجندات سياسية ويتعلق بمصلحة الأردن وحده فقط، حيث يعد هذا المشروع الوطني من المشاريع المستدامة لتمكين الأردن من تنفيذ خططه الوطنية في تأمين 300 مليون متر مكعب سنويا لمعظم مناطق المملكة، والتحول إلى التزويد المستمر على مدار الساعة يوميا، لتحقيق العديد من الأهداف، ومنها تحسين التزويد المائي وتخفيض الفاقد المائي، من خلال إدارة الضغوط في شبكات المياه عند التزويد المستمر، وكذلك تخفيض كلف إنتاج مياه الشرب بتوقيف المصادر ذات الكلف التشغيلية العالية”.
وأخذ المشروع في اعتباراته جوانب الدراسة البيئية، حيث أقر استخدام الطاقة المتجددة لتخفيض كلف الطاقة وانبعاثات الكربون، وتحويل المشروع إلى “مشروع أخضر بيئيا”، حيث سيتم استخدام الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة، لتغطية الحمل الكهربائي للمشروع في فترة النهار، فيما يتم استجرار الكهرباء من الشبكة الوطنية خلال الفترة المسائية.
وكان نقيب المهندسين ورئيس مجلس النقباء، أحمد سمارة الزعبي قد صرح في بيان صحفي، أن النقابة قامت سابقا بتشكيل لجنة فنية لدراسة وتطوير بدائل وطنية لتلبية احتياجات المملكة من المياه والطاقة، من دون الحاجة للتعاون مع الاحتلال.
وأكد الزعبي أن هذه اللجنة اجتمعت مرارا وتوصلت إلى العديد من البدائل التي تضمن استفادة المملكة من مصادر الطاقة والمياه المختلفة دون الاعتماد على التعاون مع الكيان الصهيوني، معربا عن رفض النقابة لأي اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال.
وأشار إلى مواقف النقابة السابقة في هذا الصدد ورفضها لاتفاقية الغاز وإعلان النوايا، مشيدا بالتصريحات الوطنية الواضحة للصفدي، ومشيرا لأنها تعكس الموقف الرسمي والشعبي الموحد ضد العدوان الصهيوني والضغط الشعبي المستمر لإلغاء اتفاقية وادي عربة، خاصة مع استمرار العدوان على قطاع غزة والانتهاكات الصهيونية للمعاهدات والمواثيق الدولية، وارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية.