عروبة الإخباري –
من مجموع 22 دولة عربية، تقيم 6 دول علاقات رسمية معلنة مع الاحتلال الإسرائيلي؛ هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، تتخللها اتفاقيات تجارية مهمة يمكن أن تكون ذات تأثير سلبي كبير على تل أبيب إذا ما أبطلتها هذه الدول.
إعلان البحرين، يوم 2 تشرين الثاني الجاري، مغادرة السفير الاسرائيلي للبلاد وعودة السفير البحريني من إسرائيل ووقف العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب، يعدّ إنذاراً بحرب اقتصادية تعزز خسائر الإسرائيليين إذا ما سارت الدول الأخرى المطبعة على ذات النهج.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي قصف قطاع غزة لليوم الـ28 توالياً، نتج عنها استشهاد أكثر من 9061 فلسطينياً، بينهم 3760 طفلاً و2326 سيدة، وإصابة نحو 32000، كما استشهد 130 فلسطينياً واعتقل نحو 2000 في الضفة الغربية.
على صعيد الجانب الإسرائيلي، فقد قُتل أكثر من 1538 شخصاً بينهم مئات العسكريين، فيما أسرت “حماس” أكثر من 240 إسرائيلياً بينهم جنود وضباط.
علاوة على هذا تحولت غزة إلى مدينة منكوبة من جراء القصف العنيف المستمر منذ 7 تشرين الثاني الماضي، أدى إلى تدمير كامل للبنى التحتية وخروج أغلب المستشفيات عن الخدمة وتوقف الدراسة ونزوح نحو مليون ونصف المليون إلى مناطق لجوء داخلية من مجموع عدد السكان البالغ 2.3 مليون نسمة.
أبرز الاتفاقيات الموقعة بين مصر وإسرائيل تتعلق باستيراد القاهرة للغاز الإسرائيلي؛ وبدأت تدشين الاستيراد لأول مرة في 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركة “نوبل إنرجي” -التي استحوذت عليها “شيفرون” في 2020- و”ديليك دريلينج”، وشركة “دولفينوس” القابضة المصرية.
في 10 تشرين الأول الماضي، قالت وزارة الطاقة الإسرائيلية إن “شركة شيفرون أوقفت تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إي.إم.جي) البحري بين (إسرائيل) ومصر وتقوم بتصدير الغاز في خط أنابيب بديل عبر الأردن”؛ نتيجة الحرب على غزة.
وقالت مصادر في صناعة الطاقة إن كمية الغاز المصدرة من حقل ليفياثان العملاق الإسرائيلي إلى مصر تقلصت مع إعطاء الأولوية للإمدادات للسوق المحلية لكنها ما زالت قريبة من الحصة المقررة، بحسب “رويترز”.
وعلقت شيفرون أنشطتها في منصة “تمار” لاستخراج الغاز؛ وذلك التزاماً بتعليمات حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعد هجوم “طوفان الأقصى”.
بين إسرائيل والأردن علاقات اقتصادية مهمة، تبرز منها اتفاقيتا الغاز والماء.
ووقع الأردن في 2016 اتفاقاً لشراء الغاز الطبيعي من إسرائيل؛ بموجبه يزود تحالف أميركي – إسرائيلي الأردن بالغاز لمدة 15 عاماً من حقل “لوثيان” الواقع في البحر المتوسط. وتلقى الأردن أول إمدادات من الغاز الإسرائيلي في كانون الثاني 2020.
تنص الاتفاقية على شراء الأردن ما مجموعه 300 ألف مليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز الطبيعي يومياً، أي نحو 80% من احتياجات الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في البلاد، بإجمالي 10 مليارات دولار.
وبموجب اتفاقية السلام الموقعة بين عمّان وتل أبيب عام 1994، تزود إسرائيل الأردن بما يصل إلى 55 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبد الله إلى عمّان، مقابل سنت واحد (الدولار = 100 سنت) لكل متر مكعب.
وفي عام 2010، اتفق البلدان على إضافة 10 ملايين متر مكعب مقابل 40 سنتاً لكل متر، وهو السعر المقرر أيضاً للإمدادات الإضافية التي وافقت إسرائيل عليه، ما يجعل قيمة صادرات الماء الإسرائيلي إلى الأردن تبلغ أكثر من 5.5 مليون دولار سنوياً.
في آذار 2023 اتفقت الإمارات وإسرائيل على بدء سريان اتفاقية تجارة حرة، تهدف إلى تقليص التعريفة الجمركية عن البضائع المتداولة بين الجانبين أو إلغائها.
وتوصلت أبوظبي وتل أبيب إلى الاتفاق لأول مرة في أيار2021، ووعدا بتعزيز التجارة الثنائية بعد تطبيع العلاقات بينهما في عام 2020 في اتفاق عقد بوساطة أميركية.
وفي العام 2022، تخطت قيمة التبادلات التجارية بين الطرفين 2.5 مليار دولار باستثناء المنتجات المعلوماتية والخدمات، ما يضع الدولة الخليجية في المرتبة 16 بقائمة أكبر الشركاء التجاريين لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومع البحرين، التي وقعت اتفاق تطبيع العلاقات رفقة الإمارات في 2020، تسعى إسرائيل إلى توقيع اتفاقية تجارة حرة مماثلة كالتي وقعتها مع أبوظبي.
