عروبة الإخباري –
كلما استمع المواطن العربي إلى تصريحات القيادات الإسرائيلية، كلما ترسخت قناعته بوحشية اولئك القادة من جهة، ونواياهم الاستعمارية الإحلالية الخبيثة المبيتة من جهة ثانية، واستعدادهم للكذب والتدجيل وفبركة القصص في كل اتجاه من جهة ثالثة، حتى أن نتنياهو قال خلال لقائه مع سوناك رئيس الوزراء البريطاني» إن الحرب ضد غزة هي حرب إسرائيل والعالم ضد حماس وهي حرب الديمقراطية والمستقبل «. وكلما تأملنا مسارعة الرئيس بايدن إلى تصديق الرواية الإسرائيلية حتى لو لم يطلع على شيء مما يجري على الأرض، وتفحصنا لهفتة على تقديم آيات الولاء لإسرائيل، وكذلك تصريحات الساسة الأميركيين والأوروبيين، تتعمق القناعة لدينا بشدة نفاقهم وبأن إسرائيل بالنسبة لهم ما هي إلا قارب نجاة سياسية، وورقة يستعملونها متى تطلبتها مصالحهم الذاتية، متجاهلين فظائع اسرائيل وجرائمها وتنكيلها بالشعب الفلسطيني بدون توقف
وخرقها للقانون الدولي والإنساني منذ اغتصاب أرضه حتى اليوم. ويتفاخر الرئيس بايدن بصهيونيته ويتزلف وزير خارجيته بلينكن فيقول «جئت ليس بصفتي وزيراً الخارجية الأميركية ولكن كيهودي»، وتصاريح مماثلة من رئيس وزراء بريطانيا سوناك ومن المستشار الألماني شولتز الذي يصف حماس بأنها تمثل النازية الجديدة والرئيس الفرنسي ماكرون ورئيسة وزراء ايطاليا وغيرهم.
ولكن الأهم من كل هذه التصريحات هو ما باشروا بعمله فعلا، لأن الفعل هو ما يغير الموازين. فسارعت الولايات المتحدة الأميركية لتقديم دعم مالي لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار وتدفق الخبراء والقادة العسكريون من أميركا وبريطانيا وألمانيا إلى إسرائيل لدعم جيش الاحتلال الذي يهاجم المدنيين العزل في غزة، بل وفي كل مكان في الضفة الغربية. وسارع بايدن إلى إرسال حاملات الطائرات لتقف قبالة الساحل الفلسطيني على أهبة الاستعداد للتدخل فيما إذا مال الميزان لصالح المقاومة الفلسطينية الباسلة، أو تدخلت إحدى دول المنطقة لحماية المدنيين الغزيين، وانطلقت حملة إعلامية أوروبية أميركية لخداع العالم بما يجري تحت شعارين مضللين: «إسرائيل في حرب» و»حرب إسرائيل ضد حماس». ورغم أن القصف الإسرائيلي لم يتوقف على مدى أسبوعين كاملين، ذهبت خلالها إسرائيل في وحشيتها إلى أكثر من 58 قصفا مباشرا للمستشفيات والمراكز الصحية الفلسطينية حسب تقرير منظمة الصحة العالمية، واستمرت في قطع المياه والكهرباء ومنع وصول الغذاء والدواء عن 2.3 مليون نسمة في إبادة جماعية على طريقة النازي. إلا أن الموقف الأوروبي والأميركي يتجاهل عمليا كل ما يجري ويكررون عبارة «حق الدفاع عن النفس للإسرائيلي» الذي يحتل أرض الفلسطينيين. أما الفلسطيني فليس له في عرفهم حق الدفاع عن النفس. من جانب آخر، أعلنت عدة شركات أوروبية وأميركية ضخمة تخصيص نسبة من عائداتها اليومية لدعم إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين.
وما تزال خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر كمرحلة أولى، ومن الضفة إلى الأردن، والتي اعتبرها الأردن إعلان حرب، كمرحلة ثانية تتحرك في الدوائر الإسرائيلية دون التفكير في أي عواقب. لقد بلغت الخسائر الإسرائيلية حتى اليوم أكثر من 2000 قتيل و3500 جريح وهذه أرقام ضخمة تدفع نتنياهو وحكومته المتطرفة إلى إطالة زمن العدوان والوصول في الضحايا الفلسطينيين إلى 5 أضعاف الرقم الإسرائيلي.
