عروبة الإخباري –
ليس المنطقة العربية وشرق المتوسط وحدهما، بل أيضا العالم أجمع يواجه رباعية مرعبة تتمثل بالموت والدَّمار والكراهية واليأس بسبب ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزَّة على وجه الخصوص، وهو ما حذَّر منه جلالة الملك عبدالله الثَّاني في خطابه أمام قمَّة القاهرة الدولية للسَّلام.
ففي تفاصيل الخطاب الملكي ومفرداته قدَّم جلالة الملك تشخيصًا دقيقًا وواقعيًا للماضي والحاضر وما ينتظر العالم والأجيال من مستقبل، حين لفت أنظار دول العالم قاطبة الى أن “الكراهية والموت والدمار وسواد اليأس بين النَّاس سيحول هذا الجزء من العالم إلى جحيم كبير”.
يقول العين محمد داودية، إنَّ جلالة الملك لم يتوقف عن التحذير من مخاطر استمرار الاحتلال الإسرائيلي الذي ينجم عنه تفشي اليأس والكراهية والعنف والانتقام، بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأضاف، إن الممارسات الوحشية الإسرائيلية، واستمرار الاحتلال والظلم والتنكيل ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني، تجعل السلام بعيد المنال، وتسهم في الخراب الهائل الذي ينجم عن ممارسات الكيان الإسرائيلي.
وبينت الخبيرة في القانون وحقوق الإنسان الدكتورة نهلة المومني، إنَّ خطاب جلالة الملك عبدالله عكس تأصيلا قانونيا وانسانيا عميقا للمشهد القاتم من خلال بعديْن اساسيين: الأول، التأصيل القانوني والفهم العميق للقانون الدولي والجذور العميقة التي دعت لنشوئه وتقنينه تاريخيا والمتمثلة في تجنيب البشرية المزيد من الويلات التي عانت منها عبر ما شهدته من صراعات قائمة على منطق القوة والازدواجية في المعايير، فجاء ميثاق الأمم المتحدة ابتداء ليحقق غايتين اساسيتين هما تحقيق الأمن والسلام الدوليين.
ووضع الملك نصب عينيه حقوق الانسان كأحد المقاصد الجوهرية لنشأة هذا الميثاق والالتزام به، اضافة الى ما تضمنه القانون الدولي الانساني من بنود وآليات كان مقصدها الأساسي وضع حد للانتهاكات التي ترتكب وقت النزاعات.
ولفتت إلى أنَّ هذه الجذور المتأصلة في نشأة القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان سيؤدي قطع اوصالها الى مثلث من الموت والكراهية المتصاعدة واليأس والدمار الانساني والمادي على حد سواء وهي النتائج التي اشار إليها جلالته في خطابه كنتائج طبيعية لازدواجية التطبيق وانتقائيته والتي ستؤدي في المشهد العام الى أن يفقد القانون الدولي قيمته في نظر المجتمعات.
وتشير المومني الى البعد الثاني في خطاب الملك وهو البعد والتأصيل الانساني للمشهد الذي تعيشه المنطقة؛ فالإنسانية واحدة بغض النظر عن العرق او اللون أو المنشأ كما أكدت على ذلك مضامين الخطاب، لافتة الى أن الإنسانية لا تقبل التجزئة أو المساومة أو الانفصال، وحياة الانسان وكرامته واحدة مهما اختلفت الاماكن، وما كان للبشرية أن يكون بينها هذه القيم المشتركة لولا هذه الوحدوية الإنسانية التي من أجلها اجتمعت شعوب العالم ووضعت المواثيق والاتفاقيات اعلاء لها.
لقد أكدت الأمم المتحدة، تقول المومني، أن عالمية حقوق الانسان أصبحت خارج إطار النقاش ابتداء، لذا فإن الخروج عن هذه القيم المشتركة ووضع حياة الانسان في الميزان يعني أن حياة اهم من أخرى واعلى قيمة ومكانة ستجعل ثالوث اليأس والكراهية والموت نتائج كارثية ستؤدي بنا إلى الهاوية كما اشار الى ذلك جلالته في بداية الخطاب.
وتعتقد المومني أن على العالم اليوم ان يقف أمام ذاته وان يستنهض القيم الإنسانية التي أصبحت موضع جدل بفعل آلة الحرب الإسرائيلية وان يجعل من كلمات القادة المستنيرين كجلالة الملك التي طرحت بوضوح تام في قمة هامة كهذه طريقا للإبقاء على المنظومة الدولية قائمة بثبات وحكمة وان لا يستمر المجتمع الدولي في ادارة ظهره وان لا يكتفي بمشاهدة سفك الدماء الذي يأتي اليوم ثمنا للفشل في التقدم بتحقيق السلام كما أكد على ذلك الخطاب الملكي.
المستشارة النفسية والأسرية والناشطة السياسية الدكتورة حنان العمري قالت، إن الرباعية الكارثية التي أشار اليها الملك والتي تتمثل بالموت والدمار والكراهية واليأس تعني بأن تعيش البشرية عقودا وهي تعاني من مخلفاته إذا استمر بهذه الطريقة وسيغدو التاريخ مرعبًا لم نطمح ليكون ضمن مخططات مناهجنا يوما ما.
وأضافت، إنَّ ما نراه ونسمعه من مشاهد موت ودمار في قطاع غزَّة هي مشاهد ملموسة وواقعية وحدث لا يمكن تجاهله أو نكرانه، وهو واقع الحال الذي ادمى القلوب واستفز العقول لتحرك طاقة الغضب الكامنة فينا منذ عقود، لكنها تفجرت عند البعض دون ضوابط أو قيود.
وتعجبت العمري ممن يقولون: اننا شعب لا يجوز أن يغضب ويتحرك، ويجب أن نبقى صامتين!!، داعية الى استثمار طاقة الغضب وتوجيهها بشكل آمن وبما يخدم قضية فلسطين واستعادة الحقوق وتحقيق العدالة ومنح الفلسطينيين حقوقهم التي أقرها القانون الدولي.
ولفتت العمري إلى إنَّ التعبير عن الغضب بسبب الموت والدمار ينقسم إلى مشهدين، الأول وهو المشرف في مظاهرات مستنكرة كل ما يجري من ظلم داعمة لأهلنا في فلسطين، وتكثف الدعاء لنصرتهم، وتبث الحماس في النفوس بعيدا عن الكراهية واليأس وهما الركيزتان الاخيرتان مما أشار اليه جلالته في خطابه لمربع ما يحدث.