وفي أيلول الماضي، أكّد وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، أنه يتطلع إلى إقامة منطقة تجارة حرة بين إسرائيل والبحرين، وذلك على هامش زيارته الأولى إلى المنامة.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والبحرين حوالي 20 مليون دولار فقط في 2022. أما بين إسرائيل والمغرب، فقد شهد التبادل التجاري قفزة كبيرة في 2022 ويقدر الآن بقيمة 500 مليون دولار سنوياً.
ووفق وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية، تشير التقديرات إلى أن عدد السائحين الإسرائيليين في المغرب وصل إلى 200 ألف سائح خلال عام 2022.
علاوة على ذلك، وصلت قيمة الاتفاقات التجارية بين المغرب وإسرائيل في مايو 2022 إلى 3.1 ملايين دولار، أي إنها ازدادت بنسبة 94% مقارنة بالفترة عينها من العام الفائت، أي ما يقارب الضعف عن العام السابق.
كل تلك المعلومات التي سبق ذكرها تفيد بأن الدول المطبعة مع إسرائيل تعتبر سوقاً مهمة لتل أبيب، وعلى الرغم من عدم وجود أرقام واضحة لما تجنيه دولة الاحتلال من هذه العلاقات لكن الرصد يكشف عن أنه يصل إلى أكثر من 30 مليار دولار سنوياً، خاصة مع غزو السلاح الإسرائيلي أسواق هذه الدول.
ووفق تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، في أيلول الماضي، فإن هذه الدول استحوذت على حوالى 25% من إجمالي صادرات الأسلحة الإسرائيلية القياسية البالغة 12.5 مليار دولار في 2022.
وأكد التقرير أن “العام الماضي سجّل رقماً قياسياً جديداً لحجم الصادرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، حيث ارتفعت بنسبة 50% مقارنة مع السنوات الثلاث الماضية”.
ويعود سبب ارتفاع حجم المبيعات بحسب المصدر “إلى اتفاقيات التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان”.
يقول المحلل الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب، إنه في حال توسع نطاق الحرب الدائرة حالياً في غزة والأراضي المحتلة، فإنه من المؤكد ستتأثر الاتفاقيات الاقتصادية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، خصوصاً مصر والأردن.
وأضاف في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن هناك الكثير من المشاريع المتنوعة بين تل أبيب وعواصم عربية، بعضها ظاهر، مثل اتفاقية الغاز المصري الإسرائيلي، وكذلك اتفاقية أغادير واتفاقية الكويز بين مصر وإسرائيل، لافتاً إلى أنه “في حال توسعت الحرب، سيكون هناك تغييرات جذرية في هذا الشأن”.
وشدد على ضرورة أن يكون هناك رأي عربي موحد، وأن يتم اتخاذ إجراءات من جانب العرب تتمثل بإلغاء كافة الاتفاقات التي وقعتها الدول العربية مع إسرائيل، في مقدمتها الاتفاقيات الاقتصادية مع مصر والأردن.
ولفت إلى أن إلغاء تلك الاتفاقيات سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، كما سيكون لذلك تأثير إيجابي على الجانبين الأردني والمصري.
وأوضح أن “إلغاء اتفاقيات الغاز، نتيجة الحرب في غزة، قد يدفع مصر إلى إعادة اكتشاف آبارها ومواردها، وبذلك قد يتحقق نوع من أنواع الاكتفاء الذاتي لمصر، لأن تقليل الغاز لا يؤثر على الكهرباء، لكن على الصناعة”.
وأشار إلى أن ذلك قد “يدفع الجانب المصري لاستغلال موارده، وتحقيق نوع من الكفاية الإنتاجية تحقق بها طاقة أرخص وأفضل ومستمرة، وبذلك سوف تشجع الصناعة في مصر”.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن الجزء المهم يتمثل في مسار أو طريق التجارة الجديد الذي تم الإعلان عنه مؤخراً في اجتماع مجموعة الـ20 في الهند، والذي يربط دول الخليج بأوروبا، عبر الأردن وإسرائيل، لافتاً إلى أن إلغاء تلك الاتفاقيات “سوف يقلل الخسائر التي يمكن أن تتحملها الموازنات العربية، نتيجة إنشاء هذا المسار”.
ولفت إلى أن دول الخليج ليست بحاجة لمثل هذا الطريق، لأنها تمتلك شبكة موانئ كبيرة جداً.
وشدد على أن “إلغاء المعاهدات يمكن أن يؤدي إلى ما كان العرب يتطلعون إليه منذ عقود، والمتمثل في التعاون العربي من أجل توفير السلع والخدمات التي ستستغني عنها الدول العربية نتيجة مقاطعة إسرائيل، أو إلغاء المعاهدات مع إسرائيل ومع من يدعمونها، لكونه قد يكون هناك تضييق أوروبي على العرب”.
واستطرد قائلاً: “وقتها يمكن أن نعيد إلى العالم العربي استقراره، ونبدأ طرح الخطط التنموية التي كنا نتحدث عنها من قبل أن يكون السودان سلة الغذاء العربي، ومصر هي العقلية واليد العاملة المدربة، بينما يكون الخليج هو رأس المال”.