وبمشاركة بايدن في اجتماع مجلس الحرب يوم الاربعاء الماضي أخذ نتنياهو الضوء الأخضر في مواصلة برنامجه العدواني والدخول البري إلى غزة.
وعقدت منظمة التعاون الإسلامي اجتماعا طارئا في جدة كان مؤداه إدانة العدوان الإسرائيلي واعتبار مجلس المنظمة في حالة انعقاد دائم إلى أن تنتهي الأزمة، وانعقد مؤتمر للسلام في القاهرة. والسؤال هنا ماذا عن الجانب العربي؟ هل يعقل ان تتغول إسرائيل بهذا الأسلوب ولا يصدر عن الانظمة الرسمية إلا إدانة إعلامية خجولة في معظم الاحيان باستثناء الأردن والذي من خلال اللقاءات المكثفة للملك عبدالله الثاني مع رؤساء بريطانيا والمانيا وأميركا وايطاليا وفرنسا نجح في توضيح الوقائع وتصحيح الصورة الخاطئة التي روجها الاعلام الإسرائيلي عن المقاومة الفلسطينية وأعاد الملك المسألة إلى مربعها الأساسي وهو الحل العادل للقضية من خلال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وانهاء الاحتلال. ومع هذا وفي الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن لم يتورع المندوب الأميركي عن استخدام الفيتو ضد مشروع قرار يدعو إلى «وقف إطلاق النار»، لأن الأميركي يريد للإسرائيلي ان يواصل عدوانه على غزة كما يشاء. وفي اطار هذا التخاذل الدولي هناك نقاط أساسية لا بد من الاشارة اليها :اولاً: أن التأييد الجماهيري العربي والدولي للفلسطينيين كان كاسحا كما تمثله مظاهرات شملت المدن العربية والأجنبية وفي مقدمتها عاصمتنا عمان. ولكن الدعم المطلوب لاستمرار صمود غزة يجب ان يكون ماديا يصل إلى الناس هناك ثانيا: ان الانحياز الأميركي الأوروبي الأعمى نحو إسرائيل رغم كل ما ترتكب من جرائم يتطلب من العرب التشبيك مع كل من روسيا والصين والهند والبرازيل خاصة وان تصريحات الرئيس بوتين حول «الخطأ التاريخي في اقامة إسرائيل وان السلام طريقه الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني» تشجع للإفادة من الدعم الروسي والصين ودول البريكس ثالثا: من الضروري ان تعلن الدول العربية تجميد جميع اتفاقياتها السابقة مع إسرائيل، وتعلن التزامها بإعادة بناء ما تم تدميره في غزة وخاصة المرافق الأساسية من الصحة والتعليم والإسكان رابعا: ان تعمل منظمات المجتمع المدني على حث المواطنين العرب على مقاطعة الشركات التي تدعم العدوان الإسرائيلي والاستعاضة عنها بمنتجات من شركات أخرى. خامساً: ان يتوجه الإعلام العربي إلى الدول الأجنبية وانشاء محطات تلفزة واذاعات ومواقع تواصل باللغات الانجليزية والفرنسية والالمانية والروسية والاسبانية والصينية، منعا لانفراد المصادر الغربية الموالية لإسرائيل وهذه مسؤولية وزراء الإعلام العرب سادساً: العمل على انشاء صناديق لدعم غزة والنضال الفلسطيني في الضفة يساهم فيها المواطنون العرب والشركات والمصارف في مختلف الأقطار العربية وبشكل متواصل. سابعاً: تطوير وسائل دعم سياسي ودبلوماسي وقانوني لموقف الأردن المتميز الرافض قطعا لأي عملية تهجير للفلسطينيين مهما كانت وتحت أي ادعاء.
واخبرا فإن العدوان سوف يستمر ربما لعدة أسابيع، مسببا آلاف الضحايا والشهداء، وستعمل إسرائيل على تدمير كل ما تجده في غزة فوق الارض وتحتها، وسيتضاعف طغيانها في الضفة الغربية، وستتلكأ وتتحايل وتخادع في فتح المعابر وإعادة المياه والكهرباء، ولكن ايمان الفلسطينيين بحقوقهم ودعم الجماهير العربية لهم وانتقال الأنظمة الرسمية من القول إلى العمل كل ذلك سيغير الموازين لصالح الحرية للشعب الفلسطيني.